الإدارية العليا تستقبل 8 طعون على نتيجة 30 دائرة ملغاة بانتخابات النواب    الجيزة: أسواق اليوم الواحد تعتمد على دراسات دقيقة لاحتياجات السوق    وزير البترول يكشف موعد زيادة أسعار المواد البترولية المرتقبة    طائرة مسيرة تحمل العلم الروسي تحلق فوق كييف    هل تتدخل مصر عسكريًا في السودان؟ خبيرة بالشأن الإفريقي تُجيب    الصحة الفلسطينية: استشهاد طفل متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال    تعرف على أرقام محمد صلاح مع منتخب مصر قبل أمم أفريقيا 2025    خبر في الجول – مالكه فينيسيوس.. الأهلي يتلقى عرضا لضم كوكا    سمير كمونة: حسام حسن من مدرسة الجوهري.. وصلاح ومرموش قوة للمنتخب    عبد الرؤوف يمنح لاعبي الزمالك راحة من التدريبات غدًا    الزمالك يهزم وادي دجلة في دوري الطائرة    حبس متهم بقتل صديقه وتقطيع جثته إلى أجزاء وإلقائها في القمامة بالإسكندرية    جثامين ضحايا طريق الضبعة رهينة ال DNA.. قرية معصرة صاوى على صفيح ساخن    مقتل 5 متهمين بترويج المخدرات بعد ساعتين من تبادل إطلاق النار مع الأمن في أسوان    تعزيز القيادة الأثرية .. الدكتور خالد حسن نائبًا للرئيس التنفيذي بالمتحف المصري الكبير    إيمي سمير غانم تمازح الجمهور: «لو حسن الرداد اتجوز عليّا ده حقه»    تامر حسنى يقدم ميدلى من أغانى العندليب الأسمر فى حفل عابدين    حكم صيام شهر رجب كاملا| الإفتاء توضح    كيف تهدد المشروبات الدافئة بالشتاء صحة العظام؟    سقوط من علو ينتهى بإنقاذ مُعقد| قصة نجاح طبي بمستشفى الفيوم العام    رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق: لا يمكن دستوريا وقانونيا تأجيل أو تمديد جلسة البرلمان المقبلة    المصل واللقاح: انتشار الفيروسات التنفسية طبيعي في الخريف والشتاء.. و65% من الإصابات إنفلونزا    انطلاق الحلقة 12 من برنامج دولة التلاوة بمشاركة كبار القراء.. بث مباشر    وزير خارجية بوتسوانا: المنتدى الروسي - الأفريقي منصة مهمة لتحديد أولويات التعاون    وزارة العدل الأمريكية: لم ننقح أي ملفات لحماية ترامب عند إصدار وثائق إبستين    زعم أن أخاه يسيء معاملته.. تفاصيل واقعة إشعال شقيق ناصر البرنس النيران في نفسه بالشيخ زايد    تحسين حياة المواطن بالأقصر تتصدر اهتمامات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    محمد صبحي يكشف كواليس لقائه بأم كلثوم: «غنّت لي وحدي وأهدتني 50 جنيهًا»    د. محمد العبد: مجمع اللغة العربية منارة ثقافية يواكب احتياجات التحول الرقمي| خاص    فولتماده: لا أعرف كيف تعادل تشيلسي معنا.. وجمهور نيوكاسل يحبني    تعادل بورنموث ضد بيرنلي وبرايتون مع سندرلاند في الدوري الإنجليزي    وزير الخارجية يلتقى مفوضة الاتحاد الأفريقى للتنمية الاقتصادية والتجارة    الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»: القيادة السياسية لن تفرط في نقطة مياه واحدة.. والأمن المائي واجب وطني ومسؤولية جماعية    النائب العام يوافق على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر    خلال 10 أيام.. التفتيش على 3605 منشآت يعمل بها أكثر من 49 ألف عامل    التنمية الشبابية بالجزيرة يعرض كأس ألأمم الأفريقية علي شاشة عرض عملاقة بالمسرح الروماني    الصهيوإخوانية| الإخوان والصهيونية صورة طبق الأصل    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    النبراوي أول نقيب مهندسين مصري يتقلد رئاسة اتحاد المهندسين العرب    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    محافظ أسوان يبحث توصيل الخدمات والمرافق ل40 مصنعا.. اعرف التفاصيل    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    رئيس جامعة الأزهر: الجميع مع القرآن فائز.. والإمام الأكبر حريص على دعم الحفظة    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    محمد عنتر: الزمالك "اختياري المفضل" دائما على حساب الأهلي.. والأندية الشعبية في خطر    رئيس هيئة التأمين الصحى فى زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    «المنشاوي» يستقبل أسامة الأزهري وزير الأوقاف بجامعة أسيوط    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحكي أن عن الديمقراطية والدين والدهشة
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 12 - 2012

أسعد طه في الشارع الضيق المتواضع سكنت سيارتنا‏,‏ زيجينشتور مدينة صغيرة‏,‏ وإن كانت عاصمة لأقليم مشاكس‏,‏ نزلت متعبا وأنا الآتي من دكار بطائرة تسع ستة أشخاص‏,‏ علي مقربة وجدت حشودا من الناس تهتف بالفرنسية لغة البلاد الرسمية, ظننت أن زعيما سياسيا سيمر, استقبلني رجل بترحاب وقال إن كازامانس كلها ترحب بي, قادني في أتجاه الحشد, أردت أن أتخذ زاوية يستطيع منها مصورنا أن يسجل هذا المشهد, فاجأني بقوله إنهم في انتظارك منذ الصباح الباكر, ليتك تمر بينهم وترفع يدك تحية لهم, تقمصت لدقائق دور الزعيم, قدرت للقذافي ولعه بهتافات الناس, لا يمر عليك يوم في السنغال إلا ويكون هناك ما يدهشك, حتي في هذا الإقليم الجنوبي المطالب بالاستقلال
دخلت مقر الحركة الانفصالية, قدموني إلي زعيمها الأب دياماكون سنغور, رجل في نهاية عقده السابع, نصب قسيسا قبل أكثر من خمسين عاما, وظل لفترة طويلة تحت الإقامة الجبرية بين بيته والكنيسة, شرح لي المسألة, تحدث طويلا عن نضال شعبه ضد البرتغاليين والإنجليز والفرنسيين, واليوم ضد هؤلاء الذين يعيشون معنا ويرفضون إرادة الحياة المشتركة ويتصرفون باستعمارية أكثر من المستعمر الأبيض.
قبل عام من زيارتي, أي عام ألفين وأربعة, وقع اتفاق للسلام, لكن الأب سنغور يقول, ليس هناك سلام من دون عدالة, وليست هناك عدالة بدون الحقيقة, وليست هناك حقيقة بدون معرفة وتطبيق صحيح لقوانين الله ومعطياته الأساسية.
خرجت من عنده إلي حيث الخضرة, أكثر من ستين بالمائة من كازامانس مغطاة بغابات تعبرها ممرات مائية, ويعيش بها حوالي المليون وأربعمائة ألف نسمة, أثنان وستون بالمائة منهم مسلمون, إلا أنهم نصبوا قسا زعيما لهم, سألته وأجاب, شعاري واختياري الرهباني هو أن أكون قسا إلي الأبد حتي أزرع في العالم الحقيقة وعمل الخير والعدالة والسلام وأزرع في قلوب الناس حكم الله.
في العاصمة دكار, سرادق ضخم, أضواء مبهرة, إنشاد تميز منه كلمات الله والنبي والقرآن, الرجال يتوافدون تباعا, النساء يرتدين ملابس زاهية, الحلي الذهبية براقة, سألت, قالوا إنه المولد, ولما كان الزمن غير الزمن, فسروا لي أن في عطل نهاية الأسبوع يتنافس الناس علي إقامة الموالد, ولا علاقة للأمر بالمناسبة, ثم ينتصف الليل, ثم يهل الشيخ الوقور, ثم يستمر الإنشاد وجمع الهدايا والهبات حتي بزوغ الفجر.
صوفيون حتي النخاع, لا يمكن أن تكون مواطنا سنغاليا دون أن تكون منتميا لهذه الطريقة أو تلك, لا تستطيع حتي أن تنهي مصالحك الشخصية دون هذا الانتماء, حتي قيل إن ولاء السنغالي إلي الطريقة قبل الشريعة, وإذا كرهت واحدة فاتبع الأخري, التيجانية والمريدية والقادرية واللاينية, وغيرها كثير, وكل واحدة منها لها طقوسها المميزة, واستحقاقاتها المالية التي تلزم بها أتباعها.
أينما وليت وجهك ستجد صورة لمارابو, أي شيخ الطريقة, وقد أتت الكلمة من مرابط, ذلك المقاتل الذي يجاهد في سبيل الله, وهو في ثقافة الصوفيين رجل مقدس, ممثل لله علي الأرض, يتمتع بقدرة غير عادية, ولم لا وهو من حارب الوثنية, وحارب الاستعمار الذي كان ينشر المسيحية, فلما نالت السنغال إستقلالها, كان أول رئيس لها هو الشاعر المسيحي ليوبولد سنغور, بينما أربعة وتسعون بالمائة من سكانها مسلمون.
هل تريد واحدة أخري من غرائب المشهد السنغالي, الساسة العلمانيون هنا أدركوا كلهم أن أقصر طريق إلي قصر الرئاسة هو التحالف مع شيوخ الصوفية, طمعا في أصوات مريديهم, ففعلوا, وهم المؤمنون بفصل الدين عن الدولة, عمار يا سنغال
علي طول الطريق من داكار حتي طوبة, آلاف المؤيدين يقفون علي جانبي الطريق تحية الرئيس, وعبد الله واد بسنواته الثمانين, وبشهاداته الجامعية التي يباهي بها أقرانه من رؤساء إفريقيا, وبسنوات نفيه وسجنه لا يتعب ولا يمل من تحيتهم حتي إذا وصل إلي مبتغاه, أوسعت له الجماهير طريقا, فدخل إلي بيت متواضع, ثم غرفة مزودة بإضاءة خضراء, بها سرير, وشيخ وقور يجلس علي كرسيه, ثم سيادة الرئيس يجلس علي الأرض, عند أقدام هذا الرجل, الذي هو صالح امباكي, شيخ الطريقة المريدية.
هل تريد مزيدا من الدهشة, خلال هذا الطريق, أوقف الرئيس سيارته عند فتية وفتيات اصطفوا وهم يرتدون الشارات الحمراء يعلنون غضبهم واحتجاجهم, وفق عادة سنها الرئيس نفسه, أستمع إلي مطالبهم, منح وعوده, ثم واصل سيره, وواصلت أنا التفكير في بلد فقير, يعيش واحد وخمسون بالمائة من سكانه تحت خط الفقر, وستون بالمائة منهم أميون, لكنه أول بلاد إفريقيا تمردا علي نظام الحزب الواحد, بلد الإعلام الحر, ومظاهرات بلا شهداء, إنه يستمتع بالديمقراطية, بينما الانقلابات العسكرية في الأغلب هي التقليد السائد للوصول إلي السلطة في الدول الجارة
لن أنسي صباحي الأول في دكار, أستدعاني الرئيس, دخلت غرفة صغيرة في قصر كبير, تبادلنا الحديث طويلا, قال لي سأخلد إلي النوم الآن, عد في الرابعة بعد الظهر, في الموعد ركبت معه سيارته, صمت, غادرنا القصر, وصلنا إلي قلب المدينة, طلب من السائق التوقف, ترجل, سرت بجواره, دقائق وكان العشرات حولنا, دقائق أخري وكان المئات, أطيح بي, وظل سيادة الرئيس وحده بين الناس, أتوا له بسيارة أخري, علي حافتها الخلفية وقف وأخذ في تحية الجماهير, دخلنا إلي سوق عامر, ضاع الحرس والمرافقون, وحدي وفريقي للتصوير مع الرئيس, وهو يسألنا إلي أين نذهب, والحشود والهتافات تزيد, ظل الأمر لساعتين حتي استطاع حرسه الوصول إلينا والعودة بنا إلي قصره, الرئيس لم يغتال, الرئيس لا يحب الجدران العازلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.