أصبحت الأخونة تهمة شائعة منذ تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية, وكان هذا الوصف المشبوه سيفا علي رقبة الرئيس ورئيس حكومته هشام قنديل لدي مشاورات تشكيل أول حكومة مدنية منتخبة بعد الثورة. حتي صارت قيادات الأخوان تحرص في كل محفل علي نفي أن يكون هذا الوزير أو ذاك من الأخوان أو حتي متعاطفا معهم. علي خلفية أن الأخونة مرادف لاحتكار السلطة( والتكويش) علي مؤسسات الدولة. وهو ما لا يتسق ومرحلة ثورة يفترض فيها التوافق والتنوع واللحمة الوطنية بين مختلف الاتجاهات والتيارات. ما قد لا يعلمه كثيرون أن كثيرا من الخبرات غير الأخوانية رفضت الانضمام إلي حكومة قنديل الأولي, وهو ما أدي إلي اختيار وزراء في اللحظة الأخيرة لم يكونوا الأفضل لوزاراتهم, تمسكا بتجنب اختيار قيادات أو رموز أخوانية في تلك الوزارات. وقليل فقط يعلمون أن الأخوان رفضوا بدورهم أسماء ذات خبرة كبيرة ومتخصصة لوزارات معينة, لأن أصحاب تلك الخبرات لديهم توجهات سياسية وفكرية معاكسة للأخوان علي طول الخط. بين هذا السبب وذاك, جاءت حكومة قنديل الأولي خليطا غريبا غير قابل للامتزاج, بين خبرات متفاوتة وتوجهات غير واضحة ومعايير تجمع تناقضات السياسة مع التكنوقراط مع المواءمة. ثم زاد الطين بلة غياب الرؤية والانشغال بقضايا جانبية وأزمات قصيرة الأجل. وسط تلك المعطيات- الكفيلة بإفشال أي حكومة- لم يكن مستغربا أن تخفق حكومة قنديل ليس فقط في العمل علي بناء مصر جديدة بعد الثورة, لكن أيضا في إرساء قواعد وأسس صالحة لحكم رشيد وإدارة كفء للسياسات العامة. بل حتي لم تنجح في مواجهة مشكلات عاجلة أو أزمات نجمت عن تراكمات قديمة. وإن كان من عذر لتلك الحكومة في حل مشكلات قائمة أو استجدت بحكم تركيبة غير متجانسة ومعايير تشكيل غامضة, فلا مبرر ولا تفسير لقرارات جديدة هي بذاتها قنابل متفجرة( من شاكلة زيادة الضرائب وإغلاق المحال في العاشرة) سوي أنها حكومة تفتقد الحس السياسي وبعيدة عن نبض المجتمع. بالتالي, لم يعد هناك مبرر لاستمرار فزاعة الأخونة من جانب المعارضة, ففي كل حكومات العالم الحزب الذي يتمتع بالأغلبية يشكل الحكومة دون مصادرة أو مشاركة إلا في حدود شعبية وتمثيل التيارات الأخري. وذلك لسبب بسيط وبدهي, وهو أن تكون تلك الحكومة مسئولة عما تفعل وتحاسب علي سياساتها وقراراتها. والمسئولية تكون أمام الشعب والحساب يتم يوم الانتخاب, وإلا فكيف سيحاسب الشعب حكومة مختلطة غامضة مجهولة الهوية والانتماء؟. أخونة الحكومة أمر كان مطلوبا من البداية, وكان علي الرئيس ورئيس الوزراء عدم الالتفات إلي تلك الفزاعة المفتعلة بهدف إفشال الحكومة وتشتيتها, وقد تحقق ذلك لمن أراده. ورغم أن الرئيس والأخوان لم يشكلوا الحكومة علي هواهم بشكل مطلق, إلا أنها تحاسب عن حق علي كل أخطاء المرحلة السابقة. التحرر من تلك الفزاعة خطوة مهمة, لكنها غير كافية, فالأداء الضعيف لحكومة قنديل لم يكن مقصورا علي عشرة وزراء فقط, ولم يكن سببه فقط أنهم وزراء غير أخوانيين. والتحرر في الاختيار لا بد أن يعقبه تفتح في الفكر وتناغم في السياسات وتنسيق في القرارات وتكامل في الرؤية العامة. وهذا كله يستلزم الانفتاح علي كل الأفكار والخبرات والتيارات. فالمصلحة الوطنية يجب ألا تخضع للاختلاف السياسي أو التنابذ الفكري. لذا علي رئيس الوزراء ومن ورائه رئيس الدولة, استكمال التغيير الجزئي للأشخاص بتغيير كلي في الأداء. المطلوب حكومة مسئولة حتي تمكن مساءلتها.. لا حكومة مختلطة الأنساب يتنصل منها الجميع. المزيد من مقالات سامح راشد