بمناسبة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، جرائم يعاقب عليها القانون المصري    مصادر أوكرانية: هجوم بمسيّرة روسية يسبب أضرارًا بمبانٍ سكنية في كييف    محمد موسى يفضح لعبة الإخوان: تجارة بالدين وخدمة لأجندات استخباراتية    بيرو تعلن حالة الطوارئ على حدودها مع تشيلي وسط تزايد محاولات الهجرة    الأهلي يدرس تقديم شكوى رسمية للكاف بسبب أحداث مباراة الجيش الملكي    مؤشرات أولية، تقدم محمد بلال على فرج عامر في انتخابات نادي سموحة    والدة شيماء جمال: لا تهاون مع من يحاول استخدام اسم ابنتي لمصالح شخصية    خبير تكنولوجيا يحذر من تجاهل التحولات الرقمية وسقوط ملايين الوظائف    محمد موسى يكشف أخطر أدوات الفوضى الرقمية واستهداف المجتمعات    تحرير 88 مخالفة لمحلات مخالفة لقرار الغلق خلال 24 ساعة بالجيزة    استشارية تربية تكشف تأثير الذكورية المفرطة على العلاقات الزوجية والأسرية    خبير علاقات اجتماعية: الغيرة وردود الفعل ليست دائمًا مؤشرًا على ذكورية مفرطة    مولد وصوان عزاء| محمد موسى يهاجم مستغلي طلاق المشاهير    خبير تربوي: الطبيعة الفسيولوجية للرجل لا تبرر السيطرة المفرطة    عالم الأزهر يكشف مخاطر الخوض في حياة المشاهير على السوشيال ميديا    ترامب: سأمنح عفوًا كاملًا وشاملًا لرئيس هندوراس السابق خوان أورلاندو هيرنانديز    130 مصابا جراء الاعتداء بالضرب منذ بداية العدوان على محافظة طوباس    إيرباص تستدعي 6 آلاف طائرة إيه320 بسبب خلل بأنظمة التحكم    النيابة العامة تُنظم حلقة نقاشية حول تحقيق التوازن بين سلامة المريض وبيئة عمل آمنة    مصرع عاملين دهساً أسفل عجلات القطار بكفر الدوار    القبض على 3 متهمين بسرقة سيارات نصف النقل في أطفيح والصف    الحكم على التيك توكر «قمر الوكالة» بتهمة نشر الفسق والفجور| اليوم    تيفانى ترامب تنشر صورة لوالدها يحتضن حفيده ألكسندر فى مارالاجو.. صورة    أحمد دياب: بطل الدوري الموسم القادم سيحصل على أكثر من 50 مليون جنيه    خبر في الجول – الأهلي يقرر تقديم شكوى ضد الجيش الملكي والحكم    أنغام تعود لجمهورها في أمسية ساحرة أمام الأهرامات    الحب سوف يُبقينا على قيد الحياة؟!    أجواء رومانسية من حفل زفاف أروى جودة والإيطالى جون باتيست.. صور    وفاة ابن شقيقة الفنانة تيسير فهمى    وزير الثقافة يحيي روح الحضارة المصرية خلال مناقشة دكتوراه تكشف جماليات رموز الفن المصري القديم    الصباحى: ركلة جزاء الجيش الملكى غير صحيحة.. ورئيس الحكام يهتم برأى الاعلام    كأس العرب - آسيا × إفريقيا .. من يتفوق؟    بعد تعادل الأهلي مع الجيش الملكي.. ترتيب المجموعة الثانية بدوري الأبطال    وزير الإسكان ومحافظ كفر الشيخ يفتتحان محطة مياه شرب قرية دقميرة اليوم    لحظة الحسم في الإدارية العليا: 187 طعنًا انتخابيًا على طاولة الفصل النهائي    المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات: نحتاج رؤية جبال من المساعدات تصل إلى غزة    تموين شمال سيناء يضبط 6200 علبة سجائر مجهولة المصدر    أخبار 24 ساعة.. مصر تفوز بعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية    كيف ينتشر فيروس ماربورغ وأخطر أعراضه؟    مصر تفوز بعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية للفترة 2026 - 2027    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفال مرور 20 عامًا على تأسيس مركز الإبراهيمية للإعلام    سفير مصر لدى أثينا: وفد رجال أعمال يونانى يزور مصر لتعزيز العلاقات الاقتصادية    وزير قطاع الأعمال العام يشهد افتتاح المعرض المصاحب للمؤتمر الوزاري الأفريقي    وزير قطاع الأعمال يلتقي وزيري الصناعة الصيدلانية والصحة الجزائريين لبحث توسيع آفاق التعاون الدوائي    محمود بسيونى يكتب: جيل الجمهورية الجديدة    تكريم حفظة القرآن الكريم بقرية بلصفورة بسوهاج    المفتى السابق: الشرع أحاط الطلاق بضوابط دقيقة لحماية الأسرة    بث مباشر.. إكس تويتر| مشاهدة مباراة الأهلي ضد الجيش الملكي اليوم في دوري أبطال إفريقيا – قمة لحظة بلحظة    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    وزارة البترول توقع إتفاق مع جامعة «كيرتن» الأسترالية لتطوير قطاع التعدين في مصر    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لمستشفى منفلوط المركزي اليوم    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    سعر اللحوم في مصر منتصف تعاملات اليوم الجمعة    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    «الصحة» تعلن تقديم خدمات مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ل15 مليون مواطن    رئيس شعبة الدواجن: سعر الكيلو في المزرعة بلغ 57 جنيهاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح عيسي للأهرام‏:‏
أنا روائي متنكر

لا يمكنك ترشيد صلاح عيسي أو توجيهه‏,‏ إذا بدأ في الكلام‏.‏ فلا تتعب نفسك‏,‏ وأنت تحاوره‏,‏ في محاولة إيقافه عند حد‏.‏ إنه يتذكر بلسانه‏,‏ كي يتذوق مرارة تجربته في كل مرة يحكيها‏. يتذوق نفسه كي لا ينسي أو يغفر. وهناك, علي طرف لسانه, شواهد لا تخذله أبدا, إذا أراد أن يستدعي حدوتة أو مثلا ورثه عن أمه. عيسي ذاكرة أمه.. اليد التي تنوب عنها في الكتابة. وهو ذاكرة جيل ولد علي مشارف الحرب العالمية الثانية, وكانت حياته نفسها ساحة حرب, أحيانا من أجل لقمة العيش أو حق الكلام وأحيانا لانتزاع الحلم. وعيسي, مع هذا الجيل, حلم أزيد من اللازم, وانكسر أزيد من اللازم, وكثيرون منه تاجروا بآلامهم أزيد من اللازم. لكن عيسي, رغم تقلباته الحادة, لم يفعل ذلك, بل راح يكتب ويحكي. إنه واحد من الحكائين الكبار. هو شاعر وربابته لسانه.
ولأنه لم يكن ليحكي, قبل أن أسأل, فقد أمكنني أن أستدرجه, إلي الروائي المجهض بداخله, وإلي القصص التي لم تكتمل.
وهذا استكمال لما نشره الملحق الثقافي للاهرام في حوار سابق مع صلاح عيسي تناوله مؤرخا في الاساس آما هذا الحوار فيكشف- كما قلنا- وجهه الادبي الذي ربما كان مجهولا حتي لقرائه المحبين.
* أستاذ صلاح..أمسكت بأول الخيط, أقصد أنك كتبت رواية ومجموعة قصص, لكنك لم تكمل الغزل, فهل كان انصرافك عن السرد بدافع نفاد الصبر علي الواقع, أم أنك أردت أن تجرب الخبرة التالية ؟
- أنا بدأت شاعرا, لكني لم أكتب ما يرضيني, وربما لذلك تحولت عن الشعر إلي القصة. كانت القصة القصيرة مزدهرة في جيلي, وكنا نظن, بدافع من عملنا في السياسة, أن الفن يمكن أن يغير العالم. تعصب فريق من جيلي لهذا الشعار, وبدأ ينفض يده من السياسة, ليتفرغ للقصة, كان رأيه أن ذلك أجدي وأكثر تأثيرا, أما أنا فوجدت نفسي أتعصب للفكرة المضادة.. أن العالم لن تغيره القصص ولا الأشعار..
* وما الذي يغيره ؟
- العمل السياسي المباشر, ومن هنا توقفت عن القصة. وهذا, ككل الأفكار المتطرفة, كان خطأ. فالطريقان كلاهما ضروري, ومن يمكنه الجمع بينهما فقد أدي فرض كفاية. المهم أن اختياري هذا غير توجهاتي من الاهتمام بالأدب إلي الكتابة في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي. استمرت هذه الانعطافة حوالي10 سنوات, لكني عدت, أثناء وجودي في السجن من سنة68 إلي71, إلي الأدب. فكتبت مجموعتي القصصية جنرالات بلا جنود وروايتي مجموعة شهادات ووثائق لخدمة تاريخ زماننا..
* ربما استجبت, أو استسلمت, للمقال, لأنه قادر علي إطفاء الطاقة العقلية بشكل فوري, وحصد النتيجة كذلك, في وقت قصير, والشخص الثوري لا قدرة لديه علي الانتظار؟
- كانت لدي رغبة في أن أحدث فارقا في الوعي, وربما كان هذا هو ما دفعني للجوء إلي التاريخ.
* هل كنت تتمني أن يحصد الروائي بداخلك ما حصده الكاتب السياسي من تأثير ونجاح ؟
- رغم هجراني للأدب لم أكف عن القراءة فيه, ثم إن الأدب لم يغادر كتابة السياسي, أذكر أن يوسف إدريس كان دائما ما يسمي كتاباتي بالمقالة القصصيية, خاصة كتاباتي ب الأهالي, في حقبة الثمانينيات. كنت تقرأ المادة فتعتقد أنها مقالة, لكنها في واقع الأمر كانت أقرب لشيء يمكن, ببعض التلوين, أن يتحول إلي قصة قصيرة. القصد أنني استغللت الأدب لصالح التاريخ, وهذا هو ما خلق مشروع حكايات من دفتر الوطن, وهي, بالمناسبة, مواد تاريخية أعدت بناءها بشكل قصصي, لكن ليس بها حرف واحد من الخيال. وهذه كتابة كانت ممتعة جدا وصعبة جدا بالنسبة لي. كنت, حين أريد أن أصف مشهدا ما وأريد مثلا أن أعرف المناخ في يوم الحدث, أعود إلي الجرائد القديمة والحوليات, أفتش عن تفصيلة ما لها تأثير درامي في سير الحوادث. وهذا واضح في رجال ريا وسكينة بالذات, كثيرون كتبوا عن هذا الكتاب بوصفه رواية. خبرة السرد انتقلت معي إلي التاريخ, والعناصر الأخري كالجاذبية والتشويق.وقد تأثرت في ذلك بكتاب أحمد بهاء الدين أيام لها تاريخ, لقد أحدث بداخلي هزة, وترك شغفا لم يفارقني من وقتها بالتاريخ. وكنت أسأل الأستاذ بهاء عن الجزء الثاني الذي وعد به, لكنه لم يكتب هذا الجزء أبدا, فكتبت أنا سلسلة الحكايات, لأني كنت أتمني وأنتظر أن يكتبها بهاء, مع الفارق طبعا بيني وبينه. والشاهد أن الرواية ظهرت متنكرة في أشكال أخري.
* ما أصدق صورة يمكن أن نحصل عليها لعصر من العصور.. الرواية, الفيلم, المقالة, أم تحقيقات النيابة, أم كل ذلك, علي بعضه ؟
* كشخص معني بالتاريخ, قبل أن أكون باحثا فيه, أنتمي إلي مدرسة تري أن كل الأشكال التي سميتها أنت متداخلة بحيث يصعب الفصل بينها. وظني أن المؤرخ الذي يعتمد علي المعلومات الصماء فقط, ينقصه شيء كثير. إذا أردت الوصول إلي صورة دقيقة للحدث, لابد لك من الجمع بين تفاسير مختلفة له, التفسير السياسي, الاجتماعي, الاقتصادي. أعمال نجيب محفوظ تشريح متكامل للشرائح الصغري من الطبقة الوسطي, وهي مصدر لا مثيل له لمن يريد أن يعرف هذه الطبقة. في كتاب البرنسيسة والأفندي أذكر أني توقفت أمام رياض غالي باعتباره نموذجا ذرائعيا يشبه محجوب عبدالدايم. كلاهما ينتمي لجيل واحد, تربي في الثلاثينيات, وكلاهما ينطلق من رحلة خروج الطبقة الوسطي الصغيرة من عباءة حزب الوفد. جزء من هذه الطبقة اتجه إلي الشيوعية, وجزء آخر ذهب إلي الإخوان, وجزء أصبح انتهازيا, مثل محجوب عبدالدايم, ومن هنا أهتم حتي بمراجعة الأغاني التي كانت تغني في المرحلة التي أؤرخ لها. كل شيء وثيقة تقودك إلي فهم العصر الذي تكتب عنه.
* فيمن, من أبناء جيلك, تشعر أن مشروعك الإبداعي اكتمل ؟
- عملية الإبداع شخصية, يكتبها المبدع, لأنه يريد أن يعبر, بالدرجة الأولي, عن نفسه, هو يستمتع بالإبداع وقد يستمتع به الآخرون, لكن القضية في النهاية هي..هل أنت راض عن الطرق التي عبرت بها عن نفسك أم لا؟ عن نفسي.. أنا سعيد بالأشكال التي فرغت فيها همومي. ولا تنس أن قبضة الدولة كانت خانقة, لا تساعد حتي علي التنفس. كانت هناك حواجز بيننا وبين أحلامنا.
* هل من مصلحة الكاتب أن يظل مطاردا؟
- أعتقد أن المطاردة تفجر طاقة إبداعية بلا آخر, في كل شيء: المسرح, الشعر, القصة, كل شيء. راجع أعمال ميخائيل رومان ومحمود دياب وغيرهما, لتعرف ماذا تصنع المطاردة
* لكن جيلك احتكر المأساة, فجاءت أغلب كتاباته محض ندب ؟
- جيلنا أنتج الندب ولوم الذات والإحساس بالفجيعة, لكنه أنتج المقاومة أيضا. أحمد فؤاد نجم وضع فأس الهزيمة في رقبة الذين صنعوها. كان الجيل صنفين..واحدا سماه محمد عودة ندابات5 يونيو, والصنف الأخر كان يقاوم البكاء والانهيار
* قل لي: رغم ما يقال عن استشراف الأدب للثورات, إلا أن الحياة ما زالت متقدمة عنه بخطوة ؟
- أشك في ذلك, يظل لدي الأديب دائما هاجس أن الحياة ستستمر, وأنها ستكون أفضل, حتي وإن كانت مأساوية.عندما تكون فنانا, من الطبيعي أن تتنبأ بالثورة قبل وقوعها.
* لم تكلمني عن السجن, وما فعله فيك ؟
- اكتشفت, وهذا يحدث لكل من يسجن, أن لدي احتياطيا هائلا من القوة, لم يظهر لي إلا وقت الأزمة. أحد الضباط, وكان أحمد فؤاد نجم, يسميه..استجافا..يقصد جزافا, لأن هذا الضابط قال له..إنت فاكر أن الأمور بتمشي كده..جزافا, هذا الضابط كان, كلما رآني, يقول لي..إنت مش هتطلع من السجن ولا بعد100 سنة. كلام من الصعب احتماله بالنسبة لسجين يحلم أن يخرج اليوم قبل الغد, لكني احتملت الكلام والتعذيب وكل شيء.
* ألم يترك في حلقك شيئا من النقمة والمرارة؟
- بالعكس, ترك لي التسامح
* حتي مع جلاديك ؟
- أذكر أن المرحوم زكي مراد, وكان رجلا مرحا طوال الوقت, هاج فجأة عند دخول أحد العساكر علينا في العنبر عام1975, وأخذ يصيح.. مين إللي دخل الرجل ده هنا, ده لازم يخرج فورا. وجاء مأمور السجن وأخرج العسكري, تهدئة لمراد, ولما هدأ قال لي..ده كان واحد من اللي بيعذبوني في أبو زعبل. الواضح أن مسألة الجلاد فيها قدر من التعقيد غير قابل للفهم. في إحدي المرات قابلت اللواء فتحي قتة, وهو واحد ممن أشرفوا علي تعذيبي بقسوة عام.1966 رأيته في1977, فسلمت عليه وحياني مبديا إعجابه بما أكتب, فقلت له:لعلك ندمت علي ما فعلته بي؟ فانكر ذلك بشدة, وقال لي..أنا؟..أنا عذبتك يا صلاح؟!
( وتابع عيسي بضحكة ساخرة, كأنه يروي واقعة تعذيب حدثت لشخص غيره).. أنكر ذلك كأنه لم يحدث, مع أني كنت أراه بعيني يضربني أو يأمر آخرين بضربي. بدا لي منزعجا جدا كأنني ألفق له تهمة. الجلاد حين يضربك يمتهن جزءا من نفسه. هو لا يضربك أنت وحدك, إنما يضرب جزءا مما فيه من إنسانية. وزميلنا محمد العزبي لاحظ شيئا مهما علي المخبرين والعساكر الذين كانوا يعذبوننا في الليل, وفي الصباح يطعمون العصافير. كانوا يأخذون حصتنا من اللحم ويطعمون بها القطط. وكان تفسير العزبي, وهو تفسير صحيح, أن من طبيعة البني آدم الحنو علي غيره من البشر, لكنه حين يحرم, بحكم مهنته, من هذا الحنو, يتجه به إلي الكائنات الأخري.
* كم رواية خططت لكتابتها في السجن ولم تكتبها؟
- كتبت نصف رواية اسمها أحزان شارع القمر, لكن إحدي الحملات التفتيشية أخذتها مني وحرقتها. رأيت جزءا مني يحترق أمام عيني. حزنت علي فقد هذه الرواية أكثر من حزني علي فقد حريتي. وقد عاصرت واقعة مشابهة للدكتور عبدالعظيم أنيس, حين صادروا كتابه الآلهة الساقطة في السجن بعد النكسة.
*دعنا نخرج من السجن.. قل لي: ما مواصفات العمل الفني القادر علي أن يخاطب كل الأزمنة؟
- يتعلق هذا بالمتلقي, ومستوي الذوق العام السائد في كل زمان. كم من أعمال لم تقدر في زمانها, لكنها عاشت في أزمنة أخري لاحقة. انحطاط الذوق العام يظلم أعمالا عظيمة. كان نجيب محفوظ يقول لي: أنتم جيل موهوب في زمن مطفي. المهم أن يكون الزمن متوهجا. لكني لا أعتقد أن هناك عملا يمكن أن يخاطب كل الأزمنة والأذواق. يحيي حقي كان يقول: القصة القصيرة كالقطط..بسبعة أرواح, أي..يمكن أن تقرأ, وأن تؤثر بأكثر من طريقة. هكذا كل الفنون. يجب أن نختلف عليها
* من من الكتاب ما زال رفيقك ؟
- نجيب محفوظ
* تكتب كثيرا يا أستاذ صلاح وتنشر كثيرا, لدرجة تكرر معها نفسك ؟
- أحيانا من الضروري أن أكرر نفسي, خاصة في الكتابة الصحفية, لأني أريد أن ألح علي فكرة ما من المهم أن تصل للناس. وقد اكتشفت أن هذا شيء بالغ الأهمية, في هذه المرحلة التي تشكل الثقافة السمعية والبصرية فيها أذواق الناس. هنا يصبح من الواجب أن تعيد التذكير بفكرتك. مثلما فعلت مع موضوع الجمهورية البرلمانية, ظللت20 عاما أكتب فيه, حتي أصبح الموضوع مطروقا وقابلا للتنفيذ
* أي سؤال من أسئلة الوجود قد حسم بالنسبة لك ؟
- أحلام جيلي كانت تتلخص في: الديموقراطية, الوحدة, الاشتراكية, لكن من سوء الحظ أن امتد بنا العمر لنري هذه الأحلام تتلاشي. صدام حسين أضاع فكرة الوحدة بغزوه للكويت, وجورباتشوف قضي علي الاشتركية. أما الديموقراطية, فهي الحلم الذي كان غائبا بالكامل. وحين بدا أنه اقترب, تحققت بدلا منه نبوءة أمل دنقل: خلف كل قيصر يموت..قيصر جديد. بعد ذلك لم يكن لأي سؤال آخر محل من الإعراب
* ما السؤال أو اللغز الذي لم تحله بعد ؟
- كان نجيب محفوظ يقول في الثلاثية,علي لسان كمال عبدالجواد: المشكلة هي..كيف نجعل للحياة نشوة كنشوة الخمر, دون حاجة للخمرورغم كل شيء ما زلت مصرا علي حلمي القديم, الذي يبدو نوعا من اليوتوبيا, الحلم الذي تلخصه عبارة حتي لا يندم أحد علي الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.