محمد فؤاد: الأزمة المالية الخانقة التي تتعرض لها اليونان حاليا أثبتت الأيام أنها ليست مصادفة ومجرد سحابة صيف عابرة, فالأمر بدأت تتأثر به دول اخري في منطقة الوحدة الأوروبية النقدية, ومنها البرتغال وإسبانيا وإيرلندا وإيطاليا. وهذا مايثبت أن كرة الجليد انطلقت من اليونان بصوب اقتصاديات أوروبية كبيرة ظلت علي مدي سنوات طويلة من أفضل الاقتصاديات في أسلوب الأداء. فلو نظرنا إلي الوضع الاقتصادي في بلد كبير مثل إسبانيا فسنجد أن عجز الموازنة قد وصل إلي11.2% من إجمالي الناتج المحالي, أما نسبة البطالة فقد وصلت إلي20% وهي النسبة الاعلي في دول منطقة اليورو وتعني ان4.5 مليون شخص يعانون حاليا البطالة. والمشكلة في إسبانبا أن النمو الاقتصادي قد اعتمد بشكل كبير علي قطاع العقارات الذي انهار بشكل كامل بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة. ويشكل هذا القطاع نحو10% من إجمالي الناتج المحلي. وبطبيعة الحال فإن خسائر قطاع العقارات قد أدت إلي تأثيرات سلبية علي الإيرادات الضريبية مع زيادة كبيرة في تكاليف إعانات البطالة نتيجة زيادة أعداد العاطلين. وفي وضع كهذا حاولت الحكومة الإسبانية أن تخفف من حدة المخاوف بشأن الوضع الاقتصادي الإسباني من خلال الإعلان عن برنامج تقشف بقيمة50 مليار يورو, أي ما يعادل70 مليار دولار في محاولة منها للسيطرة علي العجز في نطاق3% المحدد من قبل الاتحاد الاوروبي علي أن يتم ذلك بحلول عام2013. الأزمة دفعت الحكومة الأسبانية أيضا إلي تبني إجراءات جديدة لإعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الاسباني من خلال خفض حجم قطاع العقارات والإنشاءات وتشجيع الاستثمارات في مجال التكنولوجيا الفائقة والابتكار والإنتاجية. والحكومة تعد أيضا مزيدا من الخطط لجعل سوق العمل أكثر مرونة ولخفض تكاليف التوظيف والفصل أيضا. والحقيقة أنه لو تمكنت الحكومة الإسبانية من إصلاح سوق العمل فسيكون ذلك برهانا علي وجود حكومة قوية ترغب في التأثير علي المستثمرين الذين يشعرون بالفزع من حدوث أي خطر علي الاقتصاد. واللافت ان الحكومة الاسبانية اعترفت بأن الوضع صعب ولكنها رفضت ان تقارنه بما يحدث في اليونان وأشار إلي أن الفارق في القدرة علي المناورة مازال كبيرا, حيث مازال لدي المدير تلك القدرة. والوضع في البرتغال مطابق تماما لما يحدث في إسبانيا, فالنمو الاقتصادي اعتمد علي قطاع العقارات وانهار بانهيار ذلك القطاع في الأزمة المالية العالمية الأخيرة. كما وصل عجز الموازنة هناك إلي9.3% من الناتج الإجمالي المحلي. والحكومة هناك تخطط لخفض ذلك العجز ليبلغ2.8% بحلول عام2013 في إطار خطط قاسية سيكون لها مردود اجتماعي ليس بالهين, الأمر الذي يجعل حكومتي البلدين تتمهلان قبل البدء في أي خطط لها مردود اجتماعي قاس. ولكن لن يكون أمام تلك الحكومات سوي تنفيذ تلك الإصلاحات الأليمة لأن خطر تفشي الأزمة اليونانية إلي دول أخري سيجعل منطقة اليورو امام وضع لم يحدث من قبل. وقد يكون ذلك بمثابة بداية تفككها الفعلي. كما يجب أن تدرك دول الاتحاد الأوروبي أن عدم قدرتها علي معالجة, ازماتها المالية سيعني تدخل البنك وصندوق النقد الدوليين مما يزيد من حالة التوتر الاقتصادي بين دول منطقة اليورو في الآونة الحالية.