كتبت:فاطمة الدسوقي محكمة.. حكمت محكمة استئناف الإسكندرية للأحوال الشخصية بسلب ولاية م.س.ع علي أبنائه القصر الثلاثة, وإسناد الولاية للأم بعد أن تبين للهيئة الموقرة أن ذلك الأب غير أمين علي أموال وأملاك أبنائه, وحاول انتهاك براءتهم وبيع أملاكهم.. رفعت الجلسة. الزوجة: يا سيدي عفوا.. سيقول الناس عني الكثير.. متسلقة.. انتهازية.. استغلت الأستاذ وسلبت منه رجولته.. وهذا الذي يقف أمامكم سيؤيد أقوالهم بالصمت ليخفي جريمة أنانيته وطمعه.. إلا أنه شرب من نفس الكأس الذي جرعه لأمه وأشقائه ليحقق قول المولي عز وجل تلك الأيام نداولها بين الناس, فلم يدرك ذلك الأفاق أن الجزاء من جنس العمل, وأن ما فعله بالأمس سوف يجني ثماره اليوم, ودعني ياسيدي أسرد لعدالتكم تفاصيل قصة مأساوية بطلها ذلك الخداع ومن أبرز نجومها أمه وأشقاؤه الأربعة. يا سيدي لست أدري.. هل ألوم نفسي لأنها زرعت الوداد ولم تحصد سوي الحسرة والندم ومن هواجس الندم عرفت العذاب, فقد رسمت كل خطوط العمر مع ذلك الأناني باللون الأبيض فجرت منابع الود بيننا وما بين القلب والمنبع انشقت قنوات الحب والأمل, واستزرعت معه أحلاما تلهو في شواطئها السفن وآمالا تحتضن البحور. ياسيدي: كنت أراه السيد وأنا العبد.. سلمته بيدي كل صكوك عبوديتي.. فقط كنت مجرد أنثي.. لا اقترب من دائرة سطوعه وكنت له مثل خلفية باهتة تبرز تألقه, كان الرجل الأول في عمري ولكنه فشل في الاحتفاظ بقلب وهبه نبضاته في سرية حتي رحلت بنا المشاعر وانسالت من عيني آخر دمعة في عمري علي عمري, حدادا وانكمشت داخلي ذكريات السنين وأعلنت الانقلاب وأنا الآن لا أريده بقدر ما أريد أن أنسي لحظة غدره المدمرة ولكن ما أحلي رائحة الفوز وما أقسي ملامح الجرح. ياسيدي هذا الطماع تزوجته وأنا في الثامنة عشر من عمري, كنت تلميذة في الثانوية العامة وهو أستاذ في مادة اللغة الانجليزية ومتربع علي عرش مملكة الدروس الخصوصية ويملك من الأموال الكثير ووالده من أثرياء مدينة الإسكندرية وعائلته ذائع صيتها في كل مكان.. وكادت الفرحة تفتك بقلبي عندما طلبني للزواج.. فمن أكون؟ أمام ذلك الأستاذ الذي يجلس دائما علي القمة, ورفيقاتي يتمنين أن يرمقهن ولو بنظرة واحدة.. كان يمشي مختالا مغرورا يزهو بنفسه في اعجاب, لم أمنح نفسي فرصة للتفكير ووافقت علي الزواج منه برغم أنه يكبرني بخمسة عشر عاما.. وكاد والدي يطير من الفرحة, ففي لمح البصر سوف يكون نسيب عائلة فلان المشهورة الثرية وابنته سوف تعيش في فيلا فارهة بدلا من حارة كل واشكر, وسوف تركب سيارة فارهة بدلا من السير كيلومترات علي الأقدام لتوفير الجنيه, واعتقدت عائلتي أن ليلة القدر زارتنا في المنام وحققت أحلامنا!! تزوجته سيدي وانتقلت معه للاقامة داخل فيلا والده بمنطقة المنتزه, كانت مثل قصر في الجنة وتمنيت الا يطرق ملك الموت بابي أبدا حتي لا أخرج من ذلك النعيم, وعشت مع والديه وكانا أرفق بي من عائلتي وأحن علي من أمي وأبي, وجرعاني المحبة والهناء والسعادة ولم أر منهما مكروها أبدا, حتي حدث ما عكر علينا صفو حياتنا, عندما اختطف الموت والد زوجي وبعدها انطفأ أحد قناديل البيت الكبير, ولكن ظلت والدة زوجي تعاملني مثل بناتها وأكثر, وتحملت معي مسئولية تربية أبنائي الأربعة وكانت تفضلني علي بناتها وزوجات أبنائها وأنا كنت لها خادمة وأعشقها أكثر من عشقي لأمي.. ولكن يا سيدي.. بدأ الطمع يسكن قلب زوجي العليل وراح يرسم الخطط للاستيلاء علي الفيلا لنفسه وحرمان أشقائه من ميراثهم فيها, بزعم أنه صغيرهم وأنه اضطر أن يتزوج مع والديه لخدمتهما ومن حق الصغير أن يتدلع, وينهب ويسرق ويطمع وتلفح بالغدر والنذالة, سيدي القاضي, واستغل فرصة مرض والدته وغياب الوعي عنها بعض اللحظات عندما تنتابها أزمة السكر, وفي غفلة منها حصل علي توقيعها علي بيع الفيلا له لأنها كانت باسمها, لم أشاركه جريمته البشعة وكشفت المستور لأمه وفضحته لدي أشقائه, فأنا لا أرغب أن يتربي أبنائي من المال الحرام ولا يمكن أن أبنيهم علي أنقاض أعمامهم وعماتهم وأبنائهم وبدأت جسور الثقة والحب بيننا تتهدم وحرمت نفسي عليه منذ تلك اللحظة حتي يعود لصوابه وينتظر حتي تنتقل أمه الي الرفيق الأعلي, وبعدها يتم توزيع المثيرات حسب شرع الله. يا سيدي.. نهرني.. ضربني.. حبسني.. منع عني الطعام والشراب.. دهسني بحذائه ولم أبال, وصممت ألا أكون له زوجة ما دام قد تلفح بالأنانية والطمع ولكي يرضيني كتب الفيلا المسروقة بأسماء أبنائنا حتي لا يقاضيه أشقاؤه ووالدته, ويحصلوا علي ميراثهم بالقانون بعد موت أمهم ولكي يسد عليهم جميع الأبواب, باع الفيلا لأبنائه الأربعة وسجل عقود البيع بصفته واصيا عليهم وهددني بالطلاق وطردي من الفيلا وحرماني حتي من رؤية أبنائي اذا تفوهت بكلمة واحدة, وعلي أن أسجد وأصلي شكرا لله في محرابه المقدس لأنني تزوجته وهو العبقري الذي صال وجال بخاطره حتي استحوذ علي ميراث أشقائه واستسلمت لتهديداته.. فقد رحل والداي عن الحياة ولم يعد لي سند أو رفيق وهمست حماتي في أذني بأن أتلفح بالصبر وأن السماء سوف تقتص منه وبرأتني أمام أبنائها وأحفادها من الجريمة, التي ارتكبها ذلك الطماع ولملمت أشلائي وفي أجولة الذاكرة دسستها وقررت أن أتخطي كل مراحل الاحباط والتكسر والانهيار وأعيش من أجل أبنائي فقط. مرت السنون سيدي القاضي, وفتكت الحسرة بحماتي وطرق ملك الموت بابها وبعدها فوجئت بذلك الأناني وقد قرر بيع الفيلا التي كتبها بالتزوير لأبنائه لتاجر ثري بالاسكندرية, مستخدما حقه في الوصاية علي أبنائه ولكونه الوصي من حقه التصرف في أملاكهم, وفي تلك اللحظة تيقنت أنه جاء وقت الحساب ولابد أن أجرعه من نفس الكأس الذي جرعه لاشقائه وأمه وأقمت الدعوي سيدي لسلب ولايته علي أبنائه وتعييني وصية عليهم, لأنه لم يعد أمينا علي أموالهم.. وبعد تيقن المحكمة من أن الأب غير أمين علي أموال أبنائه القصر قضت برئاسة المستشار محمود خليل بسلب ولايته علي أبنائه واسناد الولاية لأمهم.