أثار قرار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك اعتزال العمل السياسي, وعدم خوض الانتخابات الإسرائيلية المقررة في22 يناير المقبل, ردود أفعال عديدة كان من بينها الربط بين ذلك القرار وعملية عامود السحاب. وقد اتفقت تلك الآراء مع وجهات نظر عربية, وجدت فيها مبتغاها لعدم رغبتها في مواجهة حقائق النصر والهزيمة, ورغبتها في التضخيم من حجم المكاسب علي الرغم من صعوبة قياسها علي أرض الواقع. وتستند تلك الآراء علي السياق الزمني لقرار باراك والذي جاء بعد أيام قليلة من انتهاء حرب الأيام الثمانية بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل وسريان الهدنة بين الطرفين. وتلك الآراء يمكن إجازتها فقط في حالة إخفاق باراك حقا في تلك العملية, حيث أنه ليس بالضرورة كل ما هو معلن يعد حقيقة, مثلما هو الحال في تلك الهدنة التي لا يعلم أحد كيف تم إنجازها, والتي ستحرص من خلالها واشنطن علي تضييق سبل دخول الأسلحة إلي غزة, خاصة بعد الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه حماس وغيرها من التنظيمات الموالية لإيران, حينما جاهرت بدور إيران في تلك الحرب ووجهت الشكر لها علي إمدادها بالسلاح, وهذا يؤكد صحة مبررات الهجوم علي مصنع اليرموك في الخرطوم الذي له صلة واضحة بالعدوان الأخير علي غزة. ومن ثم فإن الهدنة لم تتحقق إلا بعد انتهاء باراك من مهام تلك الحرب والتي أرادها قصيرة وخاطفة, لأن إطالتها كانت ستحمل نتائج سلبية علي الانتخابات القادمة, وبالفعل استطاعت إسرائيل التخلص من معظم مخزون المقاومة من الصواريخ كما علمت إسرائيل أقصي مدي لأهداف تلك الصواريخ, فضلا عن الخسائر البشرية, وتدمير العديد من البني التحتية. كما أن الاجتياح البري ما هو إلا حرب نفسي من أجل الضغط علي غزة وقياس أقصي ردود لفعل للشارع العربي, حيث أنه لم يكن بحاجة لتلك الخطوة الذي يعلم جيدا أنها كانت ستؤدي إلي خسائر بشرية في صفوفه( حتي ولو قلت) كما أنها كانت ستؤدي إلي تراجع ملحوظ في تأييد العديد من الأنظمة المجاورة. وبالفعل شهدت استطلاعات الرأي أرتفاعا في نسبة تأييد باراك وحزبه( الاستقلال) بعد انتهاء العملية العسكرية علي غزة, وأنه سيحصل علي4 مقاعد. فضلا عما سبق وفي حالة افتراض أن قرار باراك نتيجة هزيمة إسرائيل كما يدعي البعض فلماذا لم يقرر كل من نيتانياهو وليبرمان اعتزال العمل السياسي كما فعل باراك, حيث أن قرار الحرب ليس فرديا في إسرائيل وإنهما يشاركانه المسئولية؟! ومن ثم فإن قرار باراك كان مبنيا علي حسابات شخصية وسياسية بحتة, وإنه كان لديه النية لذلك القرار قبل خوض تلك الحرب, وذلك منذ فشل مساعيه في الإندماج مع الليكود في لائحة واحدة, بما يضمن له الفوز بمنصب وزير الدفاع في الحكومة المقبلة. ومن ثم رأي أن خوض المعترك الانتخابي سوف تلحق به الهزيمة في صناديق الاقتراع ولا يضمن له الاحتفاظ بحقيبة الدفاع, ويكون بمثابة نهاية مخزية لعمله السياسي, كما أراد أن يستفيد من التقدم في أستطلاعات الرأي الأخيرة من أجل الخروج بشكل مشرف. فضلا عن تخوفه من أن تؤدي التغييرات في الساحة الحزبية إلي إلحاق الضرر بمكانته, خاصة بعد عودة رئيسة حزب كاديما السابقة تسيبي ليفني للعمل السياسي وقرارها خوض الانتخابات المقبلة علي رأس حزب جديد يسمي' الحركة' والتي تشير استطلاعات الرأي الأخيرة أن عودتها لن تؤثر علي تكتل اليمين, بل ستؤدي إلي تفتيت الأصوات في معسكر اليسار الوسط وأن فوزها سيكون علي حساب كل من حزب كاديما برئاسة شاؤول موفاز وحزب' يوجد مستقبل' برئاسة يائير لبيد, فضلا عن حزب العمل برئاسة شيلي يحيموفتش, وبالتأكيد كان ذلك سيؤثر أيضا علي نسبة الحسم لحزب باراك اللازمة لدخول البرلمان الإسرائيلي, وهي2% من أصوات الناخبين. ومن ناحية أخري فإن باراك أستند في تلك المناورة علي قراءته الجيدة لمستجدات الوضع الأمني لإسرائيل وتحديات الربيع العربي, وثقته بأن نيتانياهو من الصعب أن يستغني عنه, وأنه سوف يقوم بتسليمه حقيبة الدفاع من خارج النطاق الحزبي, استنادا علي خبرته العسكرية. خاصة وأنه ينظر إليه بأنه كنز استراتيجي لأمن إسرائيل, فضلا عن كونه يعد حلقة الوصل مع واشنطن التي تري آراءه متناغمة مع الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالتنسيق الأمني في العديد من الملفات خاصة الملف النووي الإيراني.