لم تقتصر معاناة أطفال السنغال على الفقر والأمراض والحملات التبشيرية، بل إن عشرات الآلاف من هؤلاء الأطفال في المدارس يعانون من أوضاع أشبه بالعبودية ومن انتهاكات جسيمة، حيث أكد تقرير أصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش أن المدرسين في السنغال يضربون التلاميذ في مدارس تحفيظ القرآن لكي يجبروهم على العمل كمتسولين.
وذكر التقرير الصادر بعنوان "من عرق الأطفال: التسول الجبري وغيره من أشكال الإساءة بحق طلاب المدارس الدينية في السنغال" الذي جاء في 114 صفحة أن هناك 50 ألف صبي على الأقل معروفون بلقب "طالب" - أغلبهم تحت سن 12 عاماً والكثير منهم يبلغون من العمر 4 أعوام - يتم إجبارهم على التسول في شوارع السنغال لساعات طويلة، سبعة أيام في الأسبوع، على يد معلمين مسيئين في العادة (معروفون باسم "مرابط").
ويجوب أطفال حفاة في ملابس رثة شوارع العاصمة السنغالية دكار، ويقومون بدق نوافذ السيارات ويلاحقون مرتادي الأسواق، أملا في الحصول على بضع عملات معدنية أو كوب من الأرز.
ويستند التقرير إلى 175 مقابلة مع طلاب سابقين وحاليين، وكذلك مع نحو 120 شخصاً آخرين، منهم معلمين "مرابطين"، وأهالي أرسلت أطفالها لهذه المدارس، وعلماء دين إسلامي، ومسؤولين حكوميين، ومسؤولين بالمنظمات الإنسانية.
وقال مات ويلز معد التقرير "هناك 50 ألف طفل على الأقل في مدارس تحفيظ القرآن الداخلية في الحضر يعيشون في ظروف أقرب إلى العبودية، نحن نتحدث عن مشكلة خطيرة هنا في السنغال والأعداد تزيد كل يوم".
من جهتها قالت جورجيت غانيون، رئيسة قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على السنغال ألا تبقي في مقاعد المتفرجين بينما يتعرض عشرات الآلاف من الأطفال الطُلاب بشكل يومي للضرب والإهمال الجسيم وأوضاع تشبه في المجمل وضع العبودية". وتابعت: "يجب على الحكومة انتهاز فرصة يوم الطالب الوطني، في 20 أبريل/نيسان، من أجل التعهد بتنظيم جميع المدارس القرآنية وتحميل المعلمين المسيئين المسؤولية".
استغلال اقتصادي
وأكدت هيومن رايتس ووتش أن الكثير من الكتاتيب في مناطق الحضر بالسنغال في الوقت الحالي يقوم فيها المعلمون, باستخدام التعليم كغطاء للاستغلال الاقتصادي للأطفال المسؤولين عنهم. فالكثير من المعلمين في الكتاتيب الحضرية يطلبون من الأطفال مخصص يومي نقدي وعيني من التسول، ويؤذونهم بدنياً ونفسياً في حالة الإخفاق في الوفاء بالحصيلة اليومية المطلوبة.
ويبلغ عدد سكان السنغال 12 مليون نسمة، ويعتنق معظم سكانها الإسلام، وتوجد بها مدارس تحفيظ القرآن منذ قرون، مما يضعها على قائمة الدول التي تعاني من مشكلة إجبار الأطفال على التسول مثل باكستان والهند وألبانيا.
وكانت حكومة السنغال قد أقرت قوانين في الأعوام الأخيرة استهدفت المشكلة، لكن التقرير نقل عن مسئول حكومي قوله، إن الحكومة تباطأت في تطبيقها وسط مخاوف من رد فعل عنيف يقوده الزعماء الدينيون الذين يتمتعون بنفوذ سياسي ويستفيدون من التسول.
وصرح محمد بامبا نديايي وزير الشئون الدينية السنغالي، بأن "الدولة تبحث عن حلول لمشكلة إجبار الأطفال على التسول، كما أننا لا نؤيد فكرة إلقاء الأطفال في الشوارع هكذا".
يقول صبي في الحادية عشرة من عمره أرسله أبواه لمعلّم قرآن في دكار - عاصمة السنغال - في سن السابعة "يجب كل يوم أن أجمع مبلغ 1.3 دولار، وأرز وسكر. وكل مرة لا أجمع المطلوب، يضربني المعلم بسلك كهربائي. يضربني كثيراً على ظهري وعنقي، مرات تفوق الحصر... كل مرة أتعرض للضرب، أفكر في أسرتي، التي لم تساعدني يوماً. أتذكر عندما كنت في البيت. ثم إنني هربت، لأنني لم أعد قادراً على التحمل".
ويعهد أولياء الأمور بأبنائهم لمدارس تحفيظ القرآن منذ قرون وينتظرون أن يحصل الأبناء على الطعام والمأوى ويحفظوا القرآن مقابل عملهم في مزارع خلال موسم الحصاد، لكن التسول الإجباري بدأ يظهر في نظام مدارس تحفيظ القرآن بالسنغال في السبعينات حين دفع تراجع الزراعة المدارس إلى الانتقال للمدن وكان يطلب من التلاميذ التسول لتغطية تكاليف المدرسة الداخلية.
ومع الإرهاق من الانتهاكات المستمرة والحرمان شبه التام، يفر سنوياً أكثر من ألف صبي من الكتاتيب, حيث يعيش مئات الأطفال في شوارع المدن الكبرى بالسنغال، وهم أحد أهم نواتج أكثر الكتاتيب القرآنية إساءة للأطفال في البلاد. ويقول عثمان سونكو الذي يدير مأوى إمبراطورية الأطفال في دكار إن أولياء الأمور أحيانا يرفضون استعادة أبنائهم لأنهم لا يصدقون أن رجال الدين يمارسون انتهاكات
وفي تقرير سابق لمنظمة اليونسيف أشارت إلى المشكلات التي تواجه الأطفال في السنغال والتي تتمثل في:
- بالرغم من بعض التقدم ، الا ان معدل الوفيات النفاسية لا يزال مرتفعا. - تودي الملاريا وسوء التغذية وأمراض الإسهال والالتهابات التنفسية الحادة بحياة العديد من صغار الأطفال. - أوجد تفشي الحمى الصفراء مؤخرا حاجة لحملة تحصين طارئة أدت إلى تأخير توسيع السنغال من نطاق برنامجه بشأن التحصينات الروتينية. - يهدد انعدام الأمن الغذائي المزمن النمو الصحي للأطفال. - ما زالت الاتجاهات التقليدية إزاء ادوار الجنسين قائمة. ولا تضع العديد من الأسر تعليم الفتيات على قائمة الأولويات. - تحتاج نوعية التعليم المقدم في مدارس السنغال إلى تحسين. ولا تزال معدلات إتمام الدراسة، ولا سيما بين الفتيات متدنية.
المد التنصيري
وتنتشر في السنغال مدارس تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن، وتشرف على هذه المدارس غير الحكومية طرق صوفية ومتبرعون.
وتشهد هذه المدارس اقبالا كبيرا، رغم أن عدد السنغاليين من أصول عربية لا يتجاوز 1 % من السكان.
ولحماية المسلمين من محاولات التبشير، أنشأت الطرق الصوفية العديد من المدارس القرآنية التي تستقطب الأطفال لتلقينهم أبجديات اللغة العربية وحفظ القرآن.
وتعتبر مدينة تيواوون واحدة من أشهر المدن السنغالية التي تنتشر فيها مدارس حفظ القرآن وتعليم اللغة العربية، كونها العاصمة الروحية للطريقة التيجانية في البلاد.
ويقول بنعمر التيجاني أحد شيوخ الطريقة التيجانية السابقين إن مدارس حفظ القرآن كانت لا زالت "الحصن المنيع والأخير لمواجهة محاولات علمنة وتنصير المجتمع السنغالي". ويرى بنعمر أن السنغال التي دخلها الإسلام منذ قرون واجهت "المد التنصيري" والمستعمرين بواسطة المدارس القرآنية التي تمثل "فضاء تنظيميا للمقاومة".
ومما يلفت الانتباه في المدن السنغالية وجود مدارس قرآنية في الشارع، يتوافد عليها التلاميذ في أوقات فراغهم.
ولا يتضمن منهج التعليم الحكومي تدريس اللغة العربية إلا في مراحل متقدمة من الدراسة، وتكون فيها العربية اختيارية إلى جانب اللغات الإسبانية والروسية والألمانية.
وتمول هذه المدارس بمساهمات رمزية من أولياء أمور التلاميذ ومساعدات مالية من متبرعين. ويطلق على مدارس القرآن في السنغال اسم (الدارا) وتخرج منها آلاف الدارسين والمثقفين وكذلك بعض رجال السياسة.
اغتصاب الأطفال
عل صعيد آخر يتعرض الأطفال في السنغال إلى عمليات اغتصاب تزايدت في السنوات الأخيرة مما دعى نواب ومنظمات من المجتمع المدني إلى المطالبة بتشديد العقوبات على مرتكبي عمليات الاغتصاب والتي يتعرض لها الأطفال بالخصوص.
وقال النائب عمر ندوي رئيس جمعية البرلمانيين لحماية الأطفال "ثمة صمت مفروض حول عمليات الاغتصاب في السنغال ولا يتم التبليغ عن العديد من الحالات"، مؤكدا أن عمليات الاغتصاب تطال "بالخصوص الأطفال وليس فقط الفتيات. ويزداد عدد المدرسين في المدارس القرآنية الذين يستغلونهم جنسيا".
وأوضح رئيس مجموعة الأبحاث والعمل ضد أعمال العنف بحق الأطفال اداما سو أن منطقة كولدا (جنوب) شهدت 211 حالة خلال 2008 نصفها حالات اغتصاب تلميذات حملن إثره اغتصابهن من قبل مدرسين".
ويعزو سو ذلك إلى "الفقر" مؤكدا أن أكثر من ثلث الحالات سنة 2008 حصلت في كولدا إحدى المناطق الأكثر فقرا في هذا البلد المسلم.
وأشار مساعد مدير الشؤون الجنائية في وزارة العدل مصطفى كا أن الاغتصاب بين أفراد العائلة يحتل مكانة كبيرة لكن العائلات تفضل "السترة" ولا تحيله على القضاء. ويفسر حالات الاغتصاب بالعيش في أماكن مكتظة وغرف ضيقة متحدثا عن تأثير المسلسلات التلفزيونية والانترنت.
من جهته قال عالم النفس محمد مبوج "إننا لم نصبح أكثر انحرافا بل إن الناس باتوا اقل استعدادا للصمت". مشيرا إلى أن هناك دائما مغتصبون بين المسنين ومدرسي المدارس القرآنية والأولياء الذين يمارسون الطب التقليدي، "لكن أحدا لم يتحدث عن ذلك".