جاءت مليونية الجمعة الماضية تجديدا وضبطا لمسار الثورة وإعادة التوافق والتوحد حول شعار الثورة أولا بعيدا عن الاستقطاب والخلافات التي كادت أن تحرفها عن مساراتها وتحقيق أهدافها ، في الموجة الأولي للثورة كان الهدف الرئيسي الذي التف الجميع حوله إسقاط النظام وقد استطاع شباب 52 يناير بمساندة الشعب بكافة أطيافه والجيش من إكمال المرحلة الأولي لتبدأ خطوات البناء علي ماتحقق لكن المشاهد بعد ذلك اختلفت وتباينت بصورة أصبحت تهدد مسار هذه الثورة وما أنجزته في موجتها الأولي خلال 81 يوما كانت فاصلة وحاسمة في تاريخ مصر. ولأننا عانينا طويلا مع الاستبداد ونهب ثروات البلاد والفساد السياسي فإن إسقاط رأس النظام ليس بالضرورة سقوطه بأكمله لتشعبه وتوغله في بنية ومفاصل الدولة المصرية وهو ما لم يتنبه له الكثيرون ومن هنا بدأت الصدامات والصدمات ، وعلي مدي الشهور الخمسة الماضية تغيرت معالم وملامح الصورة. احتقان طائفي تنقل عبر عدة حوادث ومواجهات وتصفية لحسابات قديمة أسهم النظام القديم في إشعال حرائق لصالح بقائه ونسي الكثيرون مشهد المسلمين وهم يؤدون الصلاة يحيطهم سياج بشري من الأقباط لحمايتهم والعكس في القداس، ظهور للسلفيين في المشهد بعد غياب أو تغييب قسري ، ظاهرة المتحولين إعلاميا من البكاء علي رحيل مبارك إلي الانتقال للثورية المفاجئة علي طريقة عفا الله عما سلف ، الاحتجاجات الفئوية التي تحولت لظاهرة لم يفلت منها قطاع في الدولة. لكن أخطر ما في هذه المرحلة أي بعد الموجة الأولي أن الكثيرين بدأوا في نسبة الثورة لهم واختلط الحابل بالنابل فالبعض مر علي ميدان التحرير لرؤية مايحدث والبعض تابع الأحداث من منازلهم. كما أن هناك ظاهرة لافتة حدثت وهي التلميع المفرط للثوار صحفيا وعلي القنوات الفضائية وما أحدثه ذلك من آثار سلبية نتيجة التعرض لأضواء الشهرة المفاجئة ، والاستفتاء علي التعديلات الدستورية وما صاحبه من استقطاب حاد بين مختلف القوي السياسية واستخدام الدين علي الجانبين وتصاعد المواجهات بين الطرفين، وتبدو هذه النقطة تحديدا بداية الانقسام الحاد بين القوي السياسية والمواجهات التي اتسمت بالتربص خاصة بين الليبراليين واليسار من جانب والإسلاميين علي الجانب الآخر وهي معركة جرت علي كل الساحات السياسية والإعلامية واستخدم كل طرف فزاعاته تجاه الآخر ومحاولات الإقصاء بل والتخوين والاتهامات بالتمويل والعمالة للخارج سواء لدول الخليج أو الغرب وقاد ذلك لما سمي بمعركة الدستور أولا أو الانتخابات وصار التراشق عنوانا للمرحلة ، هذه السجالات العنيفة طالت أداء وزارة الدكتور شرف والمجلس العسكري رغم معرفة البعض بأن دورهما مؤقت ومرتبط باستحقاقات لو نفذت في مواعيدها فسوف ترحل الوزارة ويعود الجيش لثكناته لكن البعض ذهب للمطالبة ببقاء المجلس لعدة سنوات ومن طالب بتولي المشير طنطاوي رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية وبمد فترة الاستعداد للانتخابات والطعن في دستورية الاستفتاء والإعلان الدستوري وأصبح المناداة والتلويح بالمليونيات سلاحا مشهرا في وجه الآخر ، لكن المليونية الأخيرة جاءت بعد توافق القوي السياسية التي وضعت خلافاتها جانبا ولذا نجحت لأن الثورة وليس الاعتبارات والمصالح والحسابات السياسية أو أي شيء آخر جاءت أولا. ويحضرني هنا شريط فيديو علي اليوتيوب للناشط البريطاني "جون ريس" الذي تحدث فيه عن أهمية تعلم القيم المصرية وقيم الثورة وأنها لشعب شجاع يقف ضد الفاسدين والقتلة والتعذيب واقتناعه بقيم هذه الثورة وأنها سوف تؤثر في مجريات الأمور في الشرق الأوسط ومنحت الأمل لكل العمال والفقراء في العالم ، كما أرجو أن يري فرقاء المشهد السياسي المصري الحماسة التي تحدث بها »ريس« وكلماته التي عبر بها عن إعجابه بهذه الثورة. مصر أكبر من أن تختزل في منصة أوفضائية أو صحيفة أو حزب أو تيار، مصر لكل المصريين وصناع الثورة الحقيقيون هم الشهداء والجرحي ومن لايبحث عن المغانم قبل أن تنهي الثورة مهمتها وكل القوي المخلصة التي لاتبحث عن مصالحها علي حساب الوطن الذي يتسع للجميع بلا تفرقة أو إقصاء ، أما العابثون فالشعب يراهم جيدا حتي لو أخفوا وجوههم ومقاصدهم ومن يقف وراءهم وهذا الشعب يريد عبور هذه المرحلة الصعبة من حياته وتاريخه بأقل الخسائر الممكنة بينما يريد من يتربص بهذا البلد أن يغرق في بحار الفوضي الخلاقة ولاتقوم له قائمة لكن إرادة الله هي الفاصلة والحاسمة في إنقاذ هذا البلد الطيب وهذا الشعب الذي يريد الحياة.