كتبت: دينا عمارة السمكة تفسد من رأسها.. مقولة قد تبدو صحيحة إلي حد كبير إذا وقفنا قليلا وتأملنا كيف يستشري الفساد في بلد ما, ولم تكد تخلو دولة في العالم من تفشي هذه الظاهرة في ركن أو مفصل منها, إلا أن السبب الرئيسي في الغالب لانتشاره يكون إما لحصول المسئولين علي نصيب الأسد من هذا الفساد أو نتيجة لضعف الأجهزة الرقابية لدي هذه الدول لمكافحة الوباء الذي يتلاعب بمقدرات المجتمع وأرواح البشر. مؤخرا كتبت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا مطولااستعرضت فيه تفاصيل الثروة الهائلة التي تمتلكها عائلة رئيس الوزراء الصيني وين جياباو التي قدرتها الصحيفة بحوالي2.7 مليار دولار علي الاقل. ورغم ان المسؤل الصيني نفي ما نشرته الجريده واعلن عن فتح تحقيق لاثبات براءته الا ان الامر قد تحول الي فضيحة تتناقلها وسائل الاعلام العالمية فهل هي بالفعل محاولة لتشويه صورة العملاق الصيني الذي بدا يمثل خطورة علي اقتصاد الدول الكبري ام ان الجريدة تمتلك من المستندات ما يجعلها تقدم علي النشر ؟! وبمنطق من أين لهم هذا, كتبت نيويورك تايمز أن والدة رئيس الوزراء يانج زهيون البالغة من العمر90 عاما التي كانت تعمل مدرسة في شمال الصين لم تخرج فقط من الفقر وانما اصبحت ثرية ايضا! وذلك استنادا إلي استثمار تم قبل خمسة أعوام باسمها في شركة صينية للخدمات المالية وقيمته120 مليون دولار, أما شقيق رئيس الوزراء الأصغر الذي يملك شركة لمعالجة النفايات استفاد هو الآخر من عقود منحتها الدولة بقيمة تفوق30 مليون دولار, والزوجة زهانج بيلي التي قلما تظهر مع زوجها فلم يكن الإسم الذي ارتبط بها ملكة الألماس من فراغ, فقد استطاعت تكوين ثروة كبيرة من تجارتها في الأحجار الثمينة, لذلك لم يكن من المفاجئ للبعض اسلوب حياتها الترفي الذي يتناقض مع صورة جياباو كموظف عام بسيط. أما وين يونسونج النجل الوحيد لرئيس الوزراء فقد حقق نجاحا باهرا عبر بيع شركته للتكنولوجيا إلي عائلة قطب ثري في هونج كونج, ثم قام بتأسيس شركة رؤوس أموال واستثمارات أصبحت من بين أكبر الشركات في الصين, ومن بين شركائه حكومة سنغافورة, وأوردت الصحيفة أنه في الكثير من هذه الاستثمارات تلعب بعض الشركات النافذة التابعة للدولة الصينية دورا أساسيا, إذ ان قراراتها تعتمد في أغلب الأحيان علي وكالات حكومية يشرف عليها وين جياباو نفسه! وكما تعد الحياة الشخصية للمسئولين الكبار في الحزب وأقاربهم من أسرار الدولة وكذلك ممتلكاتهم وصفقاتهم, فقد سارعت الرقابة الصينية بعد نشر هذا المقال إلي حجب موقع الصحيفة من علي شبكة الإنترنت لتجنب انتشاره علي المدونات الصينية الصغيرة المعروفة باسم الويبو, متهمة الصحيفة بمحاولة التشهير بالصين للنيل من اقتصادها وعرقلتها. ورغم أن حوالي80% من هذه الأصول يمتلكها فقط أفراد من عائلة وين جياباو, وليس وين نفسه إلا أن هذا التقرير يلحق الضرر ليس فقط بالرجل الثاني في الحزب الشيوعي الحاكم وانما بالحزب نفسه الذي يشهد هذه الأيام عملية نقل القيادة للجيل الثاني والتي تتم مرة كل عشر سنوات فطلب رئيس الوزراء الصيني من الحزب فتح تحقيق معه حول أي ثروة قد تكون جمعتها عائلته, لينأي بذلك عن أي هجوم من جانب صفوف المحافظين المعروفين بشجبهم للمواقف السياسية الأكثر ليبرالية لرئيس الوزراء, فهل ينجح وين في تبييض صفحته ليخرج من الحزب مرفوع الرأس؟ تشيلاي.. أول الفضائح من نماذج الفساد السياسي أيضا عائلة رئيس الحزب الشيوعي السابق بو تشيلاي, والذي أثارت إقالته من منصبه كسكرتير اقليمي للحزب الشيوعي الصيني في أبريل الماضي فضيحة تشبه وقائعها حبكات أفلام الإثارة الهوليوودية التي تختلط فيها المؤامرات البوليسية بالتطورات الدرامية, فهو متهم بإدارة نظام للتنصت الهاتفي قد يصل حتي الرئيس الصيني نفسه هوجينتاو, كما أن زوجته متهمة بقتل رجل الاعمال البريطاني نيل هيوود' الذي كشفت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرا أنه كان مخبرا لأجهزة الاستخبارات البريطاني لأكثر من سنة وذلك عن طريق دس سم قاتل في مشروب قدمته له وذلك بسبب توتر العلاقات بينه وبين بو تشيلاي وزوجته بعد معرفة دامت حوالي10 سنوات, وأفادت تقارير أن زوجة بو استغلت منصبه للخروج من هذه القضية بالاتفاق مع4 من ضباط الشرطة بطمس الأدلة وإخفائها لتظهر القضية وكأنها موت عرضي وليس قتلا, إلا أن السلطات استطاعت كشف تلك اللعبة وقامت بالتحقيق مع الضباط الذين اعترفوا بذلك فيما بعد وحكم القضاء علي الزوجة بالإعدام مع وقف التنفيذ, كما تشير بعض التقارير إلي أن زوجة بو استطاعت تكوين ثروة طائلة من جراء منصب زوجها في الوقت الذي لم يتجاوز فيه راتبه25000 الف دولار سنويا, هذا بجانب امتلاك عائلة بو أسهما بقيمة مائة مليون دولار في الشركات الصينية بخلاف ما تملكه من أصول أخري, والآن ينعم ابنهما بالعيش في رغد الولاياتالمتحدة, حيث أكمل دراسته في الجامعات الغربية مثل اكسفورد وهارفارد. ومنذ تفجر هذه الفضيحة بات اسلوب حياة بو وعائلته وتعاملاتهم التجارية والسياسية تحت مراقبة مكثفة من وسائل الاعلام, كما استقال شقيقه من منصبه مديرا لشركة مقرها في هونج كونج. ورغم شن الحزب الشيوعي حملة دعائيه لينأي بنفسه عن الجرائم الاقتصادية التي نسبت لبو ومسئولين آخرين لكن الكثير من الصينيين يعتقدون أن الفساد ما زال مستوطنا.