لن تتبخر ثورتنا بنيران الفتنة التي تشعلها وتنفخ فيها الرأسمالية المباركية النهبوية الآثمة. الأيام القليلة الماضية نبهتنا إلي ما يحاك لنا. فالثوار لا يمكن أن يقتل بعضهم بعضا. الذين استخدموا السنج والسيوف والمولوتوف, والخرطوش والرصاص الحي, فقتلوا ثمانية من الثوار الخميس الماضي, أعداء صرحاء أو بالغفلة لمصر الحاضر والمستقبل. تبرأنا جميعا من العنف, نحن اليمين واليسار والناصريين والإسلاميين والمسيحيين. لن تخدعنا منظمات حقوقية أجنبية بعضها لا يعدو كونه حصان طروادة. ولن تفرقنا مؤامرات القوي الخارجية المذعورة من ثورتنا. ولن يتغلب علينا مكر وخبث الصهيونية العالمية المتخفية وراء بعض المخالب الدبلوماسية والإعلامية. وهذا الوطن العظيم المحروس ربانيا يتسع للجميع: الفصائل المصرية الأصيلة المعبرة عن الهوية الإيمانية والعروبية, وتلك اليسارية المتجذرة في تاريخنا المعاصر. سنتلاقي ونتحاور ونتفق ثم ننهض ونبني ونسترد دورنا ورسالتنا في المنطقة وفي العالم. الخراب الذي أوصلنا إليه النظام الإجرامي البائد أثقل من أن يتصدي له فصيل واحد. السلطة في هذه الظروف ليست مغنما نتقاتل عليه. لن يستطيع نظام مرسي ولا الإخوان, لو أرادوا, أن ينفردوا بالسلطة. أنا متأكد مائة بالمائة أنهم لا يطمحون إلي هذا حاضرا ولا مستقبلا. مفهوم السلطة والمسئولية عند الإسلاميين يختلف عنه عند غيرهم. إنها ليست كعكة دسمة ولا بسطا حمراء ولا مصدرا للثروة والمكانة الاجتماعية. السلطة عند من يفهمون دينهم ومن بينهم الإخوان والسلفيون, ابتلاء أكثر ألما من السجون والاعتقالات والتعذيب ومصادرة الأموال والثروات. لن يقبل الشعب المصري بعد الثورة بغير التناوب علي السلطة عبر الانتخابات النزيهة والتعددية الحزبية والإعلام الحر. كل من يتمني شرف خدمة مصر عبر سدة الحكم يمكنه ذلك بالجهد والاجتهاد والابتكار والبرامج التنموية. دعونا ننبذ العنف والشكوك والهواجس تجاه بعضنا بعضا. هل نتذكر تنازل حزب البناء والتنمية عن عدد من أعضائه في تأسيسية الدستور؟. لماذا لا نتفق من اليوم علي ائتلاف غير حكومي يضم أكبر عدد من الأحزاب بغرض التصدي معا للأمية باعتبارها وباء وعارا علينا كمصريين. هل ينكر أحد أن مسودة الدستور أنضجتها كوكبة من رجالات مصر صهرتها نيران الثورة؟. من تعتمل داخلهم حمية الثوار من حقهم أن يعترضوا ويحشدوا كي يقولوا لا في الاستفتاء القادم. لا ننكر أن هناك غيرة وهواجس وفقدان ثقة بين فرقاء الوطن. لابد أن يتعلم الجميع كيف يتناسوا جراح ستين سنة. من ساموا الإسلاميين عذابات السجون وأعواد المشانق مضوا إلي العالم الآخر. ورثة التجربة الناصرية ومن لا يزالون يعتنقون الفكر الاشتراكي, إخوة وأصدقاء وزملاء وجيران وأصهار للإسلاميين. لن يجبر طرف الطرف الآخر علي الهجرة من هذا الوطن الذي يعيش فينا. مضي زمن الإقصاء إلي غير رجعة. الذين اكتووا منه لا يمكن أن يكرروه بعدما تعلمنا الدرس جميعا. نحفظ جميعا عن ظهر قلب المثل السائل: من علمك الحكمة؟ قال رأس الذئب الطائر. الغشاوة علي عيون وقلوب بعض الإعلاميين والساسة قصار النظر وفاقدي البوصلة لن تستمر طويلا. أمواج الثوار الهادرة في الشوارع برغم الاختلافات ستضع حدا للاختراق الذي نجح فيه الفلول والذيول. شعارنا الذي يجب تفرضه دماء وأرواح الشهداء لابد أن يكون: الثورة لن تأكل نفسها. علي الثوار أن يضعوا أياديهم في أيادي بعض لحماية الثورة من أعداء الداخل والخارج. المزيد من مقالات حازم غراب