هناك لغط وجدل يثار هذه الأيام حول هوية الدولة الاقتصادية والأدوار التي يجب أن تقوم بها لإنقاذ المراكب الاقتصادية من الأمواج المتلاطمة التي تعصف بها وإعادتها إلي مسارها الصحيح في سبيل الوصول إلي شاطيء التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة. ومساهمة في توضيح الأمور وازالة اللبس سأعرض هنا وفي ايجاز لما استقر عليه الرأي في الأدبيات الاقتصادية الخاصة بالنظم الرأسمالية بالأدوار الأساسية التي يجب أن تقوم بها الدولة في ذلك المجال: أولا: توفير الأطر القانونية والتشريعية: من أهم الأدوار التي تقوم بها الدولة في النظم الرأسمالية أن توفر للمتعاملين البيئة القانونية المناسبة التي تكفل حقوق الملكية وتضمن تنفيذ العقود التجارية المبرمة وتوجد جوا من الثقة في امكانية اقامة وانشاء المشروعات الاقتصادية بطريقة تحمي المستثمر وتكفل جودة المنتج وتضمن حقوق العاملين.. وحينما تقوم الدولة بدور المحكم والوسيط بين الأطراف المتنازعة فلابد لها أن تكون محايدة وأن تضع قيودا ضامنة لعدم الخلط بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة. ثانيا: محاربة الاحتكار وتعزيز القوي التنافسية: بما أن النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم علي المنافسة يعتبر أن آليات السوق الحرة هي الأكفأ والأمثل فإن الدولة يجب أن تحارب الاحتكار بجميع صوره وأشكاله وأن تعمل علي تشجيع المنتجين والموردين علي الاستجابة لتحركات الأسعار ولا تقوم بتشويه نظام الأسعار والأجور حتي تضمن الاستخدام الأمثل للموارد. ثالثا: توفير شبكات الأمان والضمان الاجتماعي: تقوم الدولة في ظل النظام الرأسمالي بتوفير شبكة ضمان اجتماعي لحماية الفقراء والمعاقين والمتعطلين عن العمل وغيرهم من الفئات محدودة الدخل والمهمشة. وغالبا ما تشتمل هذه البرامج والشبكات علي تحويل جزء من الدخل المكتسب بواسطة الفئات الغنية والقادرة إلي الطبقات الفقيرة من خلال اعانات ومساعدات( دائما وقتية ومحددة الفترة) وغالبا ما تأخذ صورة نقدية لضمان عدم تشوه هيكل الأجور والأسعار ودائما ما تكون موجهة لرفع مستوي الدخل الحقيقي أو مستوي المعيشة. رابعا: توفير السلع العامة والمستحقة: في حالات فشل آليات السوق في إمداد المجتمع ببعض السلع والخدمات بعينها( نظرا لطبيعة السلعة التي غالبا ما تجعل انتاجها بواسطة القطاع الخاص شبه مستحيل) ويطلق عليها السلع أو الخدمات العامة مثل الدفاع والأمن والقضاء علي سبيل المثال تقوم الدولة بتوفير وانتاج هذه السلع والخدمات. أما في الحالات الأخري التي لا يقوم القطاع الخاص بتوفير القدر اللازم من السلع( المستحقة) كالتعليم والصحة والمرافق فإن الدولة تقوم بسد النقص ودعم القطاع الخاص أو دعم المستهلكين أنفسهم للحصول علي القدر الكافي من هذه السلع والخدمات التي ينتج عنها نفع عام بالاضافة إلي نفعها الخاص للأفراد. خامسا: العمل علي توفير النمو والاستقرار الاقتصادي: تعمل الدولة عن طريق محاربة البطالة وارتفاع الأسعار( التضخم) علي تحقيق أعلي معدلات للنمو والتنمية الاقتصادية وكذلك الاستقرار الاقتصادي. وفي هذا تتخذ الدولة ما تراه مناسبا من السياسات المالية( الايرادات والنفقات الحكومية) أو السياسات النقدية التي عادة ما يقوم بها البنك المركزي. هذا بإيجاز دور الدولة في النظام الرأسمالي وبافتراض أن الحكومة الحالية تتبع النظام الرأسمالي وإن كان هذا ما زال يكتنفه بعض الغموض- وعلي القاريء الذي يريد الاستزادة أن يرجع إلي مقالة الكاتب الدور المتغير للدولة والأسواق والمنظمات العالمية: هل العولمة تتطلب إعادة التقييم والمنشورة في دورية هارفارد الاقتصادية بتاريخ ربيع 2010- الجزء الرابع- العدد الثاني ص: 20-.23 أستاذ الاقتصاد بجامعة ولاية أوهايو