من لا يري الخطر الداهم الذي يهدد البلاد والعباد فهو واهم أو مكابر, وكلاهما يحتاج إلي إفاقة أو إعاقة والإفاقة تحدث بطرق عديدة تبدأ بكلمة إستيقظ لمن يسهل يقظته بكلمة رقيقة. وآخر يحتاج إلي جرس تطول دقاته أو تقصر, وثالث قد يصب عليه قليل من الماء البارد لإفاقته. أما من يحتاج إلي إعاقة فذلك المندفع بلا حساب والذي يقدم علي عمليات مدمرة لنفسه أو لغيره, وفي مثل هذه الحالة فلابد من اتخاذ جميع الوسائل التي تمنع وقوع الكارثة التي لا يدرك من ينوي القيام بها مدي تأثير أفعاله علي نفسه أو علي الغير. من المقدمة يأتي السؤال مصر رايحة علي فين؟ هذا السؤال يطرح من داخل مصر ومن خارجها, فالعقلاء وهم كثرة يحبون مصر ويتمنون لها كل الخير, بل لا يتصورون أن يروها تنزلق إلي حرب أهلية, أي معارك بين الأهل وليس بين أعداء قريبين أو بعيدين, والحروب الأهلية أسوأ بكثير من حروب يشنها أعداء علينا, والتي فيها يعرف المحاربون من هم أعداءهم وكيف يردونهم, وعادة ما تنتهي حروب الأعداء إما انتصارا أو صلحا, أما المعارك الأهلية أي التي تقع بين الأهل فآثارها تدمي طويلا, وتترك جروحا نفسية ومادية ومعنوية تستغرق زمنا طويلا قد يتعدي عمر جيل بكامله. وعودة إلي ضرورة المعالجة ورأب الصدع وتجنب المخاطر, وهذا كله ليس سهلا, ولكنه أيضا ليس بمستحيل, ولتدارك الموقف وإصلاح ذات البين, وتقريب وجهات النظر, نحتاج إلي تحديد المسئولية, و تعيين الجهة التي تقوم بالمهمة وأسلوب المعالجة والنتائج المتوقعة إيجابا وسلبا. فالمسئولية هي مسئولية الرئيس أردنا أو لم نرد, فهو الرجل الأول الذي تولي المسئولية بإرادة شعبية من خلال صناديق الانتخاب التي شارك فيها أكثر من عشرين مليون ناخب وناخبة, ولم يحدث في تاريخ مصر أن خرج مثل هذا العدد إلي صناديق الانتخاب. فالرئيس تولي مسئوليته بإرادتنا. ولم يفرض علينا بالقوة العسكرية أو بإرادة أجنبية, وهو رئيس منا, أي من وسطنا, عاش بين إخوته وأخواته شعبيا, وليس من طبقة أرستقراطية أو من العائلة الملكية, فهو واحد منا, يعرف كل ظروفنا, وانتماؤه إلي حزب من الأحزاب السياسية أي أنه من القاعدة الشعبية, إذن فهو قائد السفينة, ومسئوليته الحفاظ علي السفينة من الغرق أو العطب أو عدم وصولها إلي بر الأمان هذا كله سيسأل عنه أمام الله أولا, وأمام شعبه ثانيا, وأمام العالم والتاريخ بلا منازع. ومهما يقال عن حجم الحزب الذي ينتمي إليه أو الفصيل الذي يملك التفوق العددي أو المادي, فبانتخابه أصبح انتماؤه إلي كل الشعب المصري بلا تفرقة, وهذه هي النتيجة الحتمية للعملية الديمقراطية. أما المسئول الثاني الذي تقع عليه مسئولية جمع شمل المجتمع, ورأب الصدع وتفادي الصراع, فهو حزبه السياسي الذي يتحمل المسئولية السياسية كحزب حاكم, ومسئولية شعبية قبل أن تكون سياسية, وعليه التهدئة قبل استعراض القدرة علي المغالبة لا سيما أنه ذاق مرارة المواجهة مع الأنظمة السابقة, فمنهم من قضي سنوات بالسجون والمعتقلات, بل منهم من دفع حياته دفاعا عن الرأي والعقيدة, ومن عاني الظلم والقهر أدري بهما و باستطاعته أن يجنب غيره المصير نفسه لا سيما أن هذا الغير هم إخوة له وشركاء في الوطن وفي المصير. والمسئول الثالث هم الآخرون, والمقصود بالآخرين هم باقي أطياف المصريين وعليهم أن يلتقوا المخالفين أو المغايرين لهم في وسط الطريق, ونقطة اللقاء تحتاج إلي القليل من التنازل والكثير من ضبط النفس والاستعداد لتفهم وجهة النظر الأخري, فالعناد والاستبداد يمثلان الحائل المانع للوصول إلي نقطة اللقاء, فمن أجل مصر وأطفالها قبل كبارها, وعمالها وفلاحيها قبل نخبتها السياسية, وكفانا شعارات نارية وألفاظا نابية وأساليب غير لائقة. كما تقع المسئولية علي الساسة والمفكرين ورجال القضاء ورؤساء وقادة الأحزاب, وجميعهم مطالبون بخلع الانتماءات الحزبية والعناوين الكبيرة والمسميات الخطيرة, وليرفعوا جميعا علم مصر وشعار وحدة مصر وعدم قابليتها للانقسام. من أجل الهدف الواحد علينا أن نتحاور معا بلا أجندات خاصة بل ما نتوافق عليه لابد أن نلتزم, به فتأجيل الاستفتاء إن كان فيه راحة للجميع فليكن ولا يقلل من شان أي فصيل التنازل من اجل التوافق وإعادة النظر في اي من القرارات أو الإعلانات من اجل وحدة كل المصريين, فقليل من الاتضاع من اجل الارتفاع الحقيقي الذي يجمع شملنا ويحقق مصالحتنا لن يغير من كرامته اي فصيل, فكراته مصر هي كرامة الرئيس والمرءوس علي حد سواء. أما ندائي الأخير فهو إلي رجال القضاء, وهم قامة وقيمة, وأي مساس بكرامتهم هو اعتداء علي القيمة والعدالة والهامة وما يرجي منهم هو الصمت الوقور الذي يتناسب ومكانتهم ودورهم, ولا يليق بهم أن يردوا علي أصوات الصغار, وإن أساءت فالإساءة تصيب أهلها, أي الصادرة منهم, وتبقي مكانة العقلاء والحكماء لا تمس, وبصمتكم وصبركم تبينوا الفرق بين العاقل ومن فقد صوابه ونفذ صبره وفاض بما فيه, فكل إناء بما فيه ينضح. إنها صرخة مواطن لا يبغي إلا سلام مصر وسلامة شعبها إنها صرخة لا ينتظر من ورائها نفعا إلا النفع العام ولا مصلحة لفريق دون الآخر بل ليبقي المكان والمكانة الأولي لكل المصريين ولكرامة رئيسها رمز كل المصريين. المزيد من مقالات د. القس صفوت البياضى