عامان كادا أن ينصرما علي ذاك الذي جري في عدد من الدول العربية, وربما يمتد إلي البقية من الأنظمة, جمهورية كانت أو ملكية, وقد أصطلح علي تسميته بالربيع العربي, وغير مؤكد حتي الساعة إذا كان ربيعا أم شتاء, وإن بدا في كل الأحوال صحوة عربية. وهو تعبير أفضل لأن الربيع فترة موسمية تنقضي بانقضاء تاريخي محدد, أي أنه زمن سريع الزوال, في حين تحمل الصحوة معاني تقود لاحقا لفكر النهضة الحقيقية, والرينسانس الموضوعي لا الدعائي أو الاستهلاكي, وهي صحوة في كل الأحوال, ذلك لأن إفرازها الحقيقي المؤكد دون تهوين أو تهويل, هو التغيير الحقيقي في الشخصية العربية, حتي وإن كان سلبا, وليس شرطا أن يكون إيجابيا بالمطلق في الفترة الانتقالية, وكسر التابوهات, والقفز فوق الطوطمات, وتناول الحديث عن أي من المحرمات, عطفا علي مساءلة الأيقونات, ولهذا فإنه لا أحد يعتقد أن بإمكان العالم العربي أن يغير اتجاهه وأن يعود إلي تلك الحالة التي وصفها أديب فرنسا الكبير أندريه مالرو في مذكراته لا مذكرات بأنها النوم العميق الذي لا يقهر الذي تغط فيه الشعوب العربية والإسلامية. علي أن الربيع أو الصحوة العربية ومع بدايات العام الثالث لمولده,, يستدعي علامات استفهام حول علاقته بما يزعم البعض أنه المؤامرة التاريخية في لحظتها الآنية, ويذهب آخرون إلي أنها الاستراتيجيات الكبري لحكام العالم الحقيقيين من الطبقة الخارقة التي لا تظهر أبدا علي السطح. وحتي الساعة ما من جواب شاف واف, حول ذاك الذي جري وهل كان مصادفة موضوعية أم قدرية في تلك البقعة الملتهبة من الأرض, المعروفة بالشرق الأوسط, أم أنه جزء من مخطط أوسع حتما ستتكشف أبعاده لاحقا عندما يعلن من علي السطوح ما يقال وقيل سرا في المخادع, وهو أمر كفيل التاريخ به بالضرورة. ضمن الأسئلة الجوهرية التي يعن للمرء طرحها بين يدي هذه المناسبة هل جاءت الصحوة العربية لتنتهي الثنائية التي استمرت طويلا والحالة الحدية التي وضعت الشعوب العربية أمامها للاختيار بين أمرين أحلاهما مر, وحلان كلاهما أعرج: سندان الفاشية والنظم الديكتاتورية من جهة, والمطرقة الأمريكية في تحالفها المعلن أقله والخفي غالبه مع تيارات الإسلام السياسي بأطيافه وأطرافه وألوانه المذهبية المتباينة؟ من خلال رصد كمي ونوعي للتظاهرات السياسية, والوعي المجتمعي للحالتين التونسية والمصرية, يمكن للباحث ودون عناء أو مشقة رصد ظهور فصيل ثالث, أقرب إلي فكرة الطريق الثالث للتيارات العلمانية واليسارية, وذات الهويات والانتماءات الدينية المغايرة, لاسيما ذات الأوزان منها كالأقباط في مصر, وحتي مع عدم مقدرة هذه الجماعة في الحال علي بلورة اتجاه واضح لها, إلا أنه مع التجربة والحكم سيشهد الاستقبال وليدا جديدا, لديه من الأدوات المعرفية والتجربة التي اكتسبها من المعرفة الانتقالية, ما يؤهله للمناقشة بثوب وطني خالص لا شرقي ولا غربي, وبعيدا عن رداء الفاشية أو أثواب الدوجمائية والهيمنة الغربية. في مقدمة النتائج التي تتحدث عن نفسها وتتصل اتصالا وثيقا بالصحوة العربية, وصول تيارات الإسلام السياسي إلي الحكم, غير أن تجربتهم من تونس إلي ليبيا وصولا إلي مصر تؤكد بجلاء وموضوعية تامين, أن هناك قصورا شديدا في فهم أبعاد التعددية الديمقراطية, وعدم قدرة الواصلين إلي كراسي الحكم علي التوصل إلي بدائل تقنع خصومهم, وتجتذب معارضيهم, وتوسع من دائرة خياراتهم, ولهذا رأينا محاولات العزل والإقصاء بطريق أو بآخر, سرا وجهرا, بل وعبر التحايل تارة والالتفاف تارة أخري علي تجمعات شعبية بعينها, فكانت الانتخابات والاستفتاءات تجري إما برسم ديني أو طائفي, ولهذا فإن أي نتائج تأتي مشوهة ما يؤكد حالة الفراغ السياسي القائم والتي لم تملأها أنظمة تلقي إجماعا جماهيريا أو نخبويا, وصار من الطبيعي أن تسود الأجواء حالة تشظ مجتمعي. يضيق المسطح المتاح للكتابة عن رصد حالة الصحوة العربية في عامها الثالث, غير أنه لا يمكن الانصراف قبل تأكيد أن الدولة الرخوة, وهي المقدمة الطبيعية والسياق التاريخي للدولة الفاشلة, هي تلك التي تغيب عنها سيادة القانون, ويحيط التمييز بين أبنائها أبناء الوطن الواحد.. الربيع العربي يكشف كذلك حالة الازدواج الأخلاقي الغربي المعتادة, من الأوربيين والأمريكيين علي حد سواء هذه المرة, ذلك أن وعودهم المالية تقصر كثيرا جدا إذا كانوا بالفعل يريدون ديمقراطية عربية حقيقة عن أن تكون نواة تكتونية لمشروع مارشال عربي حقيقي ينتشل الشعوب البازغة إلي الحرية من حالة التردي بين الفاشية السياسية, والاستبداد العقائدي الملتبس والمتلبس أبدا ودوما بالثوب الديني. حتما كانت الدول العربية خارج السياقات التاريخية لموجة الديمقراطية الثالثة التي شهدها العالم في أعقاب انهيار جدار برلين, ومع الصحوة العربية تساءل الكثيرون هل بات الشرق الأوسط علي موعد مع الديمقراطية؟ حتي الساعة لا أحد يملك الرد, ذلك أن طرح القضايا يبدأ من الذات, ونحن دوما ننتظر الجواب عن قضايانا المصيرية من الآخرين.