امتحان عسير يمر به مجلس الشوري, فقد أسند إليه الدستور ولو مؤقتا سلطة إصدار التشريعات إلي حين اكتمال الهيئة التشريعية بانتخاب البرلمان الجديد. أمام المجلس عدد من التشريعات المثيرة للجدل, وعليه أن يبت فيها ويصدرها.. من أهمها قانون( الصكوك الإسلامية) الذي رفضه الأزهر كما رفضه مجمع البحوث الإسلامية, وقانون( التظاهر) الذي لا نعلم كيف سيصاغ محققا الغاية منه.. وهل سيتمكن مجلس الشوري من سن قانون يحقق المعادلة الصعبة التي تفرق بين حق التعبير والفوضي.. التقينا طاهر عبد المحسن وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية لمجلس الشوري وناقشنا معه أجندة التشريعات المليئة بالألغام.. ما أهم أولويات الأجندة التشريعية في الوقت الراهن؟ الأجندة التشريعية تحوي مجموعة قوانين يحتم علينا الدستور تعديلها, ومن هذه القوانين ما يستلزم البدء فيه فورا مثل قانون مجلس النواب الذي سينظم إجراءات العملية الانتخابية التي من المقرر أن تجري بعد60 يوما من تاريخ إقرار الدستور. علي أي أساس ستكون الأولوية؟ ستحدد أولوية القوانين بالأجندة وفقا للرول الذي يطرحه المجلس بالاتفاق مع الحكومة وسنبدأ بالأهم ثم المهم. وعلي كل حال لم يحدد المجلس حتي تاريخه أجندة الأولويات لكنه بدأ بالفعل في مناقشة قانون مجلس النواب لأنه يمثل أولوية أولي, لكي نمنح المحكمة الدستورية الوقت الكافي لمراجعته حتي يتسني لنا إصداره لتبدأ بعد ذلك العملية الانتخابية. هل سيتمكن مجلس الشوري من تنفيذ كامل الأجندة التشريعية قبل انعقاد مجلس النواب المقبل؟. بالقطع لا.. لكننا سنحاول أن ننجز في هذه الفترة الضيقة ما يمكن إنجازه من قوانين ليأتي مجلس النواب بعد ذلك ليكمل الأجندة نفسها, مادامت محل توافق مجتمعي وسياسي. وهل ستحال القوانين التي ستصدر عن مجلس الشوري لمناقشتها مرة أخري في مجلس النواب؟ ستعرض القوانين التي يصدرها الشوري لإقرارها في أول اجتماع بمجلس النواب, وليس لمناقشتها من جديد. من الواضح أن الترتيب للأجندة التشريعية يتجه نحو السياسة بالرغم من أن من قالوا( نعم) للدستور قالوها رغبة في الاستقرار والحصول علي لقمة العيش, فما رأيك في ذلك ولماذا لم تعطوا الأولوية للقوانين الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها أهم للمواطن. كل حزمة القوانين بالأجندة التشريعية تتجه نحو تحقيق اهداف الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية, ولكي تحقق ذلك لابد أن تبدأ وبشكل ملزم باستكمال مؤسسات الدولة, وكان لابد أن تكون البداية بقانون مجلس النواب ثم نأتي بعد ذلك للقوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي وضبط الشارع والتي تصب في خدمة أهداف الثورة. أليس غريبا أن قانون الانتخابات هو نفسه القانون الذي حكم بعدم دستوريته.. فلماذا الإصرار علي صياغة هذا القانون بالعوار نفسه؟ سبب عدم الدستورية في القانون السابق هو إهدار مبدأ تكافؤ الفرص حيث كان للأحزاب السياسية فرصتان في الانتخابات بالقوائم والانتخابات الفردية, بينما كان للمستقلين نصف فرصة لخوض الانتخابات بمزاحمة مرشحي الأحزاب. أما النظام المنصوص عليه في231 من الدستور فيساوي بين فرص الأحزاب والمستقلين بأن سمح للمستقلين بتشكيل قوائم منهم بالاضافة الي خوضهم للانتخابات علي المقاعد الفردية, بالإضافة الي ان النص علي هذا النظام في الدستور وإقرار جمهور الناخبين له يقطع الطريق علي شبهة عدم الدستورية. قيل إن هذا النص تم تمريره في الدستور في اللحظات الأخيرة ولم يلق القدر الكافي من المناقشة والقوانين؟!. هذا غير صحيح لأن وزارة شئون مجلسي الشعب والشوري أجرت لقاءات مع جميع الأحزاب حول النظام الانتخابي وهذا النص هو ما انتهت اليه القوي السياسية قبل اللجنة التأسيسية. المستشار احمد مكي كان له مقترح حول قانون الانتخابات بأن تكون بالقائمة المفتوحة فلماذا لم يؤخذ اقتراحه بالاعتبار اللازم؟ مسألة القوائم المفتوحة أو المنقوصة لم نعتدها في مصر, لأنها تخالف ثقافتنا الانتخابية ولذا فإن نظام القوائم المغلقة هو الأنسب للمجتمع المصري, لأنه يقوم علي أساس الرموز الانتخابية في الغالب الأعم. ما الهدف من طرح مشروع قانون للاعتصامات والتظاهر علي الرغم من أن قانون العقوبات شملها من قبل؟ ما تم الترويج له في وسائل الاعلام في الايام الماضية هو مشروع لقيط لا أساس له. لكن الأجندة التشريعية تحمل مشروع قانون لتنظيم التظاهرات؟! لأن نصوص قانون العقوبات غير كافية لتنظيم عملية الاحتجاج والتظاهر ففي كل بلاد العالم الديمقراطية توجد قوانين تحكم مسألة الاحتجاج بشكل تفصيلي, وقد أحال الدستور للقانون في المادة50 منه مسألة تنظيم الأخطار بالتظاهر وكيفية التظاهر ومدته حتي يتيح تنظيم عملية التظاهر بهدف توفير الحماية والتأمين للمتظاهرين وتنظيم المرور وهذا ما يحدث في العالم كله. لكن هناك من يرون ان هذا القانون يعد للقضاء علي حق التظاهر من الاساس فما ردكم علي ذلك؟ هذا الحديث فيه محاكمة للنوايا, فالقانون لم يصدر بعد فمن أين جاءوا بهذه النتائج. ما التصور المطروح لمجلس الإعلام الوطني؟ التصور الذي ناقشناه حول المادة251 التي نصت علي هذا المجلس هو أن يكون هذا المجلس ذا تشكيل عريض ومتوازن وفني ومتخصص, إلا أننا قررنا أن ننأي بالنص الدستوري عن صياغة تشكيل المجلس لترك مساحة أوسع للنقاش والحوار المجتمعي حول هذا التشكيل ليكون معبرا عن الرأي العام. ما أهداف إنشاء هذا المجلس وأهم أعماله؟ هذا المجلس هو الذي سيقوم بتنظيم مستوي البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية ويضمن حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله ويحافظ علي التعددية وعدم الاحتكار ويحمي مصالح الجمهور, كما سيضع المجلس الضوابط والمعايير التي تكفل التزام وسائل الاعلام بمواثيق الشرف وأصول المهنة وأخلاقها. تلك الضوابط والمعايير هي ما يثار حولها التساؤلات داخل الوسط الاعلامي, فالبعض يراها وسيلة لقمع وتكميم وسائل الاعلام؟ الضوابط والمعايير سيضعها المجلس الوطني والذي سيحرص علي التوازن بها, أما قمع الإعلام من عدمه فلا يمكن ان يكون مبتغي المشرع الدستوري الذي يهدف بالأساس خدمة المجتمع وصونه من جموح بعض وسائل الإعلام. معني ذلك أن هذا المجلس سيضع قيودا جديدة؟ لا توجد مواثيق شرف في الدنيا لا تشمل قيودا, فأي حرية مسئولة تنتهي عند حدود حريات الآخرين فلا توجد حريات مطلقة دون قيود مطلقة في العالم كله. تتضمن الأجندة التشريعية قانون الصكوك الاسلامية الذي يواجه بالكثير من الرفض من الأزهر ومجمع البحوث ويرونه مخالفا للشريعة ويسمح بالتدخل الاجنبي ويهدد السيادة فما التصرف الذي ستتخذونه حيال هذا المشروع؟ نري ان هذا المبدأ مطبق في الكثير من الدول الاسلامية وغير الاسلامية مثل الصين منذ اكثر من عشر سنوات وناجح جدا لديهم, وإذا كانت لدينا آراء ترفض هذه النظرية فهناك آراء اخري اكثر تؤيدها ولا تري أن في الأخذ بنظام الصكوك اعتداء علي السيادة. ألا تري أي أخطاء لجماعة الإخوان ولحزب الحرية والعدالة؟ لا يوجد احد يعمل في العمل السياسي ليس له اخطاء لكن مسألة تضخيم الأخطاء والضغط عليها لتعظيمها وتخوين اصحابها سيؤدي في النهاية الي شحن الاجواء السياسية وتعظيم حالة الاستقطاب السياسي والاحتقان الموجود داخل المجتمع السياسي المصري ولا نعلم لماذا تركز وسائل الاعلام علي اخطاء الاخوان دون ان يتعلم احد من أخطاء الآخرين فهذا ليس فيه عدالة او التزام بالحياد. الاعلام يتناول اخطاءكم لانكم علي سدة الحكم وتتولون امور البلاد؟ نحن لا نحكم وكل ما لدينا هم اربعة وزراء في وزارات غير سياسية من اجمالي35 وزير, واربعة محافظين من بين27 محافظا, وليس من بيننا عمدة أو شيخ بلد أو رئيس حي. لكنكم تصدرون القرارات وتضعون مشاريع القوانين لأنكم الأغلبية.. حسب قولكم؟!!! أي أغلبية تقصدين؟ أليس عدلا لأي رئيس منتخب في الدنيا أن يأتي بحكومة من حزبه لتحقق برنامجه, وهذا ما يحدث في أمريكا, ولو حدث مثل ذلك في مصر فيكون الحديث عن أخونة الدولة بشكل مبالغ فيه ويمثل نوعا من الحرب الاستباقية علي الاخوان دون سند من الواقع الذي نراه حولنا في كل بلاد العالم. هل تري ان الاخوان المسلمين مازالوا يتمتعون بنفس شعبيتهم بالشارع المصري؟ نعم, أري ذلك والدليل علي صدق كلامي أو خطأه سنراه في مجلس النواب المقبل, فالنخبة السياسية بعيدة كل البعد عن الشارع. فالشارع لا يغير قناعاته أو خياراته السياسية من خلال برامج التوك شو, ولكن بالاحتكاك المباشر والعلاقة المستمرة معه وأظن أن ذلك يصب في مصلحة الإخوان المسلمين والحرية والعدالة والتيارات الإسلامية عموما. لكن الناس البسطاء يرون أن كل التيارات بما فيها الإخوان تركت هموم وقضايا الناس وانشغلت بالسلطة!! لا ننكر أن أداءنا في الشارع كان الأفضل لكننا نجتهد ونحسن من أدائنا في الاحتكاك بالشارع من أجل رفع معاناته وحمل همومه والتعبير عن طموحه.. والفيصل في الأمر للانتخابات. يقول البعض انكم تكسبون الانتخابات بالزيت والسكر؟ خدمة الناس شرف لا ننكره ونحن في خدمة أبناء شعبنا منذ نشأتنا والعمل الاجتماعي هو اصل في ثقافتنا وتكويننا الفكري والسياسي, برغم ان اغلب ما يشاع في هذا الشأن غير صحيح, وخير دليل علي ذلك هو نسبة التصويت العالية التي نحصل عليها في مجالس النقابات المهنية بالاضافة الي تصويت المصريين في أوروبا وأمريكا لنا في انتخابات مجلس النواب الماضية فهل أعطينا كل هؤلاء زيت وسكر.. ألا تري ان نسبة التصويت لكم تنخفض من انتخابات لأخري؟ هذا غير صحيح, لأن النسبة التنافسية في انتخابات مجلس النواب مختلفة عنها في انتخابات الرئاسة, وكذلك في الاستفتاء علي الدستور فإذا أردنا القياس الحقيقي بين نتيجة انتخابات مجلس النواب التي تمت في2011 والتي ستجري في2013 لنحدد ما اذا كان عدد الاصوات المؤيدة لنا قد انخفض أم لا.. ما رأيك فيما يقال عن ان الاخوان يراوغون ولا يلتزمون بأقوالهم وعهودهم؟ لم يحدث هذا إلا في مسألة انتخابات الرئاسة وكان تغيير القرار نتيجة تغيرات جذرية طرأت في الواقع السياسي, فرضت علينا ان يكون لنا مرشح في الرئاسة بعد أن تأكد لنا حل مجلس النواب وإصرار المجلس العسكري علي عدم تشكيل حزب الأغلبية البرلمانية للحكومة وبالتالي وجدنا أنفسنا بدون أي تمثيل سياسي واضطرتنا الظروف الي خوض الانتخابات الرئاسية.