جلست وقد وضعت أمامى زجاجة مليئة بمشروب كوكتيل الفواكه المثلج المنعش. وكنت منشغلا مثل غيرى بأبرز حدث فى الأسبوع وهو الإنتخابات الرئاسية بالولايات المتحدةالأمريكية. وتابعت كما تابع الجميع العملية الإنتخابية التى كانت تذاع على الهواء مباشرة عبر عدة قنوات فضائية.الجميع مبتسم وكل ناخب يبدو عليه الهدوء والثقة وهو يدلى بصوته وقد إرتدى ثيابا نظيفة أضفت عليه هالة من التفاؤل بمستقبل بلاده على الرغم من الكوارث الطبيعية والإقتصادية التى تمر بها حاليا. وباختصار كان كل شئ يسير وفق جداول زمنية وإجراءات دقيقة معدة سلفا.وبدا وأن الجميع قد تدرب على العملية الإنتخابية بشكل مكثف حتى أن المتابع لتلك الإنتخابات يظن أنه جالس لمتابعة "مهرجان" ترفيهى صاخب ضاحك مبهج منعش يبتسم ويضحك فيه الجميع ،الفائز والخاسر وذلك على خلفية موسيقى حماسية متفائلة تبعث النشاط والتفاؤل والبهجة فى نفوس الجميع بداية من المشاهد الأجنبى ووصولا إلى أصغر طفل أمريكى لم يصل بعد للسن القانونية التى تتيح له الإدلاء بصوته. وفى النهاية خرج الفائز فى الإنتخابات باراك أوباما وقد حصل على النصر الإنتخابى والدعم الجماهيرى وعلى فترة رئاسية جديدة.بينما خرج الخاسر مت رومنى "بإحترامه".فقد خرج رومنى محتفظا بحب جماهيره ولم يفقد نقوده،والأهم أعصابه وصحته.فقد ظهر رومنى مبتسما أيضا ليعلن هزيمته وأنه وبكل ذوق قدم التهنئة لمنافسه أوباما.جماهير رومنى إستقبلت الخبر بإنزعاج إستمر لدقائق معدودة تبعته نوبة بكاء من البعض (وقد ركزت الكاميرات على دموع صاحبات الوجوه الجميلة جدا)قبل أن ينخرط الجميع فى الضحك والتلويح بالأعلام الأمريكية.. فالجماهير ستذهب لبيوتها لتتابع أعمالها،والخاسر سيذهب لمتابعة مشروعاته التى سبق له وأن خطط لها فى حال الهزيمة. فالخاسر ينتظره مشروع يمارس فيه عمله الذى يكفل له حياة ليست كريمة فقط بل لائقة أيضا.هذا طبعا بخلاف الأحاديث التليفزيونية والصحفية والمحاضرات المدفوعة الأجر التى سيستضاف فيها خلال الأعوام القادمة. و بعد النتيجة لم أجد أن رومنى قد حزم حقائبه بعد الخسارة متجها إلى أى دولة من دول الخليج العربى! كما لم نجد"بوكس"شرطة فى إنتظاره ليدفع ثمن هزيمته بالسجن والإستهزاء به والمرمطة له ولأهله وأنصاره فى أنحاء البلاد.فالنظر فى نزاهة كل مرشح يتم التأكد منها "قبل" الإنتخابات وليس "بعدها"إنطلاقا من أن المرشحين سيخدمون الجماهير والوطن ولن يتخذوا من منصبهم ملاذ وستار لفسادهم. ولم نشهد زجاجات المولوتوف أومن نزل لترويع الجماهير فى الطرقات إنتقاما من الهزيمة.ولم نجد من يقطع الطرق والكبارى ويعطل المرافق العامة بحجة الإنتقام من االخاسر أو من الفائز. لم نجد أحد المتنافسين يتهم خصمه بالخيانة العظمى أو بالعمالة لأى دولة أجنبية أوبأنه من الكفار وعدو الله!! والأهم هو أننا لم نجد "أمريكى واحد" يتجرأ على مطالبة دولة أخرى مثل الصين أو روسيا أو الإتحاد الأوروبى بالتدخل فى الشئون الداخلية الإنتخابية لبلاده. وبهدوء إعترف الفائز والخاسر بوجود بعض المعوقات التى حالت دون إدلاء بعض الناخبين بأصواتهم بشكل سليم،سواء كان ذلك لأسباب طبيعية (إعصار ساندى على سبيل المثال)أو لأسباب فنية مثل إكتشاف أعطال بماكينة تسجيل أصوات الناخبين. وتم ترك الباب مفتوح أمام الجهات المختصة بتقدير الأخطاء لإتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعويض المتضرر سواء كان الناخب أو المرشح على حد سواء وذلك وفق إجراءات محكومة بقوانين محددة سلفا. وهكذا إنتهت العملية الإنتخابية وخرج الجميع من الإنتخابات ليستعدوا لإستقبال يوم جديد من العمل والإنجاز وتنفيذ الخطط والبرامج التى تكفل لوطنهم التفوق والحفاظ على القمة.إنها بالفعل عملية إنتخاب لأقوى مرشح فى العالم لقيادة أقوى دولة فى العالم. تذكرت إنتخاباتنا فى مصر وأنا أتناول أخر رشفة من المشروب المثلج المنعش قبل أن أنظر إلى الأفق فى صمت. المزيد من مقالات طارق الشيخ