يشعر الكثيرون مع اقتراب موعد الانتخابات بأن هناك من لايريد أن تجري وتتم وفي صورة حضارية ، فأحداث مسيرة شبرا ثم اعتصام التحرير بعد مليونية المطلب الواحد وما شهدته من أحداث عنف من جانب الأمن والمعتصمين الذين أصروا علي البقاء في الميدان بعد انتهاء المليونية تثيرالقلق والمخاوف ، ولو حرص الأمن علي التفاهم لفض الاعتصام وعدم تعطيل المرور لما تسارعت الأحداث وتفاقمت بمثل هذه الصورة ، ولا أدري سبب ذهاب بعض مرشحي الرئاسة وصب المزيد من الزيت علي النار، وأقول أيضا إنني أخشي من أحداث أخري قد تزيد الوضع سوءا قبل انطلاق العملية الانتخابية خاصة أن هناك الكثير من الأصوات الزاعقة والناعقة في الكثير من وسائل الإعلام تروع الناس ليل نهار من أن يوم الانتخاب سيكون داميا لذا يجب علي الجميع حماية لجان الانتخاب وألا يسمحوا للانفلات الأمني وترويع الناخبين!! لا أحد يملك الوصاية علي هذا الشعب لأنه ليس قاصرا أو دون مستوي الفهم والوعي والإدراك وغير جاهز للديمقراطية، كما كان مبارك وحاشيته يرددون، ومن يفكرون هكذا لايجب الالتفات إليهم ، هذا الشعب صاحب حضارة تمتد في عمق الزمن سبعة آلاف عام، ومرت به الكثير من حضارات وثقافات العالم القديم والحديث، ولذا يجب أن تحترم إرادته وخياراته، وقد حرم هذا الشعب من الديمقراطية منذ 57 عاما عندما اختار الضباط الأحرار في ثورة يوليو 52 أن يمضوا وحدهم في الحكم وأطاحوا بخيار الديمقراطية ومعها أول رئيس لمصر (محمد نجيب) وسار الرؤساء اللاحقون علي نفس النهج من الاستبداد!! إذن الشعب يمارس الديمقراطية لأول مرة في أن ينتخب من يمثلونه في البرلمان القادم وكرسي الرئاسة، وأن يضع ممثلوه بالتوافق مع قوي المجتمع دستور البلاد ، هذا مايريده ويستحقه هذا الشعب الذي صبر طويلا وتحمل الكثير من أجل أن يصل لحريته وحقه المشروع في الاختيار.
لكن هناك من يخافون من الديمقراطية ويعتبرونها عبئا لايحتملون نتائجه وترفا لايستحقه هذا الشعب ولايليق به من جانب من يصفون أنفسهم بالنخب السياسية والفكرية ، فالاستفتاء عندهم كان ردة عن الديمقراطية لأن هناك من استغل الدين في دفع الشعب لتأييد التعديلات الدستورية، ونسوا أنهم استخدموا التهم الدعائية علي الفضائيات وغيرها لحث الناس علي رفضها وفشلوا، وبدلا من الاعتراف بذلك اتجهوا إلي التشكيك في الاستفتاء وعدم قانونيته وأن الشعب جاهل وقليل الوعي وأشعلوا حربا طوال تسعة أشهر في محاولة خلط الأوراق والاتجاه لمن في يده القرار لحثه علي البقاء في الحكم وتأجيل الاستحقاقات واستمرار غرق البلاد في هذه الحالة المضطربة سياسيا وأمنيا واقتصاديا لفترة طويلة. وإذا جاز القول فهؤلاء هم الفلول المستحدثة أو المعدلة لأنهم يمارسون نفس دور فلول النظام القديم في استمرار الفوضي علي كل المستويات لأنهم يرون أن القادم من الأوضاع والمتغيرات لن يكون في صالحهم، لذا هم يسعون لهدم المعبد فوق رءوس من يخالفهم وليذهب الجميع للجحيم !! هي أيام قليلة تفصلنا عن هذا الاستحقاق الكبير حين يتوجه الملايين من أبناء هذا الشعب إلي لجان الانتخاب لاختيار ممثليهم في أول برلمان بعد الثورة وعلي ثلاث مراحل تتخللها مرحلة إعادة لكل منها، وبقدر ماهو اختيار.. هو اختبار للطرفين المرشحون والناخبون ، أن يختار الطرف الأول مرشحيه ويحسن اختياره وأن ينجح الثاني في الفوز بثقة الطرف الأول ويكون جديرا بها فيما بعد ، من المهم بداية أن يذهب الجميع أو حتي غالبيتهم لصناديق الاقتراع ليقولوا كلمتهم دون وصاية أو إملاء من أحد لاختيارالأصلح ليمثل دائرته والأمة ، الذهاب إذن في حد ذاته اختبار للإرادة الشعبية والحرص علي ألا نكون أقل من أشقائنا في تونس أصحاب ثورة الياسمين الذين ضربوا نموذجا فريدا في حرصهم علي بلدهم وسرعة انتقال السلطة لمجلس تأسيسي يدير الفترة القادمة ويضع دستور البلاد، بينما ظللنا طوال الفترة الماضية نتخبط بين الفلول القديمة والمعدلة بين من يدافعون عن مصالحهم والحفاظ علي ماحققوه في النظام القديم ومن يريدون أن يكونوا أوصياء علي الشعب !! ومما يثير القلق حقا محاولة البعض الانقلاب علي الوضع القائم في المرحلة الانتقالية والدعوة لتشكيل مجلس رئاسي مدني وتأجيل العملية الانتخابية ورحيل المجلس العسكري.. ويروج لهذا السيناريو بعض التيارات ومنظمات المجتمع المدني ومرشحي الرئاسة، إضافة إلي أن وثيقة السلمي أحدثت لغطا واسعا في توقيتها وما حوته من مواد اعتبرت نوعا من الوصاية علي البرلمان والحكم القادم وإن كان الحوار حولها قد صوب بعض تلك المواد.
الأحداث الأخيرة أصابت المصريين بنوع من الإحباط بل والاكتئاب والإحساس أن الثورة تغير حياتهم إلي الأسوأ وليس الأفضل، وهي مسئولية علي الجميع تحملها ، ويجب أن تتوقف عملية التربص ببعضنا البعض والاصطياد في الماء العكر ، وهناك تجارب في العديد من الدوائر الانتخابية حيث يتقابل المرشحون مع بعضهم البعض في ود وصفاء رغم اختلاف التوجهات والرؤي دون صدام أو تخوين أو إقصاء أو اعتداء من أنصار مرشح ما علي الآخر، لكن هناك دوائر يسعي البعض إلي إفساد الجو عبر تمزيق لافتات المرشحين الآخرين وأعمال البلطجة ، فهناك من لايريد لمصر أن تتقدم خطوة للأمام وتحقق شيئا بل والعودة بها للوراء ممن تتضارب مصالحهم مع مرحلة الانتقال الديمقراطي ولايريدون خيرا للبلاد. كلمة أخيرة خير لك أن تظل صامتا ويظن الكثيرون أنك أبله ، من أن تتكلم فتؤكد تلك الظنون ! (أبراهام لنكولن )