ما حكم انتحال الحقوق الفكرية أو التعدي عليها,حيث إننا نمتلك مصنفا دينيا عن موروثنا ونخشي من ضياع حق الملكية الفكرية؟ أجاب عن هذا السؤال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية, قائلا:جاء الإسلام بحفظ المال, وجعل ذلك من المقاصد الكلية الخمسة التي قام الشرع الشريف عليها,( وهي حفظ النفس والدين والعرض والعقل والمال), وحقوق الملكية الفكرية والأدبية والفنية وبراءات الاختراع والأسماء والعلامات والتراخيص التجارية( والتي اصطلح علي تسميتها بالحقوق الذهنية) هي من الحقوق الثابتة لأصحابها شرعا وعرفا, سواء أقلنا إنها من قبيل الأموال كما هو مقتضي قول الجمهور في كون المنفعة مالا متقوما, أم قلنا إنها من قبيل المنافع التي تعد أموالا بورود العقد عليها مراعاة للمصلحة العامة كما هو رأي المتقدمين من الحنفية, وحاصل قول جمهور الفقهاء في ضابط( المال) أنه: ما له قيمة بين الناس بسبب إمكان الانتفاع به ولزم متلفه الضمان, ووافقهم علي ذلك متأخرو الحنفية. والمال في اللغة, كما قال العلامة ابن منظور المصري في لسان العرب:, كل ما ملكته من جميع الأشياء], وظاهر هذا أنه يشمل ما كان أعيانا أو منافع أو حقوقا. ولما كان الإنتاج الفكري ومثله العلامة التجارية مما يقطع بمنفعته بحيث يحصل به الاختصاص الحاجز ويجري فيه التقويم والتداول عرفا ويتخذ محلا للتعامل والمعاوضة بين الناس بسبب ظهور آلات الطباعة ووسائل النشر وتطور العصر ويثبت فيه حق المطالبة القضائية في العرف القانوني ولا معارض لذلك في الشرع, فإن هذا يجعل لمثل هذه الحقوق حكم المالية في تملك أصحابها لها واختصاصهم بها اختصاصا يحجز غيرهم عن الانتفاع بها بدون إذنهم. كما جاء الشرع بتحري الأمانة في إسناد الأقوال والجهود ونسبتها إلي أصحابها; فحرم انتحال الشخص قولا أو جهدا أو إنتاجا لغيره علي أنه هو الذي قاله, أو إسناده إلي غير من صدر منه تضييعا لحق قائله, وجعل هذا من الكذب الذي يستحق عليه صاحبه العقاب, ومن جهة أخري فقد احترم الإسلام حق الأسبقية وجعل للسابق ما ليس للمسبوق; فعن أسمر بن مضرس رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم فبايعته, فقال: امن سبق إلي ما لم يسبقه إليه مسلم فهو لهب رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة. كما أن الجهود المضنية والأموال التي قد يبذلها أصحاب الإنتاج الفكري في التوصل إلي أبحاثهم وطباعة كتبهم تجعل من التعدي عليها أكلا لحقوقهم وتضييعا لجهدهم بالباطل وإلحاقا للضرر بهم, والله تعالي يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم, النساء:29], ويقول سبحانه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون, البقرة:188]. وعلي ذلك: فحقوق التأليف والنشر ملك لأصحابها, يجري فيها ما يجري في الملك الذي هو حق خالص يختص به صاحبه: من جواز انتفاعه بها علي أي وجه من الوجوه المشروعة, ومن جواز معاوضتها بالمال إذا انتفي التدليس والغرر, ومن تحريم الانتفاع بها علي الوجه الذي يتضرر به أصحابها بغير إذنهم, ومن حرمة الاعتداء عليها بإتلافها أو إتلاف منفعتها أو تزويرها أو انتحالها زورا وكذبا;وبناء علي ذلك: فإن انتحال الحقوق الفكرية أو التعدي عليها دون إذن أصحابها أمر محرم شرعا; لأنه تضييع لحقوق الناس وأكل لأموالهم بالباطل.