لحظة قلقة في عمر الوطن.. لحظة ضبابية.. لحظة تحمل خليطا من الانقسام والترقب والترصد, والخوف والأمل, والصدام والحشد, والرفض والقبول, والصراع والتأييد.. لحظة غليان. اليوم يتجه الشعب المصري الي صناديق الاستفتاء اما ل نعم للدستور أو لا للدستور ولا أحد يعلم أو يتوقع ما الذي ستحمله الأيام القادمة. في طريقي الي الدكتور أحمد فهمي رئيس المجلس النيابي الوحيد القائم في البلاد رئيس مجلس حكماء الأمة مجلس الشوري لم أصل اليه بسهولة, فمعظم الطرق مغلقة بالأسلاك الشائكة.. مسدودة بالحوائط الخرسانية.. ومشيدة بالموانع والحواجز.. التي تزداد يوما بعد يوم. د. أحمد فهمي يملك السلطة والقرار فهو علي رأس المجلس الذي يملك التشريع ويملك إدارة الصحف القومية وأنا بدوري أملك قلمي وحيرتي.. ذهبت اليه أحمل أسئلة كثيرة.. وأردد بداخلي بيت الشعر المقهور الذي يقول كل يوم في حبك تزيد الممنوعات وكل يوم باحبك أكتر من اللي فات. .. وبدأ الحوار ولم تنته الأسئلة: اللحظة التي تعيشها مصر الآن تدعو الي القلق, هكذا وصف الاستاذ هيكل اللحظة الراهنة ووصفها أيضا ب لحظة ديسمبر الخطيرة ما رأيك؟ رغم صعوبة المشهد, إلا أنني أراه مشهدا طبيعيا في البلاد التي تمر بالتحولات الثورية, وهذا أمر طبيعي في كل البلدان التي تندلع بها الثورات. ولا شك أن المرحلة الانتقالية التي نمر بها شديدة وصعبة. ولكنها معقولة وأبسط من بلاد اخري.. وكل ولادة جديدة لابد أن تمر بلحظة مخاض عسيرة. الوطن يمر بلحظة تغيير نظام كامل سابق كان يحمل درجة عالية جدا من الفساد والافساد.. ونريد أن ننتقل الي نظام ديمقراطي كامل وهناك مقاومة عالية لهذا التغيير من أنصار النظام السابق الفاسد ومن طبيعة الأمور الا تستقر البلدان بعد اندلاع الثورات الا بعد وقت طويل. ما موقف مجلس الشوري المالك للصحف القومية من استهداف الصحفيين بالقتل في الآونة الأخيرة.. كما حدث مع الصحفي الحسيني أبوضيف الأسبوع الماضي؟ بداية أقدم واجب العزاء لأسرة الصحفي الحسيني أبوضيف هو وكل شهداء الثورة, ورأيي انه لا يوجد استهداف خاص للصحفيين.. فالشهداء والمصابون من كل الأطراف والاتجاهات.. والوضع الآن شديد الالتباس مما يساعد علي انقضاض أعداء الثورة في قلب الحياة السياسية لإشعال الفتنة. وفي رأيي جميع التيارات السياسية قدمت شهداء لهذه الثورة ودماء الشهداء كانت ثمنا غاليا لانتقال المجتمع المصري من مجتمع يحكمه ديكتاتور الي مجتمع ديمقراطي, لا يوجد استهداف لفئة معينة لكن في رأيي الكل مستهدف من بقايا النظام السابق الذين يريدون اعادة الثورة الي الخلف والذين يعملون علي اجهاض الثورة واحلامها. وما موقف مجلس الشوري أيضا مما يحدث من حصار لمدينة الانتاج الاعلامي بواسطة السلفيين وانتم المجلس النيابي الوحيد الذي يعبر عن ارادة الشعب, لماذا الصمت علي استهداف الاعلاميين, كيف تقيم هذا المشهد؟ أعلن رأيي كممثل للشعب.. أنا مع أن حق التظاهر مكفول للجميع بشرط ألا يضر بمؤسسات الدولة ولا يقف التظاهر عائقا أمام ممارسات الدولة دورها الطبيعي. وإذا كان حق التظاهر مكفولا للجميع فهذا بشرط ألا يضر بمصالح المواطنين لانه إذا أضر بمؤسسات الدولة وأرواح المواطنين يصبح تعديا علي حق المجتمع نفسه. وأرجو من جميع القوي السياسية في المجتمع الا تعطل مؤسسات الدولة عن أداء عملها.. لأن هذا يضر بمصلحة البلاد ككل.. وأنا أستنكر هذا الحصار. حصن الرئيس مرسي مجلس الشوري في الإعلان الدستوري الذي آثار جدلا ثم رفع التحصين عن المجلس في الاعلان الدستوري الجديد, فكيف تنظرون الي مستقبل مجلس الشوري. مستقبل المجلس مرهون باقرار الدستور الجديد فإذا الشعب قال نعم للدستور الجديد, فكما هو معروف هناك اختصاصات جديدة اضيفت لمجلس الشوري منها الاختصاصات التشريعية ومنها الموافقة علي تعيين رؤساء الأجهزة السيادية والرقابية, وأيضا يحمل مجلس الشوري مسئولية التشريع في الفترة التي تسبق فترة انتخاب مجلس النواب. فإذا أقر هذا الدستور من الشعب فستنتقل مسئولية التشريع ككل الي مجلس الشوري حتي يتم انتخاب مجلس نواب جديد. ويبدأ بعد ذلك انتخاب مجلس شوري جديد آخر في خلال عام منذ بداية الموافقة علي الدستور, في هذه الحالة سيمارس مجلس الشوري الجديد اختصاصاته المنصوص عليها في الدستور باعتباره شريكا في التشريع بمشاركة كاملة ويأخذ اختصاصات الموافقة علي تعيين واقالة رؤساء الأجهزة السيادية والرقابية. كيف تقيم أداء مجلس الشوري في الشهور الماضية في رأيك. ما هي النجاحات والاخفاقات أيضا؟ مجلس الشوري في الفترة الماضية قام بجهد كبير جدا في دراسة مشكلات كبري في المجتمع ووضع لهذه المشكلات تقارير دقيقة تزيد علي عشرين تقريرا منها التقارير الخاصة بالقروض والمنح الأجنبية والتمويل الأجنبي, وقد تم تحويل هذا التقرير الي قضية تمويل بعض الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني من الخارج, وأيضا قدمنا تقارير هامة بقضية تعمير سيناء والساحل الشمالي, والنقل والمواصلات, مشكلات الزراعة ومشكلات الثروة المعدنية وما يدور حولها. تقارير تم دراستها بعناية واشتركت فيها كل القوي المؤثرة, الحكومة والمجتمع المدني وذلك من خلال جلسات استماع. هذا بالاضافة الي متابعة اداء الحكومة بالاسئلة والاقتراحات.. وهذا في غيبة مجلس الشعب وهذا كان دورا اضافيا لدور المجلس.. وهذا لتشعر الحكومة ان هناك من يتابع أعمالها من الشعب كمجلس منتخب. وكانت هذه الفترة نحو تسعة أشهر, واعتقد اننا بذلنا جهدا غير عادي, رغم ان صلاحيات المجلس قد قلصت في الاعلان الدستوري الصادر2011, لكن المجلس أدي ما استطاع في ضوء صلاحياته. وفي النهاية ننتظر التقييم من الشعب. لماذا لم يناقش مجلس الشوري القرارات الخاصة برفع الضرائب علي السلع قبل تعليق جلساته؟ هذا القرار تم الغاؤه بعد صدوره بساعات ولم يكن هناك مجال لمناقشته. فسر أحد خبراء شئون الشرق الأوسط دان برومبرم بمعهد الولاياتالمتحدةالأمريكية للسلام: أن مسودة الدستور تتضمن حرية التعبير لكن لا تضمن الحرية بعد التعبير ما رأيك؟ هناك آراء كثيرة سيتم الادلاء بها بدون دراسة أو قراءة متأنية, وأنا في رأيي أن هذا الدستور تم الاعداد له في مدة تزيد علي ستة أشهر ومشروع الدستور متاح للجميع ورأيي ان هذا الرأي مغلوط. هناك أزمة حادة بين المصريين وهي تقسيم الشعب الي فريقين الأول هو مصر التحرير والفريق الثاني هو مصر رابعة العدوية هل يمكن ان تعود مصر الي مصر التحرير مرة أخري, أم انه أصبح أمرا بعيد المنال؟ ما حدث في ثورة25 يناير كان أمرا عظيما ومثاليا وكان الهدف الأول هو القضاء علي نظام فاسد وكنا جميعا نبحث عن تحقيق حلم العيش والحرية والعدالة.. وكنا نجري وراء هذا الأمل. المشهد الآن لا اراه كما تشاهدنيه لا اسميه انقساما, انما اسميه رأيا مؤيدا ورأيا آخر معارضا.. وهذا الأمر موجود في كل بلاد العالم, والخطورة لا تتمثل في فريق التأييد أو في الفريق المعارض. الخطورة تتمثل في استعمال العنف بكل أشكاله اللفظي والجسدي. وأنا أعتبر كل رأي سواء كان معارضا أو مؤيدا فهذا رأي وطني مخلص.. لا أشكك في اخلاصه أو في وطنيته لكن أشكك في وطنية من يلجأ للعنف والتخريب والتحريض في ابداء رأيه.. ولا توجد ديمقراطية في العالم تقر مبدأ العنف والايذاء والتخريب. واليوم مع بداية الاستفتاء علي الدستور, الشعب المصري هو صاحب القرار.. لو أغلبية المصريين صوتوا بلا فهذا حقهم وإذا صوتوا بنعم فهذا حقهم أيضا بشرط أن نترك لهم الحرية الكاملة والضمانات الكافية حتي يعبر كل مواطن عن رأيه بحرية وانطلاق وهذه هي الديمقراطية وهذه هي قواعدها. هناك اتهام موجه للصحف القومية بأن سياستها تتجه إلي تأييد الإخوان المسلمين والتيار الديني علي حساب التيارات الأخري بسبب ملكيتها لمجلس الشوري, ماتعليقكم؟ هذا كلام بعيد عن الحقيقة ومجلس الشوري لا علاقة له بهذا الأمر ولم يحدث ابدا ان اتصل أحد من مجلس الشوري ليفرض رأيا أو خبر علي أي رئيس تحرير لأي صحيفة قومية ولم يحدث أي تدخل من المجلس علي السياسة التحريرية لأي جريدة. وإذا افترضنا أن رؤساء تحرير الصحف القومية موالون لمجلس الشوري وهذا غير صحيح هل باقي صحفيي المؤسسات القومية موالون أيضا لمجلس الشوري!! علي الجانب الآخر إذا نظرنا إلي الجرائد القومية سنجد أن هذه الجرائد هي تابعة لمجلس الشوري تهاجم باستمرار وتنتقد باستمرار مثلها مثل الجرائد المستقلة والحزبية. وعموما هذا الأمر إلي زوال وسيتم تغيير وضع الصحف والإعلام في الدستور الجديد وستنتقل التبعية إلي مجلس وطني للإعلام وسيتخفف مجلس الشوري من عبء تحمل هذه المسئولية الكبيرة. في حال إذا حكمت المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشوري كيف ستسير الأمور؟ إذا تم الاستفتاء علي الدستور بنعم فسيكون مجلس الشوري بحكم الدستور محصنا. إما إذا استفتي الشعب علي الدستور ب لا وحكمت المحكمة الدستورية العليا بحل المجلس فسنحترم حكم المحكمة بلا جدال وننفذ الحكم. كيف تري المواد الخاصة بحرية الإعلام والصحافة في الدستور الجديد؟ أنا شخصيا ومن خلال قراءتي للدستور راض تماما.. فهذا الدستور منح الحق في إصدار الصحف بمجرد الأخطار, وهذا لم يكن موجودا من قبل.. وأيضا منح للصحفي حريته في أن يحصل علي مايريد من معلومات ولايجوز لمصدر أو مسئول أن يحجب المعلومات.. وأيضا حرية الرأي مكفولة للجميع وحفظ الكرامة الإنسانية. ولكن هناك مواد في الدستور مقيدة للحريات وتسمح بجواز تعطيل الصحف وإغلاقها وتقلل من سقف الحريات والحقوق؟ في الفصل الثاني باب الحقوق المدنية السيادية المادة48 تنص علي أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة وتؤدي رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام في تكوينه وتوجيهه في إطار المقومات الاساسية للدولة والمجتمع والحفاظ علي الحقوق والحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومي ويحظر وقفها أو إغلاقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائي. والرقابة أيضا علي ماتنشره وسائل الإعلام محظورة ويجوز استثناء ان تفرض عليها رقابة محددة في زمن الحرب أو التعبئة العامة. والمادة49 تنص علي أن حرية اصدار الصحف فتملكها بجميع أنواعها مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصري طبيعي أو اعتباري.. وينظم القانون إنشاء محطات البث الإذاعي والتليفزيوني ووسائل الإعلام الرقمي. في الآونة الأخيرة أصبح إصدار القرارات والتراجع عنها أمرا متكررا وهذا التراجع يعرض هيبة الدولة كدولة إلي الاهتزاز كيف تري الأمر؟ ما زالنا نمر بمرحلة انتقالية صعبة وأعتقد أن هذه هي طبيعة المرحلة واعتبر العدول أو إلغاء بعض القرارات بعد الصدور ظاهرة صحية. لأن الشارع المصري يموج بآراء متعددة ومختلفة ومن الصعوبة ارضاء كل الأطراف. غالبية رجال الأعمال يحجمون عن العمل وعن بدء مشروعات جديدة بسبب الأوضاع غير المستقرة والاضطرابات المستمرة.. في رأيك متي يعود الاستقرار؟ التهويل ليس في مصلحة المجتمع.. قد يكون هناك بعض المشاكل, ولكن لانستطيع القول إن الصورة مظلمة.. لا أحد يستطيع انكار عودة الأمن إلي الشارع المصري بشكل كبير. وأحب أن أوضح نقطة لايتذكرها أحد أن مصر كانت تعاني مشاكل معقدة ومركبة طوال السنوات الماضية ولم تكن الأمور مستقرة ووردية قبل ثورة يناير. نعم لدينا مشاكل مجتمعية كثيرة.. والمطالب الفئوية والاضطرابات والاعتصامات مازالت مستمرة وهي تعطل عجلة الإنتاج.. ورأس المال يحتاج إلي كثير من الاستقرار. وعلينا جميعا ان نسعي إلي التكاتف للعبور من هذه الأزمة لكي تنهض البلاد لذلك أنا أري ان إقرار الدستور سيؤدي بنا إلي عبور هذه المرحلة واستقرار الوطن. أيضا هذا الدستور ليس قرآنا كريما.. هو عبارة عن عقد اجتماعي قابل للتعديل في أي وقت, إذا كانت هناك مواد تحتاج إلي تعديل, والدستور نفسه يتضمن آلية التعديل وجميع الدول التي لها دساتير اجرت تعديلات. ومن المستحيل ان يجمع شعب بأكمله علي كلمة واحدة لابد من الاختلاف وهذا الاختلاف من طبائع البشر والحياة, ولكن إذا كانت الأغلبية موافقة فيجب ان تسير الأمور, وإذا كان هناك بعض التحفظات وقد تكون موجودة بالفعل.. فعلينا الموافقة وفي النهاية مشروع الدستور هذا الذي نصوت عليه اليوم هو عمل بشري وليس عملا إلهيا, قابل للصواب والخطأ, ومعظم مواده أو اغلبها ترضي اغلب فئات المجتمع. هل أنت معأم ضد التصالح مع رجال الأعمال والمسئولين بطرة من أجل عودة الأموال المنهوبة إلي خزانة الدولة؟ اؤيد التصالح مع من لم يتعمد الفساد والإفساد وانزلق في الفساد والخطأ بسبب القوانين التي كانت تحكم البلاد.. لكن إذا كان هؤلاء تسببوا في الاضرار بمصالح المجتمع فلا تصالح. هناك تيار كبير يري أن حزب الحرية والعدالة اخفق في إدارة شئون البلاد.. إلي أي مدي تري ذلك؟ أولا حزب الحرية والعدالة لايدير البلاد, نعم رئيس الدولة ينتمي إلي الحزب, لكن هناك حكومة لاتنتمي لحزب الحرية والعدالة, فبعض أعضاء الحكومة ينتمون للحزب والبعض الآخر له اتجاهات سياسية أخري. ولا أحد يستطيع ان ينكر أن المرحلة صعبة ومشاكلها كثيرة ومتراكمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. وهذا ارث من النظام السابق.. وهذه المشاكل لايمكن حلها في بضعة أشهر. وأنا اعترض علي القول بأن حزب الحرية والعدالة هو الذي يحكم فهذه كلمة غير دقيقة واسأل من الذي يتحكم في مفاصل الدولة المصرية هل حزب الحرية والعدالة؟ أعلن البنك المركزي أن أرصدة الاحتياطي من النقد الأجنبي انخفض إلي15 مليار دولار وبذلك نكون قد وصلنا إلي دائرة الخطر التي يحددها الخبراء بتغطية3 أشهر من الواردات السلعية للبلاد هذا مع التراجع لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار ما العمل للخروج من هذا النفق الخطر؟ علينا جميعا ان نقلل من مدة المرحلة الانتقالية بمشاكلها المتراكمة وعلينا ان ننتبه إلي الصعود بهذا الوطن. وهذا لن يتم إلا باخلاص النية واعلاء روح الوطنية وترك المشاحنات والاحتجاجات التي ستؤدي بنا إلي التهلكة.