كل دول العالم تحاول التوسع في إنشاء مؤسسات لطرح الأفكار والإبداعات , بما يتناسب مع حجم الأمنيات والتطلعات, ونحن بحاجة عاجلة لمؤسسة لإطفاء الحرائق السياسية ووقف نزيف الأزمات الخارجية. فلدينا قيادات ومسئولون وأحزاب وهيئات مغرمة بإثارة الزوابع وتفجير المشكلات, بصورة يحسدنا عليها الأعداء ويفشل في فك ألغازها الأصدقاء. وكأنها أصبحت هدفا لشغل الناس عن التفكير في حل للمعاناة اليومية. بالطبع لا نملك رفاهية التمرين العقلي للانشغال بالطريقة المثلي لنقل قطع الشطرنج من مكان لمكان, وليس لدينا الوقت لزيادة الأعداء, وبعيدون عن الدخول في مناوشات خارجية لتخفيف حدة أزمات داخلية, ومع ذلك يتوافر عندنا متخصصون في افتعال قضايا جانبية وفتح ملفات غاية في الحساسية, تتسبب في إدخالنا في حلقات سياسية مثيرة للعطف والشفقة, نبذل جهودا كبيرة للبحث عن حلول تبعدنا عن شبح الوقوع في فخ خطير من تناقضات, علي وشك أن تفتح علينا أبوابا مجهولة من الأزمات. ولعل ما حدث خلال الأيام الماضية بشأن ملف عودة اليهود من أصول مصرية, وطريقة التعامل مع قضية المواطنين المصريين المقبوض عليهم في الإمارات, يمثل نموذجا حيا لكيف تورط بلدك في أزمة دون أن تدرك أبعادها السياسية. ففي الملف الأول, لا يمكن القبول بالتفسير الإخواني بأن الدكتور عصام العريان يعبر عن وجهة نظر شخصية, لأن منصبه كمستشار لرئيس الجمهورية وموقعه القيادي كنائب لرئيس حزب الحرية والعدالة يفرضان عليه مسئولية سياسية مضاعفة. وقد قدم الدكتور العريان هدية لإسرائيل في وقت بالغ الأهمية, حيث تسعي إلي دفن قضية اللاجئين الفلسطينيين بإثارة ما يسمي بتعويضات اللاجئين اليهود. والورطة أن هذا التصريح جري تحميله علي تفسيرات سياسية يمكن أن تؤدي إلي سلسلة من النتائج السلبية المتعلقة بمصير القضية الفلسطينية. أما الملف الثاني, فقد بدأت مؤشراته قبل بضعة أسابيع, تارة من خلال تصريحات عنيفة من قبل ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي ضد جماعة الإخوان, وأخري عبر بيانات يصدرها المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق للتشكيك في نوايا الإخوان, إلي أن جاءت قضية القبض علي عدد من المصريين أخيرا, لتفجر أزمة كانت مكتومة في جسد العلاقات بين مصر والإمارات. أزمة لم تسع أجهزة الدولة الرسمية لنزع فتيلها مبكرا, بل تركتها ساحة لتجاذبات غير حكيمة ومزايدات عنيفة أصبح من الصعوبة وقف نزيفها سياسيا. والخطورة أن المسألة يمكن أن تفضي إلي مجموعة كبيرة من المشكلات الاقتصادية. لن أتحدث عن مساعدات مادية إماراتية مباشرة, بل تكفي الإشارة إلي ما يتهدد مئات الآلاف من العمالة المصرية في كثير من الدول الخليجية. وأنا لا أعلم هل الذين اجتهدوا من المواطنين والسياسيين وصبوا غضبهم علي دولة الإمارات يدركون حجم المعاناة التي سوف تترتب علي مواقفهم العنترية؟ وكيف سمح المسئولون في وزارة الخارجية لأن تتصاعد المشكلة وتتحول إلي أزمة قد تربك علاقات مصر الخليجية؟ وهل لهذه الدرجة فقدنا الرشادة في حل القضايا الخلافية؟ الواقع أن هناك عدة أسباب, تفسر لنا دواعي الارتباك الذي لحق بكثير من مؤسسات الدولة, للدرجة التي أصيب بعضها بمرض فقدان المناعة السياسية. أبرزها, تلاشي الفواصل بين الموقف الحزبي ودور بعض الهيئات الرسمية, التي فقد المسئولون فيها جانبا من بريقهم ودورهم بعد ظهور جهات موازية تقوم بالمهام نفسها تقريبا. كما لعبت قلة الحنكة وعدم الخبرة لدي الطبقة الحاكمة دورا مهما في زيادة حدة الارتباك في المصادر المتعددة لصناعة القرارات. وظهرت ملامحه الواضحة في سرعة إصدارها وسرعة التراجع عنها أيضا. علاوة علي رغبة بعض القيادات الحزبية في تأكيد أدوارها السياسية عبر الخوض في مشكلات معقدة أوإثارة ملفات خارجية شائكة, أملا في دخول دائرة الأضواء الإعلامية أو رغبة في التغطية علي قضايا محلية متفجرة, إلي أن حاصرتنا دوامة طويلة من المشاكل قد نعرف أولها, لكن لا ندري شيئا عن نهايتها. أعتقد أن الحاجة أصبحت ملحة لمؤسسة, مهمتها الرئيسية متابعة تصريحات المسئولين, لإطفاء الحرائق السياسية مبكرا, وتصحيح أخطاء القيادات الحزبية, الذين من المتوقع أن يغرقونا بسيول من المشكلات الخارجية. مؤسسة تضم بين أفرادها نخبة من الخبراء علي دراية بسبل إدارة الأزمات. المزيد من مقالات محمد ابوالفضل