في سلاسة وحماس وبأسلوب جذاب في رحلة لاستكشاف الحمض النووي ذي اللولب المزدوج الذي يضم في ثناياه جوهرنا الإنساني المتوارث كتب مات ريدلي بمزيج من الإجلال المقدس والفضول والذكاء الجينوم..قصة حياة الجنس البشري في ثلاثة وعشرين فصلا. وصدر الكتاب مؤخرا عن دار كلمات للنشر, مترجما إلي العربية في420 صفحة. وهذه النوعية من الكتب ليست جديدة علي ريدلي فقد عمل محررا علميا لصحيفة ذي إيكونوميست ومراسلا في واشنطن بالولايات المتحدة, ومن بين كتبه الأخري فرانسيس كريك والجين الرشيق وأصل الفضيلة والملكة الحمراء. وكتب مات ريدلي من الكتب القليلة التي رشحت لنيل ست جوائز أدبية; من بينها جائزة الكتب بجريدة لوس أنجلوس تايمز. أما الكتاب موضوع مقالنا فقد حصل علي جائزة أفضل كتاب علوم نشر عام3002 من الأكاديمية الوطنية للعلوم في نيوكاسل بإنجلترا. ويتناول الكتاب مايعتبره الكثيرون أعظم كشف علمي في القرن العشرين وأصعب تحد علمي للقرن الحادي والعشرين; وهواكتشاف الأساس الجزيئي للحياة وتطبيقاته العديدة في الطب والقانون والتجارة. ويقدم كتاب الجينوم نظرة متعمقة في نتائج أحد أهم اكتشافات القرن الجديد وهي طريقة أزواج الكروموسومات الثلاثة والعشرين التي يتكون منها الجينوم البشري. وهو كشف يثير أسئلة بقدر ما يقدم إجابات,; أسئلة سيكون لها تأثير عميق في مفهومنا للمرض وطول العمر والإرادة الحرة; أسئلة سيكون لها أثرها فيما بقي من حياتنا. و يختار مات ريدلي واحد من الجينات المكتشفة حديثا من كل زوج من الكروموسومات ويحكي قصته, وهكذا يحكي لنا تاريخ نوعنا وأسلافنا منذ نشأة الحياة حتي مشارف طب المستقبل. واستطاع ريدلي من خلال الكتاب أن يفسر بحيوية تامة القضايا الأخلاقية المعقدة, والمآزق الفلسفية, وتقنيات الكيمياء الحيوية, وهو يفصل الحقائق عن الآراء فصلا جيدا, ولا يخجل من تقديم أيهما. ويوضح بذلك أن العديد من هذا القضايا قد أثارها كشف خريطة الجينوم البشري, وتبدأ من مرض هنتنجتون إلي السرطان ومن تطبيقات العلاج الجيني إلي فظائع اليوجينينا. وينتقل ريدلي, ببراعته الشديدة في نسج الأفكار, من كروموسوم إلي كروموسوم ملخصا تلخيصا يسيرا معرفتنا المتنامية بالأدوارالتي تلعبها الجينات في السلوك, والفروق الجنسية, بل والذكاء أيضا. والأهم من ذلك ليس تناوله للمآزق الأخلاقية التي يواجهها العلماء المعاصرون فحسب, بل أيضا لخطر ذلك التفكير الاختزالي الذي يساوي بين قابلية التوارث والحتمية. ويقدم ريدلي في الكتاب حكايات طريفة جاذبة للانتباه, وتشبيهات بارعة, وأسلوب كتابة مقنع, ليبث الحياة في الجينوم أمام أعيننا. ويدفعه في ذلك كله أن العلم يدور في فلك من الغموض حسب قوله: فهو يكشف عن ألغاز جديدة بنفس السرعة التي يحل بها بعض الألغاز المعروفة لكن أحدا لم يتعرض بعد للكم الهائل من العجائب التي يخفيها الجينوم البشري داخل نصه المكون من مليار كلمة. وأمام هذا الأسلوب الرشيق في تعبير ريدلي سرعان ما يشارك قاريء الكتاب كاتبه في إحساسه بالإجلال المهيب نحو الخلق العجيب للجسم البشري, ونحو العلماء الذين يكشفون ألغازه...ولذلك فسيساعدك هذا الكتاب بالتأكيد في فهم مغزي هذه الطفرة العلمية لك ولأطفالك وللجنس البشري بأسره.