ياسر صبحي في خطوة هي الأولي من نوعها منذ إنشاء بنك إنجلترا( البنك المركزي) قبل أكثر من300 عام تم إختيار شخصية أجنبية لقيادة البنك, حيث قام جورج أوسبورن وزير المالية البريطاني مؤخرا بإختيار محافظ البنك المركزي الكندي الحالي مارك كارني ليكون المسئول عن إدارة السياسة النقدية ومراقبة القطاع المصرفي بدءا من يوليو2013 ولمدة خمس سنوات مقبلة. وقد برر أوسبورن هذا الإختيار خروجا عن التقليد بأن كارني يعتبر من أكثر محافظي البنك المركزي تميزا علي مستوي هذا الجيل, وأنه قادر أن يضيف للبنك القيادة القوية والخبرة الخارجية التي يحتاجها خلال المرحلة المقبلة. كما أشار في بيانه إلي مجلس النواب أن كارني كان متفردا بين المرشحين من حيث جمعه بين الخبرة في عمل البنوك المركزية, ومصداقية عالية علي المستوي الدولي في مجال الإقتصاد, وخبرة عميقة في مجال الرقابة المالية, ومعرفة عملية بعمل المؤسسات المالية من القطاع الخاص. وقد ولد مارك كارني(47 سنة) في كندا وحصل علي بكالوريوس الإقتصاد من جامعة هارفارد الأمريكية في عام1988, ثم ذهب لإنجلترا حيث حصل علي درجة الماجستير والدكتوراه في الإقتصاد من جامعة أوكسفورد في عام1995, وهناك تزوج من بريطانية كانت تدرس معه الإقتصاد حينئذ. وقد عمل كارني نحو13 عاما مع بنك جولدمان ساكس في فروع لندن وطوكيو ونيويورك وتورنتو, ثم وكيل لمحافظ البنك المركزي لكندا, ثم مساعد لوزير المالية الكندي, وعاد مرة أخري للبنك المركزي الكندي كمحافظ منذ عام2008 وحتي الآن. ونال كارني إشادة عالمية بدوره في مواجهة الأزمة المالية العالمية حيث عاد له الفضل في محدودية الآثار التي تعرض لها الإقتصاد الكندي بفضل قراراته السريعة والجريئة في إدارة السياسية النقدية من خلال ضخ النقود في القطاع المصرفي والإعلان عن تثبيت أسعار الفائدة عند أدني مستوي لها لمدة عام, حتي أن الإقتصاد الكندي كان الأول بين الدول الصناعية الكبري في التعافي وتحقيق النمو الإقتصادي وعودة معدلات التوظيف إلي مستويات ما قبل الأزمة. ويرأس كارني حاليا مجلس الإستقرار المالي العالمي والذي ينسق من خلال مجموعة العشرين لتحقيق الإستقرار في النظام المالي العالمي. ولم يجد المعارضون لإختياره محافظا لبنك إنجلترا كثيرا من الحجة للاعتراض خاصة أن أحد الأسباب الرئيسية لإختيار شخصية مصرفية من خارج بريطانيا يعود إلي الصورة السيئة للمصرفيين المحليين في التسبب في الأزمة المالية العالمية, وعدم قدرة المسئولين الحاليين ببنك إنجلترا علي تفادي أو المواجهة السليمة للأزمة. وشكك البعض في المبالغة في وصف مميزات كارني حتي كتب أحدهم أنه لا ينقص إلا أن يقولوا أنه يمشي أيضا علي الماء! إلا أن المهمة الجديدة التي تنتظر كارني لا تخلو من تحديات كبري. فمن ناحية فإن لندن هي سوق مالية رئيسية علي مستوي العالم, كما أن الإقتصاد البريطاني أكبر حجما وأكثر تعقيدا من الإقتصاد الكندي, ويتأثر بشكل كبير من سياسات البنك المركزي الأوروبي في منطقة اليورو وسوف تكون سياسات بنك إنجلترا في بؤرة الإهتمام الدولي. ومن ناحية أخري فإن توسيع دور البنك المركزي البريطاني خلال العام المقبل من خلال إعادة دوره الإشرافي علي الجهاز المصرفي( بعد أن كان قد تم إلغاء هذا الدور في عام1997 في فترة جوردون براون وتوني بلير) بجانب إدارة السياسة النقدية سيفرض تحديات كبيرة في قدرة البنك علي القيام بمهامه بكفاءة. وقد طرح كارني بعد إعلان إختياره بعض الأفكار الجديدة التي يري أن البنوك المركزية ينبغي أن تتحول إليها خلال الفترة المقبلة والتي تثير الجدل بين الإقتصاديين, ومن بينها الكف عن سياسة إستهداف معدلات التضخم, والتحول إلي إستهداف الناتج المحلي الإجمالي الإسمي والذي يأخذ في الإعتبار معدل نمو الناتج الحقيقي وفي نفس الوقت مستويات الأسعار. كما يري أهمية تثبيت أسعار الفائدة لحين تحقق رقم مستهدف لمعدل البطالة في الأوقات الإقتصادية الصعبة بغض النظر عن معدل التضخم المستهدف. وقد أثار المعترضون علي هذه الأفكار كثيرا من الجدل حول مصداقية البنوك المركزية والسياسات التي تقوم بها في حالة تخليها عن إستهداف معدلات التضخم. وقد تصاعد دور البنوك المركزية علي مستوي العالم في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام2008, وأصبحت مطالبة بدور أكبر في إدارة الإقتصاد وإخراجه من الركود, بالإضافة إلي إدارة المخاطر ومراقبة المؤسسات المالية والمصرفية والتي كانت المتسبب الرئيسي في حدوث هذه الأزمة. وقامت البنوك المركزية الرئيسية بتخفيض أسعار الفائدة إلي معدلات تقترب من الصفر مع إتباع سياسات للتوسع النقدي الكمي من أجل إنعاش الإقتصاد. ويعتبر محافظ البنك المركزي المنصب الأرفع علي مستوي الدولة والذي لا يأتي بالإنتخاب في الدول الديمقراطية وذلك لضمان إستقلاليته في السياسات التي يتبعها لتحقيق الأهداف الموضوعة أمامه. وقد تبنت بريطانيا أسلوبا جديدا لاختيار محافظ لبنك إنجلترا بدلا من الأسلوب التقليدي المتبع في السابق, حيث أعلن عن مسابقة بين المرشحين للإختيار بينهم وتم عقد لقاءات معهم. وعلي الرغم من عدم تقدم محافظ البنك المركزي الكندي لهذا المنصب فإن جورج أوسبورن قام في النهاية بإختيار مرشحه المفضل, مما أثار إنتقاد البعض للإهانة التي تعرض لها الشخصيات المصرفية المتميزة التي تقدمت لهذا المنصب. كما تقرر مد الفترة الزمنية لمنصب المحافظ إلي ثماني سنوات بدلا من خمس سنوات لضمان إستقلالية هذا المنصب, إلا أن مارك كارني أعلن بعد إختياره أنه سيكتفي بالبقاء لفترة خمس سنوات فقط.