جولة مفاجئة لرئيس جامعة المنصورة بالمستشفيات والمراكز الطبية    تداول بضائع وحاويات 23 سفينة في ميناء دمياط    روسيا تواصل اتهام أوكرانيا بإرجاء تبادل جثث المقاتلين المقرر    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى تطورات الأوضاع فى غزة وليبيا    إمام عاشور: نحلم بنتائج تاريخية في كأس العالم للأندية.. وزيزو إضافة قوية للأهلي    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    مراكز شباب أسيوط تستقبل المواطنين لممارسة الرياضة فى ثالث ايام عيد الاضحى    خبراء الأرصاد يعلنون توقعاتهم حول طقس رابع أيام عيد الأضحى 2025    جهاز العاشر من رمضان ينعى السائق ضحية حريق محطة الوقود: بطل ورمز للفداء    حكيم نجم الدورة ال22 لمهرجان أوسلو للموسيقى العالمية    متحف شرم الشيخ يطلق فعاليات نشاط المدرسة الصيفية ويستقبل السائحين في ثالث أيام عيد الأضحى    ساعدني بشدة.. زيزو يتحدث عن دور والده في انتقاله إلى الأهلي    وزير الزراعة: نستعرض الخطط الاحترازية لحماية الثروة الحيوانية من الأمراض العابرة للحدود    صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتحول إلى مقابر خلال 48 ساعة    مراجعة نهائية متميزة في مادة التاريخ للثانوية العامة    ضبط عاطلين بحوزتهما حشيش ب 400 ألف جنيه    بعد تعدد حدوثها l سرقة سيارة أو توك توك تقود للقتل أحيانًا    ترامب يحظر الأقنعة في مظاهرات لوس أنجلوس    لم تحسم.. حقيقة تعاقد الزمالك مع المدافع الجزائري زين الدين بلعيد (خاص)    جرافات الاحتلال الإسرائيلي تهدم عشرات المباني السكنية في طولكرم    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    زيارة مفاجئة ل مدير الحوكمة بصحة أسيوط على عدد من المستشفيات بالمحافظة    تقديم الرعاية ل2096 مواطنًا بقريتي السرارية وجبل الطير البحرية في المنيا    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه .. اعرف التفاصيل    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    البحر هادئ.. طقس ربيعي وأجواء رائعة ثالث أيام العيد في الإسكندرية - صور    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    التأمينات الاجتماعية تواصل صرف معاشات شهر يونيو 2025    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه    تعرف على الفيلم الأقل جماهيرية بين أفلام عيد الأضحى السبت    عروض «بيت المسرح» ترفع لافتة «كامل العدد» في موسم عيد الأضحى| صور    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    بعد عيد الأضحي 2025.. موعد أول إجازة رسمية مقبلة (تفاصيل)    رومانو: عرض نهائي من تشيلسي إلى ميلان لضم مانيان    منافذ أمان تضخ لحوم بأسعار مخفضة في كافة محافظات الجمهورية (صور)    انفجار في العين.. ننشر التقرير الطبي لمدير حماية الأراضي المعتدى عليه خلال حملة بسوهاج    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد أعمال الحفائر الأثرية بعدد من المواقع الأثرية بالأقصر    تحرير 135 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    «البدوي»: دعم الرئيس السيسي للعمال حجر الأساس في خروج مصر من قوائم الملاحظات    الصحة: فحص 7 ملايين و909 آلاف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف السمع    مجلة جامعة القاهرة لعلوم الأبحاث التطبيقية «JAR» تحتل المركز السادس عالميًا (تفاصيل)    الدكتور محمد الخشت: 11 شرطا لتحول القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية    محافظة الشرقية: إزالة سور ومباني بالطوب الأبيض في مركز الحسينية    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    رونالدو ينفي اللعب في كأس العالم للأندية    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    أسعار الأسماك اليوم الأحد 8 يونيو في سوق العبور للجملة    غزة.. السودان.. ليبيا.. سوريا.. المعاناة مستمرة عيدهم فى الشتات!    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد المنعم رمضان وحنينه العاري
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 11 - 2012

لم أصل إلي نهاية ثمانينيات القرن العشرين إلا وأنا غارقة تماما في فتنة وزهو وفوقية المتنبي‏,‏ وحواري نجيب محفوظ وشخوصه الجالسة علي المقاهي أو المستندة علي ما تبقي من أسوار قاهرة الصقلي‏. كنت لا أدري ماذا أنا فاعلة بنفسي المحتشدة بالكلمات حتي اصطدمت اصطداما صاعقا ومدويا بشعراء جيل السبعينيات.. بدوا لي آنذاك أقوياء للغاية وأسطوريين يسيرون في الحياة الثقافية كما سرب أسود يزود بعضه عن بعض, وربما هذا ما جعلهم الأكثر جدارة بين كل الأجيال السابقة أو اللاحقة عليهم لحمل كلمة جيل, حتي بات من المتعارف عليه أنه بمجرد نطقها يتبادر إلي ذهننا.. جيل السبعينيات.
كان ملمح من ملامح طوباويتي قبل أن ألتقيهم فكرتي عن الشاعر وتحديدا عن الشاعر.. رأيت في أحلام يقظتي المتنبي في بردة ذهبية مرصعة بالماس, ورأيت أبا نواس في عباءة فضية وإلي جوار حصانه الأدهم يعدو عدد من المماليك, ورأيت أمير الشعراء أحمد شوقي في بزة باريسية وهو يتلو بيت شعر علي أحد الملوك, ثم رأيت عبد المنعم رمضان وكان بسيطا كحصي الأرض الطيبة وراسخا مثل حجارة الأهرامات ومشعثا مثل فارس لم يحظ أبدا باستراحة محارب.. أخذ بيدي عبر دواوينه ودون أن يدري إلي آفاق أرحب وعرفني إلي الحلاج والنفري وابن عربي وآخرين, وصار منذ اللحظة الأولي وأيضا دون أن يدري واحد من الضمائر الكبري التي ستحكم أدائي الثقافي العام ومشروعي الإبداعي, أتابع مقالاته التي لم يكتبها بقلمه الشعري الفاتن فقط بل أيضا بسيف مسلول لا يخشي في الحق لومة لائم, وكنت عندما أصافحه بشكل عابر لا أجد ما أقول إلا: والنثر فضاح الشعراء أيها الشاعر الكبير.
صدر للشاعر الكبير بحق عبد المنعم رمضان عن الهيئة المصرية العامة للكتاب أحدث دواوينه بعنوان الحنين العاري, وكان علينا أن نذبح الذبائح منذ صدوره وحتي هذه اللحظة, لكن بعيدا عن شجون المشهد الثقافي والأدبي وبعيدا عن تبرير الصمت المواكب لصدور الديوان والذي قد يعزي إلي صعوبة الكتابة عن ديوان لشاعر كبير ومحاصرة المفردات الجمالية لقصيده, بعيدا عن هذا كله وأكثر سأحاول الاحتفاء هنا بالحنين العاري, والحنين العاري ينساب في هذا الديوان مترقرقا حاملا ذروات زبده مثل شلالات كبري لا نعرف لها منبعا ولا نهتم أن نراها وهي ترتاح في مصباتها, سيبدو الحنين كأنه عار بالفعل أحيانا:
كأنك الأرض التي يسير فوقها الحمام
كأنك الظلام
كأنك الرياح
من الوراء هكذا إلي الأمام.
لكننا سرعان ما سنكتشف أننا قد خدعنا وأن الحنين كان طوال الوقت متدثرا بلآلئ شديدة الندرة والتفرد لم تر من قبل, وبرؤي الشاعر المتفجرة تمردا وثورة وعلما وثقافة ونضجا في محاصرة المجاز ونزع تقليديته وإعادة وضع تعريف جديد له يخص عبد المنعم رمضان وحده:
سوف أسحب الموسيقي
إلي الإسطبل
وأعلقها من أقدامها الخلفية
وبمشقة أحبسها.
الحنين العري والذي بلغت صفحاته مائة وسبع وثمانين صفحة من القطع الكبير وبخط يد الشاعر نفسه ليس عاريا أبدا وإنما يتدثر طوال صفحات الديوان بقاموس لغوي ثري وشديد العذوبة وجديد علي آثار عبد المنعم رمضان الشعرية السابقة, وتكاد مفردات الديوان من فرط رقتها وشفافيتها تقترب ليس فقط إلي محاصرة العالم وكتابته بل إلي وضع هذا العالم في راحة كف الشاعر, وأنا هنا أستند إلي عنوان روية جيوكندا بيلي الكون في راحة الكف, فيصبح العالم في راحة كف الشاعر كرة كريستالية تسر له بأسرارها فيهدهدها تارة ويعنفها تارة أخري ويستنطقها أطوارا:
لم يكن كافيا
أن أري حافة الأرض
ترتج ثم تفور
وتخرج منها المدينة عارية
وأصابعها العشر
مشبوكة في السماء.
لا أدري لماذا باغتتني قصيدة من قصائد الديوان بعنوان الديوان نفسه الحنين العاري! هل لأنني تمنيت أن يظل العنوان واحدا علي الغلاف ليقترب من واقعه فيصير عنوانا لقصيد شعري جديد وفادح الجمال كأنه إحدي معلقات القدامي؟! خصوصا والشاعر الكبير نفسه مدرك هذا بالطبع إدراكا لا يقبل التأويل, ففي أولي قصائده بعنوان بعد السقوط يستهل حنينه هكذا:
أتبع الحنين الذي يوقفني
قرب الهاوية
الحنين الذي مثل كل ليلة
يمتد
وهو بالفعل يمتد أيها الشاعر الكبير طوال صفحات ديوانك الآسر الفاتن, يمتد عاريا ومتدثرا في الوقت نفسه بكل ما خبرنا من جمال الشعر حتي هذه اللحظة, هذا الحنين ممتد وأنت تتبعه ونحن نتبعك بالطبع لأننا غاوون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.