تحتاج المرحلة الحالية في تاريخ مصر لقدر أكبر من المصارحة والوسطية والعقول المنفتحة علي الآخر, وكذلك مشاركة أكبر ممن يتمتعون بالنفس الطويل.. فالمطلوب حاليا للخروج من حالة الاحتقان والريبة والتشكك التي تمر بها مصر وتؤثر بالسلب علي كل مناحي الحياة: استراتيجية الماراثون وليس تكتيك العدو لمسافات قصيرة.. في الماراثون يكون التوزيع للجهد, والرؤية والتخطيط, والتنظيم للنفس مفتاح الفوز.. وفيه الثقة والمثابرة والصبر حتي ولو لم ير العداء من هم أمامه أو خلفه وبدا وحيدا في المشهد, ولا توجد في استراتيجية الماراثون تهور أو اندفاع أو غيرة ممن سبقونا مؤقتا وتقدموا في المائة متر الأولي أو حتي في الألف متر الأولي. وعلي عكس المسابقة الرسمية والتي تبلغ المسافة فيها42 كم تقريبا, والفائز فيها يكون متسابقا واحدا, ماراثون التوعية يدعو الجميع للمشاركة والانضمام في أي وقت للقافلة المتقدمة نحو الهدف..علينا أن نسير بانتظام للأمام في الماراثون ولو حاول البعض التسلل في المائة متر الأخيرة ومشاركتنا الركض في الثواني الأخيرة فأهلا بهم, ولو هلل البعض لفوزنا( وهو طوال الوقت يوجه الانتقاد والسخرية) بعد أن تحقق فلا بأس, المهم أن التاريخ يسجل للجميع من ومتي وأين وما هي درجة الوعي والتصميم..أرض ضميرك وسنصل لبر الأمان وخط النهاية السعيدة. لقد برهنت الأسابيع العصيبة الماضية أن سياسة النفس القصير لن تحقق الاستقرار الحقيقي لمصر, وأن سياسة الهروب للأمام هي في الحقيقة تعايش مع الأوهام, وأن النرجسية والتعالي مما يؤدي حتما للصدام, في حين أن المشاركة السياسية سبيل ممهد يقودنا للفلاح. والحديث موجه في الاساس للكتلة الحية من المصريين وأغلبها غير مسيس, وهي دوما رمانة الميزان وبوصلة يمكن الوثوق بها مهما نالها من تشويه تناسي دورها في التصدي لشطط مبارك وسياسات خاطئة للعسكري, ورهاننا دوما عليها فهي الوحيدة القادرة علي منع التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين..وهي أيضا ذات نفس طويل تمنح الفرصة تلو الأخري, ثم تثور هادرة وسط الجماهير حينما تقرر أنه فاض الكيل ولا طائل من منح مزيد من الفرص لمن يصر علي إهدارها. بعد تجارب دفعنا ثمنها غاليا أدرك كل طرف جيدا مخاوف الطرف الآخر.. وفهم أي الأمور لديه تمثل أولوية قصوي, وأيها يمكن أن تكون محل مراجعة أو تفاوض.. وعلي هذا ننشد الأرضية المشتركة, وفي نفس الوقت نكافح الجهل والفقر, ونحث البسطاء علي المشاركة. حديثي كذلك لصديقي السلفي أو الإخواني وقد باعد بيننا التشنج والشطط والغضب, وبات مجرد جلوس قيادي أو ناشط ثوري لا ينتمي لمعسكركم مع قيادي أو ناشط إخواني أصعب من جلوس مسئول بالخارجية المصرية أو المخابرات مع مسئول إسرائيلي(!) حان الوقت لكي نتفق بداية علي عدم التكفير أو التخوين والإقرار, فإنعان النظر للمعارضين سيقودنا إلي أن منهم أنصار البرادعي و شباب6 أبريل و اتحاد شباب الثورة و أولتراس و تيار شعبي و أنصار الوفد, والتجمع, والمصري الاجتماعي, والمصريين الأحرار, والعدل, والناصريون, ومصر القوية وآلاف القضاة و غالبية الإعلاميين والأقباط, وعدد كبير من هؤلاء أيدوا الرئيس في انتخابات الرئاسة.. أليست هذه هي مصر بدون الإخوان والسلفيين؟ هل يمكن أن يتم تجاهل رؤي تلك الشرائح والقادة بتجاربهم المكثفة ونضالهم الطويل والمراهنة علي تشويههم وإقصائهم عن المشاركة الحقيقية؟ نحن نركض للأمام يجب أن يكون شعارنا بلا كلل مطلوب حكم, فالفيصل بين الأطراف المتباينة في الآراء والرؤي ليس الصناديق كما يحلو للبعض أن يكرر, بل نزاهة العملية الانتخابية برمتها, فالتشكيك في أي مرحلة من مراحل عملية التصويت علي غرار انتهاكات أو تجاوزات تتكرر بدون إجراءات حاسمة( منع ناخبين- طوابير وهمية- خداع واستغلال للجهل والفقر تلاعب- قطع التيار الكهربائي- إغلاق مبكر للجان- إشراف غير القضاة علي الصناديق..) يضرب العملية الانتخابية في مقتل.. ولو كانت تلك تجاوزات محدودة وغير مؤثرة فلماذا تتكرر؟ ولماذا لا يتم التصدي لها بقوة وحسم؟ فالنتيجة المباشرة لمثل هذه السياسات هي عودة الشعب المصري لسلبيته, وعدم ذهابه للتصويت, وهذا يفاقم المشاكل لأن سلاح العصبيات والمال والأقليات المنظمة سيكون مؤثرا بشكل أكبر علي النتائج, وسيكون في ذلك ضرر علي المباشر. مطلوب في الفترة المقبلة أيضا أن نقر بأن القضاء حكم لابد أن ينحني أمامه الجميع. ولو كانت هناك أدلة ضد قضاة فلتتم محاسبتهم بالطرق التي يكفلها القانون وليس بالتشهير والمكايدة والترويع..وحتي لو أخطأ قاض مرة أو مرات فهو بشر, ولن يجدي أن أحاول طوال الوقت تأمين الاحكام التي ستصدر من جانب القضاة لصالحي..(ولا يستقيم أن اتهم بعض القضاة بالتدخل في السياسة وأغض الطرف عمن يمارسون السياسة منهم في المقطم), وحتي لو كانت هناك أخطاء فهي مثل أخطاء الحكام في الرياضة جزء من متعة اللعبة..وضمانة للاستقرار الحقيقي..فما هي المتعة في الانتصار في مسابقات حصلت علي تعهد مسبق من الحكم أنها ستكون لصالحي؟ وما هو رد الفعل المنتظر من المنافس علي هذا الحكم وهذه المسابقات؟ الفترة المقبلة تحتاج لنفس طويل ومشاركة فعالة, ثم حكام يفصلون علي أسس ديمقراطية سليمة, وتلك معضلة كبري فالديمقراطية ليس لها مرجعية واحدة, لكن يمكننا أن نتحري وجودها كضمانة حقيقية للاستقرار وللتعبير عن الغضب بطرق سلمية مشروعة, بتلمس بعض الميكانيزمات والمؤسسات والوظائف, والمعيار هو تداول السلطة, ودرجة المشاركة السياسية. المزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور