أدي الحراك الشبابي والجيلي في مصر وتونس إلي إعادة إحياء السياسة بعد موتها المجازي لمدة60 عاما مضت لمصلحة نظم وحكومات الإدارة البيروقراطية التسلطية, التي صادرت التعددية السياسية والتنافس والصراع الاجتماعي الطبقي والسياسي في البلاد, لمصلحة الحزب السياسي التعبوي الواحد, واستمراريته في إطار تعددية سياسية وحزبية شكلية ومقيدة في ظل حكم السادات, ومبارك. أولا: عوامل الحراك الشبابي الجديد. إن دور الحراك الشبابي في الانتفاضات الثورية العربية محوري في مصر, وتونس وجاء هذا الدور نتاجا لعديد من العوامل الرئيسية يأتي علي رأسها: أ- أثر الصور السياسية والاجتماعية والمشاهد الحاملة لها علي المستوي العولمي, سواء في التنبيه إلي أن من حق الفرد أو المجموع التحرك الاحتجاجي من أجل الحقوق والحريات العامة والشخصية أو رفض أي سياسة ما, أو قرار سياسي ما, أو إزاء ظواهر تشكل موضوعا للرفض شبه الجمعي. ويعود هذا الأثر للعولمة وصيروراتها. ب- الثورة الرقمية, وكسرها لقيود المجال العام السياسي الواقعي, والارتحال إلي المجال العام الافتراضي أو المجال العام النتي, والجدل بين الواقعي المقيد, والافتراضي الحر, أدي إلي بعض التمرينات السياسية الافتراضية والواقعية تجلت في حراك8 أبريل2008, وكلنا خالد سعيد. من ثم لعبت الأجيال بين18 و30 سنة دورا محوريا في المساهمة في خلع الرئيس مبارك وبعض رموز حكمه بل وتقديمهم للمحاكمات الجنائية أمام جهات القضاء العادي. ج- أدي الواقع الافتراضي والتعامل مع عديد مواقع التفاعل الاجتماعي الفيس بوك, وتويتر وقبلها المدونات إلي بلورة الدور السياسي الاعتراضي والاحتجاجي للشباب المصري والتونسي. لا شك أن ثورة التقنيات والمعلومات والوسائط المتعددة, ساهمت في عملية متمددة لتفكيك القيود البنيوية الاجتماعية والتعليمية والدينية التسلطية والوصائية التي كانت تعوق ولا تزال عملية ميلاد الفرد المتعثرة نسبيا في البنيات الاجتماعية التقليدية أو الطبقية غير المتبلورة في المجتمعات العربية. من هنا ساهم الحراك الشبابي قبل ما يسمي مجازا بالربيع العربي وبعده في الحث والتسريع بكسر القيود علي هذه العملية, وميلاد الفرد والفردانية في إطار التمرد علي البني التسلطية في السياسة, وبعض أنماط التنشئة الاجتماعية والدينية, وهو ما بدا يظهر في بوادر التناقضات في جماعة الإخوان المسلمين بين جيل الشيوخ من جيل الستينيات من أبناء الأستاذ سيد قطب والتنظيم الخاص وهيمنتهم علي الجماعة وتنظيمها وذراعها السياسية, وبين بعض شباب الإخوان, وهي ظاهرة ستستمر. د- الحراك السياسي جاء مصحوبا ومصطحبا للصراع والجدل السياسي والاجتماعي, وهو ما أثر علي حالة الكلام العام إذا جاز التعبير وساغ, لاسيما أثر ذلك في إنماء النزعة السجالية والنقدية, وبدء عملية تحرر تدريجي من النزعة الطاعوية التي كرستها الثقافة السياسية الطغيانية السائدة التي كرست الامتثال والخضوع والإذعان, ومن ثم بدا التمرد علي اللغة الخشبية, والجرأة في التعبير عن الذات. في هذا الإطار يمكن رصد اللغة التويترية الساخرة, بل والتي تنتهك أعراف اللغة والتعبير في الأمور السياسية والاجتماعية علي نحو غير مألوف. ه- أدت الانتفاضات إلي بدء كسر احتكار الأجيال الأكبر سنا, أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية, والستينيات الذي أدي إلي الجمود الجيلي والسياسي, ومن ثم إلي شيخوخة سياسية وفكرية أسست لجمود وسلفية نظم الأفكار والعمل السياسي في مصر وبعض البلدان العربية. ومنها تونس علي سبيل المثال. إن الشيخوخة السياسية لا تعتمد علي متغير العمر الكبير, وإنما علي نتائجها, وهو أن بعض هذه الأجيال في الدولة والنظم الشمولية تقادم الرأسمال الثقافي والوظيفي لخبراتهم, ومن ثم ظهرت جليا فجوات في الحس والخيال السياسي, وفي القدرة علي متابعة التغيرات في تركيبة المجتمعات العربية, ومن ثم القدرة علي التعامل السياسي مع المتغيرات الجديدة, بل وسياسة هذه الأجيال التي تربت في بيئة تسلطية, وفي ظل ظاهرة السياسة المعتقلة, ومن هنا بدت سياسة سلطوية ممنهجة للاستبعاد الجيلي للشباب من دوائر العمل الحزبي, وفي إطار جهاز الدولة, وفي بعض المواقع المهنية, والتي ظلت محتكرة بواسطة سلطة شائخة, ومعها رجالها وسدنتها, ولا تزال نسبيا تهيمن علي قمم هذه الدوائر علي اختلافها. ثانيا: ما تأثير هذه الظواهر الجديدة علي المستقبل العربي؟ نستطيع في ضوء المتغيرات المصاحبة للحراك الشبابي أن نضبط بعض التعميمات والانطباعات, ونحاول بعيدا عن الدرس الأمبيريقي والتحليلي الذي لم ينجز حتي هذه اللحظة مصريا, ومن ثم نرمي إلي السعي إلي بناء سيناريوهات محتملة في ظل غياب بحوث أمبريقية حتي هذه اللحظة بعد ما سمي مجازا بالربيع العربي استعارة من أوروبا نهاية القرن التاسع عشر, وربيع براغ. وفي المقال القادم نستكمل التحليل والنقاش.. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح