مها شهبة : لكي يفهم الجميع عدو الشعب تصدر اليوم أول ترجمة لمسرحية الكاتب النرويجي الأشهر هنريك إبسن بالعامية المصرية وعن النرويجية مباشرة. للمرة الأولي أيضا. كما يبدأ عرضها اليوم علي مسرح الجمهورية. تقول المترجمة رندة الحكيم- التي شاركت في ترجمة مسرحيتين لإبسن مع زميلتها شيرين عبد الوهاب- إن عبقرية إبسن و طبيعة القضايا التي تناولها في أعماله تجعلها صالحة لكل العصور, و هذا ينطبق تحديدا علي العملين اللذين يصدران في ترجمة جديدة تجمع العامية والفصحي في مطبوعة واحدة عن دار ميريت للنشر. ولأن إبسن اهتم في أعماله المسرحية بكشف عورات المجتمع و تعرية مشاكله و تعقيداته كجراح ماهر تقول المترجمة إنها اختارت مسرحيتي بيت الدمية و عدو الشعب اللتين تمثلان قدرة إبسن علي شرح النفس البشرية وسبر أغوارها.بيت الدمية, المسرحية الرائدة التي أزاحت الستار عن وضع المرأة داخل مؤسسة الزواج, هل هي المرأة الطفلة, التي يجب ألا تهتم سوي بإدخال البهجة والسرور علي نفس زوجها ويجب أن تشغل بالها بأي شيء جدي و لا ينتظر منها أحد ذلك علي أية حال, بل أن المجتمع يقف في وجهها أن هي حاولت ذلك, أم هي المرأة التي تكتشف في نهاية المطاف أنها يجب أن تبدأ بتعليم نفسها كي تكون صالحة يوما لتربية أبنائها, و أن المعجزة ليست في أن يضحي الزوج بنفسه لينقذها مما يهددها بل أن المعجزة هي أن تكون العلاقة الزوجية بينها و بين زوجها, علاقة شراكة و مساواة و تفاهم عقلي, تلعب هي فيها دور الزوجة الأم و ليس الزوجة الدمية. أليس واقعنا الآن معبرا عن هذه الإشكالية: المرأة, و من هي وكيف يجب أن تكون و ما هي حدود دورها و مساحة حريتها في المجتمع. أما المسرحية الثانية عدو الشعب فتتناول قضايا ربما كانت أكثر الحاحا في واقعنا الحالي, حول الناس و السلطة, سلطة الحكم و سلطة المال و سلطة الصحافة. في هذا العمل, يعري إبسن النفس البشرية التي تقف علي طرفي نقيض في مجتمع بال, منافق, يضج بالزيف و الكذب و الفساد. أقلية تلعب دور البطولة, تحركها نوازع الخير و الشرف و الدفاع عن الحق و الحقيقة مهما كان الثمن و لا تأبه أو تهتم بما يحدث لها في سبيل تمسكها بما تراه في صالح المجتمع, و أغلبية زاعقة, جاهلة, مغيبة, تحركها نوازع النهم الي السلطة و المال و لو كان الثمن هو حياة المجتمع كله. في هذا النص, يكشف إبسن القناع و يضعنا أمام اختيار, ايهما نكون و في أي صف نقف؟ لهذه الأسباب كان اختيار إبسن, و هذين العملين تحديدا, ليكونا باكورة ترجمة جديدة معاصرة تلتزم تماما بالنص الأصلي الذي كتبه المؤلف في القرن قبل الماضي, العرض المسرحي ل عدو الشعب و الذي تخرجه عن نفس النص المخرجة نورا أمين يقدم في اطار جديد يتفاعل فيه الجمهور مع أبطال العرض و يشتبكون معهم في حوارات ساخنة علي خشبة المسرح. وقد رأت السفارة النرويجية في القاهرة أن يرتبط صدور الترجمة المطبوعة مع العرض المسرحي لتتكامل الرؤية والتأثير في العمل الثقافي الرئيسي الذي ترعاه لهذا العام, بالإضافة الي حلقة نقاش عن إبسن و أعماله, في المجلس الأعلي للثقافة يوم26 نوفمبر, بعد انتهاء عرض المسرحية في القاهرة. العامية في ترجمة الأعمال الكلاسيكسية العالمية غير معتادة إن لم تكن غير مسبوقة وعنها أسأل المترجمة, التي ترجع الفكرة إلي الينور كولستاد, منسقة المشروع و المسئولة عنه, التي تعرف مصر جيدا أما عن للتحديات التي واجهت المترجمتين, شيرين عبد الوهاب ورندة حكيم, فأولها كان أن اللغة العامية المصرية في الزمن الذي كتب فيه إبسن أعماله, في القرن التاسع عشر, تختلف اختلافا كبيرا في مفرداتها و تركيباتها اللغوية عن اللغة العامية التي يستخدمها المصريون حاليا.. تقول المترجمة: ناقشنا ذلك وقررنا الاحتفاظ بروح النص و اطاره التاريخي و بالتالي استخدمنا, في معظم الأحيان, المفردات و التركيبات التي كانت سائدة في هذا العصر. و كان هناك تحد آخر, ينطبق في الواقع علي العامية في المسرح أكثر منه علي العامية لو ترجمت اليها قصة روائية مثلا, و هو أن كل شخصية من الشخصيات في أي مسرحية, لها مستوي ثقافي و عقلي و اجتماعي معين يجب علي المترجم أن يجد له ما أسميناه قاموسا لغويا خاص به, له مفرداته التي تليق به و نراه يرددها في كل حواراته.