شريف الغمري: عندما ينتشر العنف في أي مجتمع ويصبح السلاح مباحا في الأيدي فلابد أن يكون للدولة موقف حاسم في التصدي لهذه الظاهرة المهلكة والمدمرة وإلا أفلت زمام الأمور من أيدي الدولة إلي أيدي دعاة العنف لأي سبب كان عندئذ تدخل الدولة في حالة من الفوضي والهمجية وكأنها لم تعد دولة. وهو شيء كان قد انتشر في دول العالم الثالث المتخلفة, إلا أنه أصبح يمثل هذه الأيام مشكلة كبيرة للدول المتقدمة أيضا. وهو ما يحدث الآن في الولاياتالمتحدة والتي تشهد حالة من حرب الاتهامات المتبادلة بين إدارة أوباما والمؤسسة الوطنية للسلاح, وهو لوبي يدعو لحمل السلاح بلا أي ضوابط, وذلك بعد المذبحة التي راح ضحيتها20 طفلا خلال دقائق في مدرستهم مؤخرا. وبينما يقود الرئيس أوباما حملة كبيرة للحد من حمل السلاح في الولاياتالمتحدة خصوصا بين أيدي الصغار, فإن لوبي حمل السلاح وهو من أكبر منظمات الضغط في أمريكا شن حملة مضادة في أنحاء الولاياتالمتحدة مبررا موقفه بأن' حماية الصغار من أشخاص سيئين يطلقون الرصاص يتطلب أن يحمل الصغار الطيبون السلاح أيضا'. ومن المعروف أن انتشار حمل الأسلحة في الولاياتالمتحدة قد أسفر عنه مقتل أكثر من11 ألف أمريكي خلال عام2011 وحده, وذلك طبقا للإحصاءات الرسمية, بالإضافة إلي18 ألف حالة انتحار باستخدام السلاح الناري. ووسط هذا الجدل المشتعل بين الطرفين خرج واين لابير رئيس الموسسة الوطنية للسلاح بتصريح قال فيه إن ساحات الملاعب الرياضية والبنوك والقاعات التي يقام بها الاحتفالات وأيضا الرئيس الأمريكي نفسه يتمتعون بالحماية, بينما لايتمتع بها من وصفهم ب أحبائنا الأبرياء من أعضاء الأسر الأمريكية, وقال في مؤتمره الصحفي, والذي كان يقاطعه أثناءه المحتجون الرافضون لدعوته والذين يتهمون هذه المؤسسة بمسئوليتها عن عمليات القتل الجماعي في الولاياتالمتحدة, إن الرد المطلوب لحماية أطفالنا أن نخصص حراسة مسلحة من الشرطة أمام كل مدرسة ابتداء من يناير الحالي. ومن المعروف أن هذه المؤسسة يلتحق بها أكثر من مليون طفل سنويا في أنحاء الولاياتالمتحدة لتتولي تدريبهم علي حمل السلاح, وقد وصلت خطورة دعوة هذه المؤسسة للأمريكيين لحمل السلاح إلي أنه قد أصبح45% من الأمريكيين يحتفظون بسلاح ناري في بيوتهم. وفي مقابل ذلك فإن الرئيس أوباما وجه نداء إلي الأمريكيين لكي يتوحدوا في مواجهة ما وصفه بوباء العنف الذي تستخدم فيه الأسلحة النارية والذي اجتاح البلاد مما أدي إلي مقتل ما يزيد علي10 آلاف شخص سنويا, ووجه أوباما تعليماته للمسئولين للبدء في إجراء دراسة فورية للقوانين التي تسمح بحمل السلاح في خطوة منه للوصول إلي تشريع يحد من هذه الظاهرة الخطيرة. ودعا أوباما الكونجرس في خطاب له أن يصدر تشريعا يقضي بحظر بيع الأسلحة النارية والمعدات العسكرية ذات الخطورة, وهو أمر يؤيده غالبية الشعب الأمريكي. وكان الرئيس كلينتون قد حاول إصدار تشريع يحظر حمل السلاح إلا أن قوة لوبي حمل السلاح عرقل محاولاته. وقد أظهر إستطلاع لمعهد جالوب لاستطلاعات الرأي أجري في التسعينات أن78% من الأمريكيين يؤيدون فرض رقابة شديدة علي حمل السلاح, إلا أن هذه النسبة تراجعت كثيرا في آخر استطلاع لنفس المعهد والذي أظهر أن الذين يؤيدون القوانين المشددة لحمل السلاح يبلغون44% مقابل56% لا يريدون إجراء أي تغيير في القوانين الحالية, وربما كان السبب في انخفاض عدد المؤيدين للحظر هو حالة الرعب التي انتشرت في المجتمع الأمريكي من عمليات العنف وشعور البعض بأنهم يحتاجون للسلاح للدفاع عن أنفسهم. في نفس الوقت فإن المنظمة المؤيدة لحمل السلاح حاولت أن تبرر دعوتها بتوجيه الإتهام إلي أفلام العنف بأنها ساهمت في ظاهرة العنف في المجتمع الأمريكي. وكانت هناك دراسة للكاتب الأمريكي تموني إيجن والذي أضاف بعدا جديدا لظاهرة العنف عندما قال إن التهديد باستخدام السلاح أو استخدامه بالفعل كان عنصرا مساعدا علي عرقلة أي خطط حقيقية من أجل الإصلاح في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرهما في ظل قانون أو تشريع يسمح بحمل السلاح والتصريح بالقتل بطريقة قانونية.