قدمت النظم الاقتصادية والسياسات الاقتصادية القديمة, للجماعات البشرية, علي أنها تنظيمات ضرورية للحياة الاجتماعية, إلا أن علم الاقتصاد علم مستقل له قواعده وأصوله. وذلك لأنه ينسب إلي عهد حديث نسبيا إلي مدرسة الطبيعيين الفزيو كرات الفرنسية والتي روجت لفكرة مبدأ الحرية الاقتصادية المطلقة ثم أتي الكاتب الانجليزي آدم سميث والذي لقب بأبي علم الاقتصاد, ليؤكد ذلك في كتابه ثروة الأمم عام1776. عليه يكون من الممكن الحديث عن نظام اقتصادي إسلامي أو عن سياسات اقتصادية إسلامية ولكن لا يكون من الممكن الحديث عن علم الاقتصاد عند المسلمين كما لا يكون من الممكن الحديث عن علم الاقتصاد عند المسيحيين أو اليهود, وذلك نظرا لحداثة هذا العلم علي ما تقدم بالأديان ولحياد الظاهرة الاقتصادية والتي تشكل أساس هذا العلم. وان كنا لا ننكر بعض الأفكار الاقتصادية عند كتاب المسلمين, وخاصة عند بن خلدون ولكنها أفكار متناثرة, وردت في حالات تطبيقية معينة, بحيث لا يمكنها, إذا ما جمعت, أن تشكل علما للاقتصاد بالمعني المفهوم اليوم. علماء الاقتصاد بالمعني الحديث قد اعتمدوا في تعريف الاقتصاد علي عدة عناصر, وهي المصلحة الشخصية( الثروة وإشباع الحاجات) والمبادلة والندرة النسبية. وهي عناصر محايدة, بمعني أنها لا يشترط لها أن تكون متفقة مع الدين أو الأخلاق, أو القانون, وهو ما يؤكد أن علم الاقتصاد علم محايد. وعلي ذلك فالقيمة الدينية والأخلاقية والقانونية لا تتدخل في تكوين النظريات الاقتصادية. ولكن ليس معني ذلك أن هذه القيم لا تؤثر في الحياة الاقتصادية, لأنها تؤثر بوضوح في السلوك الاقتصادي ذاته.ولو افترضنا أن القيم الدينية والأخلاقية والقانونية لا تؤثر في النظريات المجردة التي تشكل علم الاقتصاد النظري, إلا أنها تؤثر وبشدة في السلوك وفي السياسات والمبادئ التي تشكل الاقتصاد التطبيقي, ومثل ذلك أن القيم الدينية تؤثر بالضرورة في سلوك المستهلك وتفصيلات مشترياته وفي تخصيص موارده ما بين ما هو حرام وحلال. كما أنها تؤثر أيضا في سلوك المنتج واختياره للمشروعات ما بين ما هو حرام وحلال, وفي تحديد اثمان عوامل الإنتاج وأثمان المنتجات ما بين الاستغلال ومعاملة المجتمع بما يرضي المولي عز وجل, ثم هي تؤثر أيضا في دور الدولة في الحياة الاقتصادية, حيث يكون عليها, إذا كانت دولة دينية, أن تعمل علي تطبيق تعاليم الدين, وتحقيق التكافل والعدالة الاجتماعية. علي هذا كله تشكل السياسات الاقتصادية كما يشكل النظام الاقتصادي. ويتضح ذلك علي وجه الخصوص من أن الإسلام دين ودولة عقيدة وشريعة إسلامية, وعن النظام الاقتصادي في الإسلام, وهذا هو الذي طبق في الدولة الإسلامية في السابق. وعلي الاقتصاديين الذين يشكلون النظام الاقتصادي الإسلامي أن يتذكروا أن مبادئ الإسلام تتفق مع العقل وتحرص علي خير المجتمع, وأن يتصف هذا النظام بالمرونة الكافية لكي يتلاءم وأن يتعايش مع الظروف العالمية المحيطة والعولمة والترابط الشديد في المعاملات التجارية والمالية مع الآخر, شريطة ألا يتعارض ذلك نصا إسلاميا. أخيرا إذا راجعنا تاريخ النظام الاقتصادي الإسلامي نجد أنه قد مر بتطورات كثيرة استجابة للضرورات وأذكر منها التطورات التي مرت بالضرائب, وخاصة في عهد خلافة سيدنا عمر بن الخطاب, فقد أعاد تنظيم الضرائب التي كانت تفرض, كما استحدث ضرائب أخري لم يأتي بها نص القرآن أو السنة, أمثالها ضريبة الخراج علي أراضي البلاد المقترحة, وضريبة العشور علي أموال التجارة المتنقلة بين أقاليم الدولة الإسلامية. وهذه التعديلات التي أدخلت, تؤكد أن النظام الاقتصاد الإسلامي ليس نظاما جامدا( كما يتصور البعض) بل نظام مرن, يستجيب للضرورات. وأن المبادئ والقيم الإسلامية لم تكن حائلا دون ذلك, وهذه التطورات كانت في مصلحة المجتمع ويجب أن تظل هكذا حتي آخر الزمان تحقق مصلحة المجتمع والأفراد مع احترام حقوق الدولة. فقراءة التاريخ واجبة إن أردنا أن نكون دولة حديثة متقدمة. المزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب