بعد أن انتهي الاستفتاء علي الدستور بكل ما حمله من مشاحنات وخلافات بل وصدامات. المطلوب الآن هو التفكير في مرحلة ما بعد الاستفتاء. والتطلع إلي استحقاقات وخطوات أخري لا بد من إنجازها للمضي قدما نحو بناء مصر. ولتحقيق هذا لا بد من أن تضطلع كل الأطراف بمسئوليات تفرضها المصلحة الوطنية, إن كانت حريصة بالفعل علي الصالح العام ولا تسعي وراء مصالح خاصة. الخطوة الأولي في هذا الاتجاه, أن تحيد القوي السياسية والمجتمعية سلطة ومعارضة- تبايناتها الفكرية والسياسية, وأن تتنزه عن خلافاتها المزمنة. فجوهر الشقاقات والصدامات التي شهدتها مصر أخيرا, هو الرفض المبدئي والمطلق للآخر, وبالتالي لكل ما يصدر عنه. تلك أولي المسئوليات الوطنية التي تتصدر مرحلة ما بعد الاستفتاء, أن يقتنع الفرقاء بأن مصر للجميع وليست لشخص أو جماعة أو تيار أو جبهة بعينها. وأظن أن معركة الدستور كانت من القسوة علي الجميع بما يكفي للاعتراف باستحالة الاستئثار بمصر أو احتكارها. تماما كما كان اجتياز امتحان الاستفتاء دليلا علي وعي وذكاء المصريين في التمييز بين من يسعي لصالح البلاد وإن أخطأ- ومن تحركه مصالح خاصة أو طموحات ذاتية, وإن تشدق بالمصلحة الوطنية. شعار المرحلة يجب أن يكون التعايش والكف عن السعي نحو إقصاء الآخر. فأخطر ما قد يفكر فيه الطرف الذي يظن نفسه فائزا في معركة الدستور, هو إقصاء الأطراف الأخري تمهيدا لأن يقضي عليها. وهو ذاته الخطأ الذي يجب ألا يقع فيه الطرف المهزوم, فالعمل العام لا يعرف تصفية الحسابات والانتقام. لذا علي قوي المعارضة التنبه وعدم الانسياق وراء أصحاب المصالح الذين سيؤثر الدستور علي أوضاعهم ومكتسباتهم, وأعني تحديدا من سيطبق عليهم العزل السياسي لمدة عشر سنوات, إذ ليس من المتوقع أن يقبل هؤلاء بسهولة ذلك الحبس الافتراضي, بعد أن كانت شبكة مصالحهم تغطي فضاء السياسة والحكم والبيزنس. لذا كما علي أهل الحكم مسئولية احتواء الجميع وإثبات المزاعم المتكررة بأنهم أهل مشاركة لا مغالبة. علي المعارضة أيضا مسئولية ليست أقل أهمية, هي التخلص مما علق بها في الفترة الأخيرة من طفيليات نظام مبارك. المسئولية الثانية التي يجب أن يضطلع بها الجميع دون استثناء, هي الالتفات سريعا إلي الملفات والتحديات العاجلة التي تأجل النظر فيها, وبالتالي التعامل معها تحت وطأة الأحداث الآنية والاستحقاقات العاجلة. الخطير أن تلك الملفات لن تظل مؤجلة طويلا, والخشية أن يفاجأ المصريون بها كأمر واقع بعد أن تكون فرصة معالجتها والاستعداد لها قد ضاعت. تشمل تلك الملفات إنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار. وأزمة مياه النيل خصوصا الشق المتعلق بسد النهضة الإثيوبي. وملف سيناء بتعقيداته المتزايدة يوما بعد يوم. واسترداد الأموال المهربة إلي الخارج. إن التصدي لتلك الملفات مسئولية الجميع حكومة ومعارضة. وبدلا من الانشغال الحكومي والرئاسي بقرارات سريعة غير مدروسة, يجب تشكيل مفوضة وطنية لها جميع صلاحيات مواجهة وإدارة تلك الملفات. ولتكن البداية بعقد مؤتمر اقتصادي وطني يضم خبراء من جميع الاتجاهات لوضع حزمة إجراءات عاجلة وخارطة طريق لإعادة بناء الاقتصاد المصري علي أسس موضوعية وعادلة. وعلي من كانوا يسعون إلي إنقاذ مصر من الإعلان الدستوري ثم من الدستور, العمل بذات الحماس لإنقاذ الاقتصاد المصري. وكما بادر بعضهم إلي الاستقواء بأطراف خارجية علي السلطة الحاكمة, عليهم أيضا مطالبة تلك الأطراف بدعم الاقتصاد المصري علي الأقل بإعادة الأموال المصرية المهربة والوفاء بوعود جدولة الديون والمساعدات الاقتصادية. المزيد من مقالات سامح راشد