مع وصول أول بعثة مراقبة أوروبية الي أثينا لمراقبة خطوات الحكومة اليونانية وخطتها الاقتصادية تدخل أزمة اليونان الاقتصادية مرحلة جديدة من الحزم والجدية يري الكثير من المراقبين أنها ستغير قواعد اللعبة في القارة العجوز بأسرها. وقال رئيس غرفة صناعة وتجارة أثينا كوستاندينوس ميخالوس في مقابلة مع الجزيرة نت إن الاوروبيين يعيشون اليوم أول تجربة عملية لمدي تحمل حزمة اليورو للضربات والأزمات، وأضاف انه لا توجد آليات في الاتحاد تعمل علي رصد هذا النوع من الازمات والاحتياط له ولهذا يتم العمل حاليا علي ايجاد منظومة دعم سياسية واقتصادية للدول التي تتعرض للهزات ورغم ان دولا أوروبية اخري تعاني من أزمات اقتصادية حسب ميخالوس، اعتبر ان "خلطة العجز" اليوناني نوعية حيث تضم الي جانب العجز الكبير في ميزانية الدولة دينا خارجيا مرتفعا للغاية ثم عجزا كبيرا في القدرة التنافسية للمنتجات اليونانية واعتبر ان تقليص النفقات الذي تقوم به حكومة باباندريو لن تكون له نتائج ايجابية الا اذا رافقته تنمية اقتصادية، ويوجب ذلك علي الحكومة التقدم بأقصي سرعة بمشروع اقتصادي واضح ومفضل يقنع الشركاء الاوروبيين بتقديم المساعدة لليونان من اجل تجنب دخول صندوق النقد الدولي الي الاقتصاد اليوناني وهو ما سيشكل شرخا في الاقتصاد الاوروبي وأضاف انه رغم وجود الاجهزة الدولية علي منطقة اليورو حل مشكلاتها الاقتصادية داخليا. واعتبر ميخالوس ان التهرب الضريبي وهدر المال العام أكبر مشكلات اليونان الاقتصادية وذكر ان عدد موظفي القطاع العام في اليونان ذات العشرة ملايين ونصف المليون يبلغ 1.250 مليون شخص أي حوالي 22% من مجموع اليد العاملة بينما يبلغ عدد عمال القطاع العام في النمسا ذات ال 10 ملايين حوالي 69 ألف شخص وهو فرق شاسع للغاية وغير مثمر. وتحتاج اليونان الي حوالي عامين لانشاء جهاز ضرائبي مبسط وفعال وأكثر عدالة حسب ميخالوس وفي هذه الاثناء يجب علي الدولة التركيز علي فئات مهنية معينة مشهورة بالتهرب الضريبي مثل الاطباء والمحامين واصحاب المهن الحرة حيث توجد لدي وزارة الاقتصاد والمالية اليونانية لائحة بأكثر من 965 ألف حالة تهرب ضريبي بين هذه الفئات. وأشار ميخالوس الي ان أي وجود للجنة الاقتصادية الاوروبية في أثينا سيكون مسألة معتادة من الآن فصاعدا حيث دخلت اليونان حيز الرقابة الاوروبية واعتبر ان التواجد الاوروبي لن تكون له نتائج مباشرة وان تواجد اللجان الرقابية يعني عدم ثقة الاوروبيين بالادارة اليونانية لمسألة الاصلاحات وحمل الحكومات اليونانية المتعاقبة مسئولية ضياع ثقة الاتحاد باليونان. وقلل ميخالوس من احتمال تأثير ازمة اليونان علي الدول الاخري مذكرا أن مجموع ما تسهم به أثينا في الاقتصاد الاوروبي 2% فقط لكنه اكد ان الاتحاد الاوروبي يحاول عن طريق معالجة أزمة اليونان تجنب أزمات محتملة في دول اكثر اهمية واسهاما في الاقتصاد الاوروبي مثل ايطاليا واسبانيا وهي دول تمتلك ادوات لمواجهة الازمة مثل الصناعات الثقيلة. ولفت ميخالوس النظر الي اهمية اخذ ردة الفعل الاجتماعية بعين الاعتبار عند اتخاذ خطوات التقشف التي توحي بها اللجان الاوروبية للادارة اليونانية حيث تنصح بتقليص الأجور كما جري في ايرلندا وهي خطوة خطيرة كما يري حيث يبلغ المعاش الشهري في القطاع العام الايرلندي من 2000 الي 2500 يورو "2700 3380 دولارا" بينما لا يتعدي 900 يورو "1200 دولار" في اليونان. من جهة اخري اكد ميخالوس ان وصول اليورو الي اسعار مرتفعة جدا مقارنة بالدولار سيفقد المشروعات الاوروبية قدرتها التنافسية لارتفاع اسعارها واعتبر ان افضل توازن عالمي يتأتي من معادلة 1 يورو = 1 دولار = 100 ين ياباني واعتبر ان انخفاض سعر اليورو باستمرار تجاه الدولار ايجابي بالاجمال متوقعا ان يستقر علي معادلة 1 يورو = 1.20 دولار، وهذه المعادلة ستضمن للاقتصاد الاوروبي صفة التنافسية المطلوبة وأكد ميخالوس في حديثه للجزيرة نت ان الاتحاد الاوروبي وبسبب ازمة اليونان سيكون حذرا فيما يخص ادخال الدول الجديدة في منطقة اليورو اكثر من حذرة من دخول تلك الدول الوحدة السياسية الاوروبية كما سيكون اكثر تشددا في تطبيق المعايير الاقتصادية والرقابة المالية علي الدول الاعضاء والدول الراغبة في الانضمام اليه. وأكد المستثمر الامريكي جورج سوروس ان مستقبل منطقة اليورو سيظل محل شكوك حتي لو حصلت الدول الاعضاء التي تعاني أزمات مالية وفي مقدمتها اليونان علي مساعدات حيث انه في غياب المؤسسات اللازمة تطرح تساؤلات مهمة عن كيفية التعامل مع الازمات القادمة وفي مقال نشرته صحيفة فايناشال تايمز البريطانية أشار سوروس الي اختلالات في بناء منطقة اليورو ورأي ان عملة موحدة تامة الشروط تتطلب بنكا مركزيا وسلطة مالية مشتركة تتولي استقطاع ضريبة الافراد في دول المنطقة وأكد ان الدول المشاركة في منطقة اليورو اسست بنكا مركزيا مشتركا لكنها رفضت تسليم الحق في فرض الضرائب علي مواطنيها لسلطة مشتركة وفق ما نصت عليه معاهدة ماستريخت قال سوروس ان الاجتماع الاخير لوزراء مالية الاتحاد الاوروبي تعهد بالحفاظ علي الاستقرار المالي لمنطقة اليورو التي تضم 16 دولة لكنه اشار الي ان الاوروبيين لم يبلوروا بعد آلية تتيح لهم تحقيق ذلك التعهد علي ارض الواقع لان الاتفاقات التي أرست المؤسسات الحالية لا تتضمن آلية من ذلك القبيل رغم ان المادة 123 من معاهدة لشبونة أرست اساسا قانونيا لذلك. وأشار الي ان البناء الاصلي لليورو افترض ان الاعضاء من شأنهم ان يتقيدوا بالحدود التي وضعتها معاهدة ماستريخت لكن ازمة الديون اليونانية اوصلت الامور الي ذروتها واذا لم تتخذ الدول الاعضاء خطوات الي الامام ربما اصبح البناء الاصلي لليورو معرضا للانهيار، وأشار الي ان بناء منطقة اليورو حالة غير عادية وفريدة من نوعها ومن الواضح انها معيبة البناء وهو ما يتم اختباره حاليا خلال الازمة، موضحا ان أوتمار آيسنج وهو من الآباء المؤسسين لمنطقة اليورو يعترف بأنه كان من بين الذين يعتقدون ان بدء الوحدة النقدية دون تحديد لاتحاد سياسي يضع العربة قبل الحصان وتابع الملياردير الامريكي ان المساعدة التي تردد ان الاوروبيين سيقدمونها لليونان التي قدرتها بعض المصادر بحوالي 34 مليار دولار يجب ان تكون مؤقتة وكافية واشار الي انه سيتعين علي الدول الاوروبية في هذه الحالة ان تقدم العون الي دول اخري تمثل جزءا كبيرا جدا من منطقة اليورو وتعاني من مشكلات مالية وان كانت اقل من اليونان وهي اسبانيا وايرلندا والبرتغال وايطاليا وهو الامر الذي يبدو من الصعوبة بمكان. ورأي سوروس نجاة اليونان التي تجاوزت ديونها 400 مليار دولار ويبلغ العجز في موازنتها حاليا 12.7% من الازمة الراهنة سيترك مستقبل المنطقة محل تساؤل واشار المستثمر الامريكي الي ان السؤال الابرز في مثل هذه الظروف يتعلق بالازمة المقبلة حتي في حال التغلب علي الازمة الراهنة واكد ان ما يحتاج اليه الاتحاد الاوروبي واضح وهو رقابة اشد وترتيبات مؤسساتية للمساعدات المشروطة التي يمكن ان تعطي لليونان وغيرها من الدول التي تعاني من ازمات مالية واضاف انه اذا بات النظام المالي معرضا للانهيار كما هو الحال في منطقة اليورو الآن فإن دور البنك المركزي سيكون توفير السيولة في حين تتولي السلطة المالية دون غيرها التصدي لمشاكل السيولة.