عندما انهار تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام2003 في قلب بغداد..كانت الأحلام والآمال في حياة جديدة..كريمة..حرة..بحجم الدنيا وما فيها..بحجم الألم الذي سكن الصدور.. والخوف الذي عشش في النفوس..لكن الآن..بعد مرور عشر سنوات كاملة علي المشهد..وفي ظل متغيرات سياسية عديدة..أضحي السؤال مشروعا..ومطروحا..هل أصبح العراق يقف علي أعتاب دخول عصر ثورات الربيع العربي؟! في أول انتخابات نيابية بعد انهيار النظام السابق قبل سنوات..قالت لنا سيدة عراقية شاركت في متابعة وتنظيم العملية الانتخابية في اللجان..بكلمات ملؤها الأمل.. انها كانت علي استعداد لأن تلقي بجسدها فوق أي انتحاري ارهابي يأتي لافساد العملية الانتخابية..لتضحي بنفسها وتحمي لجنتها..حتي تعبر بلادها جسر النجاة..وتتقدم بعزيمة وثبات نحو المستقبل..لكن ما حدث.. هو أنه تم اجراء أكثر من انتخابات وتشكيل ائتلافات.. وبرلمان وحكومة ووضع قوانين و لكن حياة الناس لم تتغير كثيرا. وخلال الأيام القليلة الماضية..وكعادة الثورات العربية التي تنشب بعد أحداث صغيرة تبدو كمستصغر الشرر.. ألقت أجهزة الأمن التابعة لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي القبض علي أفراد من قوة الحراسة المكلفة بحماية وزير المالية رافع العيساوي.. وهو مابدا أنه مقدمة لتكرار ما حدث مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي تم اتهامه بالتخطيط لأعمال إرهابية واستصدار حكم قضائي باعدامه, مما أدي الي بقائه في تركيا وعجزه عن العودة للعراق.. ومع تشابه مقدمات السيناريوهين, بدا أن المالكي( الشيعي المذهب) يسعي الي تصفية خصومه السياسيين,لاسيما من أبناء الطائفة السنية كالهاشمي والعيساوي..ومن هنا كانت البداية. اندلعت مظاهرات عارمة في الأنبار..كبري المحافظات التي تتمتع بأغلبية سنية.. وامتدت الي مناطق أخري بعد أن أخذت شكل الاعتصام المستمر المفتوح الي حين تلبية مطالب المتظاهرين, فضلا عن التهديد بالعصيان المدني, في الوقت الذي لوحت فيه حكومة المالكي بامكانية استخدام القوة لفض الاعتصام..لكن السؤال هو.. هل يعني ذلك انها مقدمات لثورة سنية ضد حكم الأغلبية الشيعية؟! الواقع يشير الي أن واقعة القبض علي حرس العيساوي كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الغضب الذي في الصدور.. صدور الجميع لا السنة فقط.. فقد نجح المالكي بسياساته الفردية والاستعلائية في كثير من الأحيان في تكوين عداوات مع أبناء مختلف الطوائف والقوميات.. من السنة والأكراد والتركمان.. وحتي الشيعة أنفسهم الذي ينتمي اليهم المالكي.. فمقتدي الصدر زعيم التيار الصدري( الشيعي) أعرب مؤخرا عن دعمه للاحتجاجات التي يقودها السنة بشرط ابتعادهم عن الطائفية, وجاء توصيفه لما يجري محذرا مما سماه ربيعا عراقيا! ولكن هل جاءت الاحتجاجات السنية علي أسس طائفية فعلا؟! للاجابة عن السؤال.. تجدر الاشارة أولا الي واقعة قيام المتظاهرين( السنة) في الرمادي بطرد نائب رئيس الوزراء صالح المطلك( السني أيضا) من مقر الاعتصام,حيث اعتبروا أن مواقفه أصبحت تسير في ركاب حكومة المالكي.وهو ما ينفي الطابع الطائفي عن الاحتجاج. وربما تكون الأسباب الأولي للاحتجاج( سنية) بالفعل,حيث تتمثل في المطالبة بالغاء قانون المساءلة والعدالة الذي يري السنة أنه يستخدم لاضطهادهم,وتعزيز تهميشهم عن المشهد السياسي العراقي,الا أن الانتفاضة التي اندلعت من الأنبار يمكن أن تدفع معها الي السطح كل الأسباب المكتومة في الصدور.. صدور الجميع لا السنة فقط.. فبعد عشر سنوات من سقوط تمثال صدام حسين في قلب بغداد.. لايزال الضباب يسيطر علي واقع المشهد في البلاد.. ولا تزال حياة المواطن العراقي علي حالها القديم.. وعلي كل لسان تنتشر أحاديث الفساد الذي ينخر في هيكل النظام السياسي..وهو النظام الهش أصلا لقيامه علي أسس طائفية..بعد أن تم اعتماد مبدأ الحصص السياسية لكل طائفة,حيث تذهب رئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة.. مما عزز الفرقة والتنابذ بدلا من التعاون والتكامل. وقبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة منذ نحو أربع سنوات..في لقاء جري بالقاهرة.. قال لنا السياسي العراقي اياد علاوي..وهو شيعي وأكبر خصم سياسي للمالكي..ان مبدأ الحصص الطائفية التي تقوم عليها العملية السياسية في العراق لابد من الغائه لأنه أساس البلاء. والآن..يبدو هذا المطلب أساسيا ومفصليا, بحيث يمكن أن يكون هو محور المطالب التي تتبناها ثورة شاملة في العراق,اذا ما اتسعت انتفاضة الأنبار لينضم اليها الصدريون والأكراد الذين عبروا عن التعاطف معها, سعيا الي تصحيح الأساس الذي تقوم عليه الدولة العراقية,وهو الأساس الذي زرعه الاحتلال الأمريكي البغيض قبل رحيله,لتحويله من الأسس الطائفية الي المعيار الوطني,بحيث يصل الي الحكم الفصيل السياسي الذي يعمل من أجل العراق وتنمية وتحسين حياة المواطن.. أيا كان مذهب أو قومية ذلك الفصيل. لكن ما يبقي هو سؤال أخير.. كيف ستتعامل حكومة المالكي( الحديدية) مع انتفاضة الأنبار اذا ما تحولت الي ثورة شاملة وانضم اليها الصدريون والأكراد؟! وهل سيبقي الدم هو الأرضية التي تجري فوقها جميع الصراعات السياسية في العراق..رغم تتابع السنين..وتعاقب العصور؟! انه سؤال الساعة في العراق.. خلال الأيام القليلة المقبلة!