منذ أن دخل الاسلام الي مصر, وطوال أربعة عشر قرنا وعشق الحبيب صلي الله عليه وسلم يتربع في قلوب خير أجناد الأرض أهل هذه البلدة الطيبة والتربة الطاهرة . وطوال هذه المدة احتضنت أفئدة المصريين وعقولهم حبا جارفا وشوقا فياضا لسيد ولد آدم محمد صلي الله عليه وسلم. وتبنت أرض الكنانة الإمام الشافعي, والإمام الشاطبي, والإمام السيوطي, والليث بن سعد, وأبو العباس المرسي, والبوصيري, وابن الفارض, وابن عطاء السكندري وغيرهم من علماء الشريعة الذين غرسوا فسائل حب ريحانة الدنيا وطيب الآخرة المصطفي المختار في شرايين هذا الشعب المؤمن, فأثمرت هذه الغراس الطاهرة أشجارا طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها في أرض مصرنا الحبيبة. ماأروع البوصيري حين يقول: محمد ذكره روح لأنفسنا محمد شكره فرض علي الأمم محمد زينة الدنيا وبهجتها محمد جاره والله لم يضم وعلي الرغم من هذا الحب الجارف إلا ان مجريات الأمور لم تسر علي ماكانت تسير عليه من قبل في هدوء وسكينة. فقد شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين موجات عاتية من التشكيك في نبوة رسول السلام والمحبة والأخوة الإنسانية, وبدأنا نري ونسمع عن أفلام تنتج ومقالات تكتب تسخر أشد السخرية من رسالة المعصوم صلي الله عليه وسلم, وترميها بأقبح أشكال الأباطيل وأشنع ألوان المفتريات, وقد أحزنتنا جميعا كل هذه الافتراءات, وأرقت مضاجعنا, وأدمت قلوبنا. ولكن السؤال الذي ينبغي علي كل واحد منا أن يطرحه علي نفسه بصدق وتجرد هو: وماذا بعد فورة الغضب هذه ونوبات الضيق والضجر تلك ؟ أهي ثورة غضب وقتية سرعان ماتنقضي وتنتهي بعد حين طال أم قصر ؟ إن الأمر الذي لا مراء فيه هو ان سيد الثقلين صلي الله عليه وسلم يستحق منا أكثر من مجرد هذه المشاعر الفياضة الآنية, إنه يستحق جهدا دءوبا وعملا مستمرا مؤثرا للتعريف به, ويكرم أخلاقه, ويحسن معاملاته, وبعظمة نبله, وصدق رسالته صلي الله عليه وسلم. فهل فكرنا كدول ومؤسسات كيف نعرف العالم بأرحم من مشي علي وجه الأرض ؟ إننا نشكو دائما من سهام الحقد التي وجهت وتوجه الي المبعوث رحمة للعالمين صلي الله عليه وسلم. وهذا أمر جميل, ولكن ماذا فعلنا لكي نقدم لهذا العالم هذا النور المتلالئ الذي قال عنه رب العزة قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ؟ إننا نحتاج الي أن نخاطب العالم بلغته التي يفهمها. إننا نحتاج الي أن ببصر أخوتنا في الإنسانية بعظمة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وفق منهج علمي مدروس. والسؤال الذي يتبادر إلي الأذهان حينئذ: وكيف ذلك ؟ إن مستقبل هذا الكوكب خلال الخمسين سنة القادمة سوف تشكله بدرجات متفاوتة في القوة ست دول هي: الصين وأمريكا واليابان وألمانيا وانجلترا وفرنسا. فكيف لنا أن نعرف أكبر عدد ممكن من سكان هذه الدول الست بعظمة سيد البشرية ومنقذ الإنسانية صلي الله عليه وسلم؟ وفكرة عام الحبيب تقوم علي تخصيص عام2010 لتعريف المثقفين وأساتذة الجامعات وزعماء الأحزاب الرئيسية في هذه الدول الست بنبي الرحمة محمد صلي الله عليه وسلم, وذلك من خلال عقد ندوات فكرية في أهم المدن وأبرز الجامعات في تلك الدول لاستعراض سيرته العطرة وتعريف العالمين بها. ولكي يحقق هذا الاقتراح النجاح المرجو فلابد من توافر شروط أساسية. وأول هذه الشروط أن تكون هذه المحاضرات مصحوبة بترجمة فورية للغة أهل البلاد التي يتم زيارتها. وثانيها أن تقدم في نهاية هذه الندوات كتب مترجمة الي اللغات الانجليزية والصينية والألمانية والفرنسية واليابانية الي السادة الحضور من أهل الفكر والثقافة والسياسة في تلك الدول. وثالثها أن يتم الإعداد الجيد لها بحيث تخرج هذه الندوات في صورة مبهرة للحاضرين ومشرفة للمنظمين. ورابعها أن تجوب هذه الندوات أكبر5 مدن في كل دولة من الدول الست. وخامسها أن تستمر هذه الندوات شهرين علي الأقل في كل دولة, بواقع12 يوما في كل مدينة من المدن الخمس. إنني لا أتحدث عن ندوة يتيمة تستغرق بضع سويعات ثم تنفض, وإنما أتحدث عن تظاهرة فكرية وثقافية تليق بجلال وعظمة المعصوم صلي الله عليه وسلم. ويمكن من الآن تكليف بعض أساتذة اللغات الأجنبية في كليات الآداب والألسن والتربية بترجمة كتاب مثل فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي الي اللغات الانجليزية والصينية والفرنسية والألمانية واليابانية. وإذا صدقت النوايا وخلصت لوجه الله فلن تستغرق ترجمة هذا الكتاب من قبل6 أساتذة في كل لغة من اللغات الست أكثر من شهرين. وكل ما علي هؤلاء الأساتذة هو أن يترجموا4 صفحات يوميا فقط عن سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم. فهل هذا كثير علي رسول الله ؟. وإذا أضفنا شهرين آخرين للمراجعة والطباعة فإن هذا يعني أنه بإمكاننا ترجمة وطباعة كتاب عن سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم في مدة زمنية لا تتجاوز أربعة أشهر. وإذا قمنا بترجمة كتاب واحد علي الأقل عن الرسول صلي الله عليه وسلم الي اللغة اليابانية مثلا فسوف يكون عندنا عشرة كتب بعد عشر سنوات. ألا يستحق رسول الله منا أن نخصص لنشر سيرته كتابا واحدا مترجما في العام ؟. كم أحلم برحلة تضم خبرة علمائنا من الأزهر الشريف ودار الإفتاء يجوبون مدن أوساكا وكيوتو وطوكيو وناجازاكي وسابورو في اليابان! ويمكثون12 يوما متصلة في كل مدينة, بحيث ينظمون12 محاضرة مختلفة عن الجوانب المتعددة لسيرة النبي العدنان صلي الله عليه وسلم في المدينة الواحدة, علي أن تكون هذه المحاضرات في جامعات مختلفة وفي قاعات أنيقة مصحوبة بترجمة فورية. هل تكليف4 من علماء الأزهر الشريف و4 من أساتذة اللغة اليابانية بالسفر لمدة شهرين الي اليابان لتعريف الشعب الياباني العظيم برسالته صلي الله عليه وسلم أمر صعب المنال ؟ ألا يستحق خير البرية أن نكلف4 من علماء الأزهر الشريف و4 من أساتذة اللغة الألمانية لكي يعرفوا الشعب الألماني بعظمة رسالته ونبل مقاصدها ؟ إن كل مانحتاجه هو24 عالما من علماء الأزهر الشريف ودار الإفتاء و4 أساتذة من كل لغة من هذه اللغات الست. فهل تكليف24 عالما أزهريا و24 استاذا من أساتذة اللغات الأجنبية أمر معجز علي مصر قلب الإسلام النابض ؟ ألا يستحق النبي صلي الله عليه وسلم تكليف هذا العدد البسيط من العلماء والأساتذة ليقضوا شهرين في كل دولة من الدول الست ينشرون أريج سيرته العطرة, ويضيئون هذه الدنيا المدلهمة بنور كفاحه الميمون ؟. إنني من منبر هذه الجريدة الغراء أوجه ندائي الي المخلصين الذين يحبون رسول الله صلي الله عليه وسلم في حصن الاسلام المنبع الأزهر الشريف وفي دار الإفتاء إلي تبني فكرة تخصيص عام2010 ليكون هو عام الحبيب والتعريف بالنبي النجيب صلي الله عليه وسلم في هذه الدول الست. تري هل يتحقق الحلم ؟ يسألونك متي هو ؟ قل عسي أن يكون قريبا.