نهر من الدماء الملتهبة يتدفق علي رصيف الأسفلت وما زالت سخونته لا تنطفيء مع الأيام وكأننا نعيد قراءة مشاهد الضحايا بين قتلي ومصابين. كما هي علي مدي السنوات المتكررة, والأكثر عجبا أن بعض هذه المشاهد تتكرر بنفس المناطق ذاتها حيث تؤكد دراسات المرور أن90% من حوادث الطرق متكررة, و73% منها بسبب الأخطاء البشرية لقائدي المركبات, وما زالت مصر هي الأولي عالميا في الوفاة نتيجة حوادث الطرق حيث156 حالة وفاة لكل100 ألف مركبة, وفي المقابل72 حالة بدولة تركيا, و28 باليونان و13 حالة بإيطاليا. وتؤكد إحصائيات حكومية أن عدد حوادث الطرق بمصر تزيد علي73 ألف حادثة سنويا يصل ضحاياها من القتلي والمصابين إلي245 ألف شخص سنويا. وتتصدر أسيوط محافظات مصر في معدل خطورة حوادث الطرق, حيث يصاب ويتوفي نحو6.5 شخص في المتوسط لكل حادث وذلك حسب دراسات جهاز التعبئة العامة والإحصاء, وتعد طرق أسيوط هي الأكثر حدوثا لحوادث الطرق ضمن محافظات قنا وشرق الدلتا. وعن تلك الظاهرة الخطيرة التي تتنامي يقول مجدي عبدالحفيظ موظف بالبترول إن مناطق بعينها بالطريق الصحراوي الشرقي بحدود القوصية وديروط بمحافظة أسيوط تعرف ببوابات الموت, فهي دائما ما تكون عاملا لوفاة العديد من الضحايا سواء بسبب المنحنيات الخطيرة أو الارتفاع الضخم بالطريق والذي يجعل كلا من سائقي السيارات في الاتجاهين لا يري الآخر, ثم تأتي لحظة تسرع من شاب متهور يسير بعكس الاتجاه فيتسبب في وفاة35 شخصا مرة واحدة, كما عرفت ذلك من حادثة اصطدام ميكروباصين العام الماضي, وأحيانا يكون السبب نوم السائق أو تعاطيه المخدرات لمواصلة السهر عدة أيام لتجميع أموال علي حساب الضحايا الأبرياء. ويطالب بضرورة الإسراع في جعل الطريق الصحراوي الشرقي اتجاهين مثل الغربي مع تلافي مشكلات الانحدار العنيف والارتفاع والهبوط في الطريق مقترحا أن يتم إسناد الطريق للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة ليتم بالصورة النموذجية التي تمت بطرق العين السخنة وغيرها. بينما يقول أحمد مصطفي موظف بالمحافظة: إنه لابد من توفير ممشي ركاب معدني أمام التجمعات السكنية بالعزب والنجوع الواقعة علي طول الطريق الزراعي أسيوطالقاهرة, حيث كثيرا من ضحايا الموت هم من المشاة الذين يلقون حتفهم نتيجة تسرع السائقين وأخطائهم وذلك بصفة يومية, تقول صباح إبراهيم باحثة اجتماعية إن الدولة وشركات التأمين تدفع قرابة المليار جنيه سنويا تعويضا عن حوادث الطرق منها في العام الأخير990 مليون جنيه بينها560 مليونا تأمينا إجباريا و400 مليون تأمينا تكميليا وهو ما يجعل الخسارة البشرية يضاف لها عوامل مادية. وتضيف تجربتها في مدينة أسيوط قائلة إنها تعرف طالبة لم يتعد عمرها15 عاما وهي بطريق عودتها من مدرستها بشارع الهلالي لشارع رياض بمنتصف مدينة أسيوط وبينما تسير علي رصيف الأخير وهو أحد الشوارع الضيقة المكتظة بالسكان جاءت سيارة شاب مستهتر لتصدمها وتتسبب بكسور خطيرة بالعمود الفقري سواء كان غرض الشاب المعاكسة أو السرعة الجنونية, فإنه للأسف قد أفلت بجريمته في ظل سلبية المواطنين رغم أن الحادثة كانت بمنتصف الظهيرة.. وتتساءل لماذا لا يتم رفع سن الترخيص إلي30 عاما. بينما يعترف ناصر عثمان سائق ميكروباص بأسيوط بأن قائدي المركبات وجشعهم السبب الرئيسي للحوادث خاصة مع التحميل الزائد للركاب وتحميلهم وانزالهم في موقع غير مخصص كالميادين, بالإضافة للجرأة علي الطريق باستخدام السرعة الزائدة وعدم الالتزام بخطوط السير. ويضيف وائل عبدالباقي مدرس لغات بمعاهد أسيوط: أن المشكلة في ارتفاع قتلي الطرق بالصعيد هي أن95% من المسافرين يستخدمون السيارات, بينما تصل السكك الحديدية لنسبة4% في حين يصل النقل النهري لنسبة1% وذلك حسب الدراسات والإحصائيات الأكاديمية مؤكدا أن الحل في تغيير هذه النسب لصالح السكك الحديدية بصفتها الأكثر أمانا. بينما يقول محمد كامل مثقف جامعي: إن هناك إهمالا في مواجهة الحوادث سواء من قبل المسئولين بالطرق والنقل أو المرور أو المجالس النيابية التشريعية التي تسن القوانين فضلا عن المجتمع المدني ووسائل الإعلام ودورهما في المساهمة بالتوعية وتغيير السلوكيات, وكان من جراء هذا الإهتمام ارتفاع نسبة حوادث الطرق بمصر إلي25 ضعفا عن المعدلات العالمية, حيث يصل تعداد الوفاة في مصر إلي222 حالة وفاة لكل ألف كيلو متر من الطرق, بينما يتراوح المعدل العالمي بين4 و20 حالة لنفس المسافة مطالبا بضرورة إيجاد مسكنات مؤقتة كزيادة عدد القطارات وانتظام رحلاتها