برلين مازن حسان طرحت في أسواق عيد الميلاد الألمانية في نهاية عام2012 لعبة تقنية حديثة تسابق الكبار قبل الصغار علي شرائها رغم ما اثارته من مخاوف حول إنتهاك الحريات الشخصية للأخرين. اللعبة عبارة عن نموذج صغير لطائرة بدون طيار لايزيد ثمنها علي300 يورو ذات أربع مروحيات ومزودة بكاميرات حساسة ويمكنها التحليق عموديا والطيران مسافات بعيدة علي أي ارتفاع وبدون صوت لتنقل صورا عالية الجودة لصاحبها وهو يجلس في حديقته أو في شرفة منزله متحكما فيها عن بعد.. غير ان الجدل الألماني حول خطورة إستخدام هذه اللعبة في إنتهاك خصوصيات الأخرين سرعان ما إنتقل إلي مستوي آخر بعد ان كشف المركز الألماني للطيران والفضاء عن إجراء إختبار بتكليف من وزارة الداخلية الألمانية لمعرفة إمكانية إستخدام الطائرات بدون طيار كبيرة الحجم في مراقبة الشواطئ والسواحل الالمانية. ولأن المانيا رغم ما تملكه من قدرات وإمكانيات تقنية وصناعية لا تملك حتي الآن طائرات بدون طيار خاصة بها فإن الطائرات التي سيتم إستخدامها للقيام بهذه المهمة هي طائرات إسرائيلية من طراز هيرون واحد التي تنتج في المانيا بترخيص من شركة صناعات الطيران الإسرائيلية. وقد اشعل هذا الخبر نقاشا هنا مع تزايد المعارضة, سواء السياسية أو الشعبية لسياسة وزير الداخلية الحالي هانز بيتر فريدريش والقائمة علي تحقيق الأمن بمزيد من الرقابة والقوانين والإجراءات التي تنتهك خصوصيات المواطنين وحياتهم الشخصية. فبجانب قوانين مكافحة الإرهاب التي اتاحت للسلطات الألمانية علي مدي السنوات العشر الأخيرة صلاحيات واسعة في تخزين البيانات الشخصية للمواطنين والإطلاع علي ارصدتهم وانشطتهم البنكية وتخزين بيانات إتصالاتهم الهاتفية بل والتنصت عليها احيانا, تستخدم السلطات الالمانية برامج تجسس لمراقبة اجهزة الكمبيوتر الشخصية للمواطنين. ومؤخرا ومع إزدياد معدل الجرائم المعادية للأجانب وإرتفاع معدلات العنف بين الشباب في المدن الكبري مثل برلين, طالب وزير الداخلية بنشر المزيد من كاميرات المراقبة في الميادين والشوارع وهو ما اثار حفيظة المنظمات المدافعة عن الحريات والبيانات الشخصية والتي ترفض تحويل المواطن الالماني تدريجيا إلي مواطن زجاجي تتبع الدولة كل خطواته بدعوي الحفاظ علي الأمن. ورغم ان وزارة الداخلية سارعت بنفي الخبر إلا أن متحدثا باسم المركز الالماني للطيران والفضاء اكد نجاح التجربة وعدم تعارض إستخدام الطائرات بدون طيار مع حركة الطيران المدني بل وإمكانية التحكم فيها من نفس مراكز المراقبة المخصصة لحركة الملاحة الجوية. وسارع المتشككون بإتهام الداخلية الألمانية بأنها تسعي تدريجيا لتنفيذ خطة بعيدة المدي تتيح إستخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة المدن الالمانية كخطوة تالية بعد ان يعتاد المواطنون الألمان علي مشاهدة هذه الطائرات وهي تجوب سماء المانيا فوق السواحل. وفي مؤتمره الأخير أعلن نادي فوضي الكمبيوتر الألماني وهو أكبر اتحاد أوروبي لقراصنة الكمبيوتر والذي يضم أربعة آلاف خبير ومهندس برمجيات أنه إذا كان إستخدام الجيش الالماني للطائرات بدون طيار المزودة بالصواريخ والمدافع الرشاشة في مهام عسكرية في أفغانستان محل جدل فكيف يمكن لوزير الداخلية أن يفكر في استخدامها داخل الأجواء الالمانية؟ وبالفعل لا يزال طلب وزير الدفاع تزويد الجيش الالماني بهذه الطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد محل نقاش سياسي, حيث تعتمد القوات الالمانية في شمال افغانستان بشكل اساسي علي الطائرات الإسرائيلية بدون طيار التي قامت بإستئجارها في عام2010 لتتبع ومطاردة فلول حركة طالبان وحماية الجنود الالمان.وتستطيع طائرة هيرون التي يقدر ثمنها بنحو5 ملايين يورو والبالغ طولها8 امتار ونصف البقاء في الجو لمدة اربعين ساعة متواصلة بمدي يصل إلي350 كيلو مترا والتقاط الصور فائقة الجودة ليلا ونهارا والتنصت علي الإتصالات اللاسلكية والتشويش عليها إذا لزم الأمر فضلا عن انها مزودة بصواريخ ومدافع رشاشة لمهاجمة العدو. والآن بعد ان اصبحت50 دولة في العالم تملك هذه الطائرات وفقا للخبراء العسكريين الألمان دخلت ألمانيا الساحة متأخرة وبعد ان اعلنت فرنسا وبريطانيا ودول في أمريكا اللاتينية الصيف الماضي عزمها شراء هذا السلاح الجديد الذي جعل العمليات العسكرية أكثر امنا وأقل تكلفة. ويقود المعارضون من مثقفين وسياسيين يساريين ومنظمات سلام حملة ضد توسع ألمانيا في اقتناء واستخدام الطائرات بدون طيار عسكريا نظرا لأنها تجعل من الحرب لعبة الكترونية, كما يقول متحدث بإسم حزب اليسار ويضيف يجلس المتحكمون في هذه الطائرات علي بعد آلاف الأميال ويتابعون الأهداف علي شاشات إلكترونية قبل أن يضغطوا أزرارا ببساطة قد تصيب أبرياء ومدنيين كما يحدث بشكل متكرر في افغانستان والعراق. كما ان العاصمة برلين شهدت عام2010 اول مؤتمر للجنةالدولية للحد من نظم اسلحة التحكم الذاتي بدون طيار. وبطبيعة الحال فإن الطائرات التي يمكن أن تستخدمها الحكومة الالمانية لمراقبة الحدود والتصدي للمهربين واللاجئين او لمراقبة الشوارع وربما المنازل والمواطنين في المدن لن تكون مزودة باسلحة ومع ذلك يري المعارضون في تلك الخطوة تطويرا للرقابة التلفزيونية الدائمة والشاملة للدولة علي المواطنين لتصبح جوا بعد ان كانت تقتصر علي كاميرات الميادين العامة محذرين من ان الجيل الجديد من هذه الطائرات سيكون قادرا علي إختراق الجدران والنوافذ والستائر المغلقة وربما تمتلئ سماء برلين بعد عشر سنوات من الآن بهذه الطائرات التي تحلق بلا ادني صوت وتراقب المواطنين ليل نهار فيتحقق ذلك سيناريو احد افلام الخيال العلمي الشهيرة.