خلال الفترة القليلة الماضية, لم يكد يمر علينا يوما دون أن نسمع أخبارا تخص القاعدة: تصريحات جديدة لزعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري, تفجيرات في العراق, وأخري تم إحباطها في الأردن. اكتشاف خلية إرهابية قيل أنها تابعة للقاعدة تعمل في مصر, وتهدف إلي تفجير مواقع حيوية بالبلاد, الكشف عن انتشار خلايا للقاعدة في سوريا, ومنها إلي لبنان, الجزائر تتكاتف مع مالي أمنيا للقضاء علي الخلايا التابعة لقاعدة المغرب في شمال مالي, الاستخبارات الأمريكية تؤكد أن وراء تفجيرات بنغازي التي قتل فيها السفير الأمريكي في سبتمبر الماضي, خلية للقاعدة في ليبيا وقبلها الكشف عن خلية تابعة للقاعدة حاولت تفجير منزل الرئيس اليمني, عبد ربه منصور هادي, وأخري في السعودية, والقائمة تطول. مع الكشف عن الخلية الإرهابية الجديدة في مصر, أصبحنا نشعر بأن التهديد قد دخل عقر دارنا, بل والأدهي انه بات علي بعد خطوات من منازلنا, مما يعني أن تلك الخلايا الإرهابية لم تعد تعمل في المناطق النائية, بل إنها دخلت إلي قلب المدن السكانية, كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد نشرت أخيرا تقريرا داخليا في54 صفحة يتناول انتشار الخلايا السرية للقاعدة في ليبيا آتية من باكستان, وهدفها الإطاحة بالحكومة الليبية الجديدة, وتقديم الدعم للخلايا الأخري التابعة للقاعدة في شمال أفريقيا والمنطقة الصحراوية الممتدة عبر شمال أفريقيا. الواقع انه لم تعد تخلو دولة حول العالم من وجود كيانات أو جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة, حتي انه أصبح بإمكاننا القول مجازا أن للقاعدة إمبراطورية مترامية الأطراف تمتد جغرافيا عبر جميع دول العالم, وكان آخر تقرير للجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلق بتنظيم القاعدة, قد وضع علي لائحته أكثر من68 كيانا مرتبطا بالتنظيم الدولي, الذي بات حسب تصور أجهزة الاستخبارات الغربية ضعيفا,خاصة بعد مقتل بن لادن العام الماضي, وتولي الظواهري القيادة وهو يفتقد إلي الكثير من الكاريزما التي كان يشكلها بن لادن لأتباعه, لكن واقعيا هذا لم يعد يعيق بأي حال توسع القاعدة وانتشار تأثيرها حول العالم, فعلي الرغم من أن القاعدة لم تتمكن فعليا من القيام بهجمات من العيار الثقيل منذ عام2005 تقريبا, بل وأعلنت أجهزة الاستخبارات الأمريكية العام الماضي أنه عام تاريخي لقلة عدد الهجمات الإرهابية التي شنتها القاعدة علي المصالح الأمريكية, إلا أن الإستراتيجية الجديدة للتنظيم الذي خسر عقله المدبر, كما يراها عدد من المحللين ومراكز أبحاث الأمن الدولي, تري أن التنظيم الهرمي الذي أسسه بن لادن عام1988 في باكستان, يمر حاليا بما يمكن تسميته بالمرحلة الخامسة من تكوينه, حيث أصبح يعتمد بشكل جوهري علي مجموعة من الخلايا والشبكات التابعة له الموزعة في شتي أنحاء العالم, ومنها جماعات تتبني النهج الأيديولوجي للتنظيم دون أن تكون بالضرورة مرتبطة به بشكل مباشر, وهي ما يطلق عليها الذئاب الوحيدة أي أن القاعدة تمثل مصدرا للإلهام والتوجيه العقائدي لتلك الجماعات ولكنها تعمل بشكل مستقل عنها. فقد حرصت بعض تلك الجماعات علي استخدام اسم تنظيم القاعدة أو أيديولوجيتها دون أن تكون بالضرورة مرتبطة بشكل مباشر بالتنظيم الرئيسي, بل وتبنت نهج القاعدة الفكري وتكتيكات الهجوم والتفجيرات التي أصبحت علامة القاعدة المميزة, إضافة إلي استفادتها مما تعتبره هيبة التنظيم في الفكر الأمني الغربي, الذي نفذ أكبر علمية إرهابية في مطلع الألفية, ناهيك عما تلقته تلك الخلايا من فرص تمويل هائلة مع بداية ارتباطها بالقاعدة, قبل أن تغلق تلك المنافذ إلي حد كبير. جميع تلك الخلايا والجماعات الإسلامية المتشددة المسلحة كانت قد وجدت لها عقب الانفلات الأمني الذي عصف بدول الربيع العربي, مرتعا خصبا للقيام بهجمات عشوائية وفوضوية, تريد من ورائها في اغلب الأحيان وضعها علي قائمة الجماعات التي تشكل تهديدا قويا للقوي الدولية, وتستطيع من خلال هذا التكوين المرعب أن تفرض بعضا من شروطها علي الغرب والحكومات التابعة له, وليس من المؤكد ما إذا كانت تعمل من خلال توجيه مباشر من العقل المدبر الحالي للقاعدة, لكن الأغلب أنها من الحركات الجهادية التي يعتقد أنها تنتمي للقاعدة. وتشير التقارير الإستخباراتية الغربية, إلي أن تلك الخلايا خاصة مع المرحلة الجديدة التي يمر بها التنظيم الرئيسي, لم تعد تختبئ كما كانت في الماضي في مناطق بعيدة ومعزولة, أو في قلب المناطق العشوائية, بل إن إستراتيجيتها الجديدة تكمن في الوجود في قلب ضواح ذات كثافة سكنية عالية وأيضا مستويات معيشة مرتفعة, يمكنها الاختباء بها وممارسة أنشطة مختلفة داخلها دون أن تتعرض للتشكك من قبل الأجهزة الأمنية التي اعتادت التركيز علي مناطق أخري. ومما يميز أيضا تلك المرحلة أنها تركت إلي حد ما مراكز تنفيذ عملياتها الكبري في الولاياتالمتحدة وأوروبا واتجهت بدلا من ذلك إلي تركيز مهماتها في قلب المنطقة العربية وشمال أفريقيا بشكل مكثف بعد الثورات المتلاحقة, سواء لمهاجمة المصالح الغربية داخل هذه الدول, أو لإسقاط الحكومات الكافرة التي جاءت بعد الإطاحة بطغاة العرب الأبرز, واستبدالها أخيرا بالدولة الإسلامية المأمولة, أو لاختطاف رهائن غربيين وبالتالي الحصول علي تمويل هائل من خلال عمليات المطالبة بالفدية, أو لهذه الأهداف مجتمعة. وفق بعض ما نشرته مراكز البحوث الأمنية الدولية, فان تنظيم القاعدة في هذه المرحلة, يتميز بتقلص قدراته التنظيمية والحركية, وفقدانه لرموزه الأبرز, في الوقت الذي تتزايد فيه قدرة وسهولة حركة الخلايا التابعة له, تلك الخلايا تنقسم إلي خلايا نائمة وأخري, واضحة المعالم إن جاز التعبير, هي التي أطلق عليها بعض خبراء الاستخبارات الغربية'جماعات الامتياز' نتيجة إعلانها بشكل واضح ولاءها وتبعيتها للتنظيم الأساسي, وتشمل هذه المجموعة تنظيم القاعدة في العراق والذي تشكل عام2003 بزعامة أبو مصعب الزرقاوي, وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي تشكل في الجزائر تحت اسم الجماعة السلفية للتبشير والقتال وأعلنت عام2006 اتحادها مع القاعدة, والقاعدة في شبه الجزيرة العربية, الذي تمكنت السعودية من تدميره داخل أراضيها فانتقل إلي اليمن منذ عام2006, حيث انضم إلي الجهاديين المحليين هناك وأعلن في2008 عن انضمامه الرسمي للقاعدة, أيضا من الحركات التابعة للقاعدة التي لم تأخذ اسمها, حركة الشباب الصومالية التي أعلنت ولائها الرسمي للقاعدة في فبراير من هذا العام. وهناك خلايا تابعة للقاعدة, هي الأوسع حركة وانتشارا, وتتبني الجهاد العالمي من اجل إسقاط الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية, وهي عبارة عن خلايا صغيرة أو مجموعة من الأفراد ممن يطلق عليهم في مصطلحات الاستخبارات الغربية, الخلايا النائمة لا يتعدي حجم الخلية عشرين فردا وتقتصر وسائل اتصالاهم علي شبكة الانترنت دون أن يلتقوا يبعضهم البعض, حتي أن بعض عملياتهم تتم بمبادرات فردية, وهم هؤلاء الذين ألهمهم فكر القاعدة وعملياته الإرهابية أو' الجهادية' وفق تصورهم, وغالبيتهم لم يتصلوا من قبل بزعماء التنظيم الأساسي, وفي الأغلب ربما كانت لهم اتصالات وتدريبات عسكرية علي يد' جماعات الامتياز' في باكستان أو اليمن وحاليا في مالي, والصحراء الكبري. وبالعودة إلي تحليل ملامح ما بات يعرف بالمرحلة الخامسة من تطور القاعدة, التي تعتمد علي خلايا سريعة التطور, مكونة من أفراد وجماعات, تعمل وفق أجندتها الخاصة دون أن تتمكن أو تحتاج إلي الرجوع إلي قيادات القاعدة, وقد ظهرت مثل تلك الهجمات بشكل واضح خلال كل من هجمات بالي ومدريد ولندن, وظهر بشكل واضح مدي الخطر الذي تشكله تلك الخلايا غير المعروفة لأجهزة المخابرات في تلك الدول, مما دفع أجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكيةوالغربية إلي التركيز منذ العام الماضي, علي الخلايا الأخري التابعة للتنظيم التي تعمل تحت الأرض في نحو100 دولة حول العالم منها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وايطاليا وفرنسا واسبانيا وألمانيا وألبانيا وكندا وأوغندا, ذلك بخلاف منطقة الشرق الأوسط.