«بنها الأهلية» تنصب أول اتحاد طلابي.. ورئيس الجامعة: انطلاقة حقيقية لبناء كيان قوي    «أساليب علمية وتحسين الجودة».. السيسي يتحدث عن الثروة الحيوانية والسمكية    كراسة شروط شقق الإسكان الاجتماعي للحجز في الوحدات الجديدة 2025 (رابط مباشر)    توريد 550870 طن قمح إلى مواقع التخزين بالشرقية    بيكو مصر تفوز بجائزة "أكبر مُصدر عالمي حقق طفرة في صادراته" من المجلس التصديري للصناعات الهندسية    تضارب الروايات بشأن دخول المساعدات إلى غزة (تقرير)    الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع لأجهزة أشباه الموصلات في منطقة أوريول الروسية بطائرة مسيّرة    وزير خارجية تركيا: الحرب الروسية الأوكرانية تشهد نقطة تحول على طريق الحل الدبلوماسي    جوارديولا عن رحيل نجم السيتي: لا يمكن تعويضه    35 ألف طالب وطالبة ب "أولى" و"تانية" ثانوى يؤدون امتحانات اللغة العربية بدمياط    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث آليات التعاون.. صور    الرئيس السيسى يشهد موسم حصاد القمح2025 ويكشف: تكلفة توصيل الكهرباء ل2.2 مليون فدان عشرات المليارات.. مستهدف إضافة 800 ألف فدان للرقعة الزراعية سبتمبر.. ويقترح استبدال الدعم النقدي المقدم لبعض الأسر برؤوس ماشية    حلقة بحثية بالغربية تناقش آثار التكنولوجيا الرقمية على الأطفال.. ومطالبات بوعي مجتمعي لمواجهة الإدمان الرقمي    جلسة مرتقبة من مسؤولي الأهلي للتعاقد مع ثنائي البنك.. إعلامي يكشف    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    استشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين إثر قصف الاحتلال في مدينة غزة    بقيمة 6 ملايين جنيه.. الأموال العامة تضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية    مقتل 6 في انفجار حافلة مدرسية ب باكستان.. وإسلام آباد تحمل الهند المسؤولية    بوتين في كورسك.. رمزية استعادة الأرض ودور كوريا الشمالية    إي اف چي القابضة تحقق أداء تشغيليا قويا بدعم النمو المستمر لكافة قطاعات الأعمال    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    رئيس "التأمين الصحي" يعقد اجتماعًا موسعًا لبحث الاستعدادات لعيد الأضحى    صحيفة برازيلية: الأهلي ريال مدريد أفريقيا    أسعار الحديد والأسمنت في السوق المصرية اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في الاحتفال السنوي لمدارس السلام ببنها    لقاء موسع ب«القومى للمرأة» حول استراتيجية تمكين المرأة 2030    مقتل 3 عناصر شديدة الخطورة في تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بالدقهلية وقنا    خلال 24 ساعة.. ضبط 49941 مخالفة مرورية متنوعة    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    تراجع سعر الجنيه الاسترلينى بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء 21-5-2025    دوري أبطال إفريقيا.. بعثة بيراميدز تطير إلى جوهانسبرج لمواجهة صن داونز    «خناقة» فى الأهلى؟!    بعد زواج 26 عاماً.. أحمد السقا يعلن انفصاله عن مها الصغير    وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث آليات التعاون الثقافي وصون التراث ويصطحبه في جولة بدار الكتب بباب الخلق    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    فتاوى الحج.. دليلك في حالة المرض    «حبة الكرز».. كيف علق جوارديولا على إهدار دي بروين لأسيست مرموش أمام بورنموث؟    اليوم العالمي للشاي.. قصة اكتشافه وأساطير متعلقة به في الثقافة الصينية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قضية رشوة مسؤولي حي البساتين.. 5 سنوات مشدد لمهندس وإعفاء وبراءة آخرين من العقوبة    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الإعدادية ويكرم المتفوقين رياضيًا – صور    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    تقرير: إسرائيل في أدنى مكانة دولية.. وتسونامي اقتصادي خطير    محمود الخطيب يرد على تساؤلات من أين يأتي الأهلي بأمواله؟    البيدوفيليا؟!    وزير الخارجية الأمريكي: لم نناقش ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة استرداد أموالنا
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 10 - 2012

أشعر بشديد القلق عندما يخاطبني بعض الأصدقاء للكف عن محاولات استرداد أموالنا لأنه لا أمل في ذلك‏,‏ ولأن الطريق وعر والإجراءات صعبة ومطولة‏;‏ وأشعر بحرج عندما أسمع من البعض في كل سفرة أسافرها هل اقترب موعد استرداد أموالنا المنهوبة؟‏!!‏ ولربما أن بعض الحقائق غائبة بما يجعل هذه المهمة محصورة بين اليأس الشديد والأمل المتعجل. وفي الأخير أنا من عشاق الأمل الوثاب, ولا أري في حياتي أمرا مستحيلا, مادام توافر له العزم الأكيد والنية الخالصة والعمل الدءوب. ولا أري, في مسألة استرداد ثرواتنا المنهوبة, أي حق لإخواننا وأصدقائنا المبتئسين الذين لا يرون أي فرصة في الاسترداد, وذلك لما يلي:
أولا: أن الاسترداد هو جزء من استعادة كرامة هذا البلد وقمته, ودرس قاس للفاسدين بأن هذا الشعب لا يفرط في حقوقه; فلو تخاذلنا عن هذه المهمة سيسرقنا السارقون كل يوم, لأننا من يجوز فيهم السرقة ويتسامحون فيها وليس لديهم طاقة للجهاد لاستردادها; علي خلاف ذلك قول النبي( ص) من مات في سبيل ماله فهو شهيد.
ثانيا: أن دولا أقل شأنا من تلك الدولة التي حبانا الله بها, استردت مالا مسروقا منها, وكانت الظروف الدولية أقل ملاءمة من الآن, فلم تكن ثمة اتفاقيات دولية توجب علي الدول التي تلقت المال الفاسد بأن تعاون الدول التي سرق منها هذا المال في تتبع المسروقات وتجميدها توطئة لردها إليها.
ثالثا: أن بعض المال المصري المسروق ظهر في كثير من البنوك الغربية بقليل من الجهد وجمد فعلا, ويجري التفاوض بشأن طريقة استرداده, وهو ما يشير إلي أن جهدا أكبر سيأتي بنتائج أكثر وأفضل.
رابعا: لأن حجم ما نهب من أموال الدولة المصرية لا يسمح لأحد بأن يتسامح فيه; ومن شاء فليتسامح في حقه هو لا في حقوق شعبه وأشهد أن لا أحد في إدارة هذه الدولة ينوي مجرد النية أن يتسامح في ذلك.
خامسا: أن إقدام بعض الدول الغربية خصوصا, علي اتخاذ بعض الإجراءات لإرسال رسالة للدولة المصرية لأنها مستعدة للمساعدة, هو دليل علي حقيقة وجود أموال مهربة لنا, ودليل آخر علي قلق هذه الدول من أن يشعر الشعب المصري بضعف تعاونها أو بتخاذلها في ذلك.
غير أن الأمل الكبير في أن نسترد أموالنا منوط بأن تتخذ بعض الإجراءات; وأول تلك الإجراءات, أن ننشئ لجنة واحدة, بديلا عن اللجنة التي لا تزال قائمة, علي أن يكون بها اختصاصات واسعة تمثل الدولة المصرية في إدارة هذا الملف, علي أن يعبر تشكيلها عن تضامن كل قوي المجتمع والدولة في هذه المهمة; فيتوافر فيها العنصر القضائي والدبلوماسي والشعبي, بالإضافة إلي توفير أدوات العمل الحكومي لها, وقد اجتهدت رأيي منذ اليوم الأول لتولي الوزارة, فطرحت رؤيتي حول إنشاء تلك اللجنة وتناقشت مع كل ذي شأن بخصوص تشكيلها وإختصاصاتها ووضعت مقترحا طورته في عدة مناسبات, يدرس الآن لإصدار قرار بشأنه. ويجب أن يتبع ذلك مخاطبة البعثات الدبلوماسية لمصر في الخارج, بمجرد صدور قرار تشكيل اللجنة المختصة, بأن تغير منهجها في مخاطبة حكومات الدول الأخري بشأن عملية البحث وتجميد واسترداد أموالنا, بحيث تنتقل من تناول الوضع بإعتباره شأنا قانونيا خالصا, لتحويله إلي شأن سياسي واجتماعي وإقتصادي, والتأكيد علي عدم احترام الدول غير المتعاونة لحقوق الإنسان أو لقيم الديمقراطية عندما لا تقوم بالتزاماتها الدولية بالتعاون في رد أموال التعليم والصحة والغذاء للشعب المصري فقا لما الزمتها به اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وثالث تلك الإجراءات يتمثل في إنجاز منظومة قانونية متكاملة تساعد علي الاسترداد, وهو ما يجري الآن بالفعل; فأول ما تحتاجه اللجنة هو المعلومات, وهو مايعني ضرورة صدور تشريع لحماية المبلغين والشهود المتخوفين من الإفصاح عما لديهم من معلومات, بالإضافة إلي الحاجة لتقرير إلزام قانوني يوجب علي جميع مؤسسات الدولة يتقديم المعلومات والبيانات التي تطلبها اللجنة, وغير ذلك من تشريعات وإجراءات تنشئ بيئة مناسبة ومواتية لإدارة معركة ناجحة. بالإضافة لكل ما تقدم فإن علينا الإفلات من الاستراتيجية المملة التي تعبر عن رغبة بعض الدول في أن وتلتف علي التزاماتها الدولية, فلا يجب أن نتعامل مع قضايا استرداد الأموال المهربة للخارج باعتبارها قضايا عادية لبعض الجرائم, فتطالب بمصادرة الأموال نواتج الجرائم التي تقع في مصر, وبالتالي يطالبنا الأخرون بأن نقدم أحكاما نهائية بشأن تلك الجرائم, وبضرورة أن نثبت أمام قضاء تلك الدول ارتباطا قانونيا بين الأموال المهربة وتلك الجرائم, ويترتب علي ذلك أن نغرق في آلاف القضايا في الداخل والخارج, ونضطر للجوء لمكاتب المحاماة والشركات الخاصة التي تبحث عن الأموال, بما يترتب علي ذلك من تكاليف باهظة ونتائج غير مؤكدة وبالأخير ستكون تافهة.
فلو كان هذا المنطق مقبولا بشأن جريمة محددة وقعت في مصر ونتج عنها هروب أموال مستحقة للخزانة المصرية إلي الخارج; فإنه غير مقبول بشأن الفساد الذي ارتكبه نظام سياسي كامل أخرج جزءا مهما من الثروة المصرية للخارج بفساده وبطرق غير قانونية, فلما أسقطه الشعب تمسك أفراده بالقانون طريقا للاحتفاظ بما استولوا عليه, فلو افترضنا أن الواجب علينا أن نقيم دعاوي في الداخل ونصدر أحكاما, ونتعاقد مع مكاتب محاماة وقصاصي الأثر لتتبع الفاسدين ونواتج الفساد في الخارج; فلما كانت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؟! وكم من القضايا يجب أن نقيمها؟! وكم من المكاتب والشركات يجب أن نتعاقد معهما؟! وكم من السنوات يجب أن ننتظر؟! إن أهم ما أضافته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد هو تمييزها بين الأموال المهربة للخارج نواتج الجرائم وتلك التي هي نواتج الفساد. فالأولي يتم تتبعها بالطريقة التقليدية, ونستحق إقامة الدليل الدامغ علي الجريمة والارتباط بين تلك الجريمة والأموال المتتبعة, أما الأموال التي تلقتها دول أجنبية نتيجة لفساد نظام سياسي كامل في دولة أخري, فإن اتفاقية مكافحة الفساد الزمت كل طرف بالتزامات واضحة, ويأتي علي رأسها التزام الدول التي تلقت نواتج الفساد بأن تساعد الدول التي عانت من الفساد في تتبع الأموال المهربة, دون حاجة للتعاقد مع قصاصي الأثر, وأن تجمد تلك الأموال كلما اكتشفت, والانتقال سريعا للتفاوض بشأن ردها, سواء باستلزام حكم نهائي بفساد الشخص سارق المال,أو بالتنازل عن هذا الشرط باتفاق الدولتين.
إن مشكلتنا مع الدول الأخري التي تلقت نواتج حكم الفساد في مصر, أنها ترغب في أن تتجاوز اتفاقية مكافحة الفساد, وأن تعتبرها غير موجودة, وأن تدفعنا معها وفقا لقوانينها الداخل فقط دونما أي توافق مع ما استحدثته اتفاقية مكافحة الفساد من أحكام, وبالتالي فإن استراتيجية مصر في الاسترداد لن تنجح إلا بالإفلات من هذا الفخ, بأن تتمسك بأحكام الاتفاقية وبأن تقوم جميع الدول بواجباتها والتزاماتها الدولية التي قررتها, مستعينة في ذلك بكل الأدوات الدولية المشروعة بما فيها التفاهم والتفاوض والرأي العام والمنظمات الدوليةك وذلك كله دون إهمال لإتحاذ الإجراءات القانونية التي نصت عليها الاتفاقية من جانبنا.
وربما أن الوثيقة الصادرة عن اجتماع المجلس الدولي لحقوق الإنسان في اجتماعه مارس الماضي بشأن العقبات التي تعترض سبيل استرداد الدول ضحية الفساد لأموالها المهربة, كانت تعبيرا واضحا عن رغبة الدول التي تلقت الأموال الفاسدة في الإفلات من أحكام اتفاقية مكافحة الفساد والتمسك يتشريعاتها الداخلية لكي لا تجبر علي تقديم المساعدة الحقيقية في رد الأموال المهربة, وبالتالي فإن تلك الدول امتنعت عن التوقيع علي تلك الوثيقة, التي طالبت هذه الدول بالنزول علي مقتضي الاتفاقية الدولية, وتضمنت إدانة واضحة للتباطؤ في تتبع الأموال المهربة وتجميدها وردها, وأدانت التمسك بالإجراءات القانونية والفنية كوسيلة للإفلات من التزاماتها الدولية, واعتبر ذلك اعتداء علي حقوق الإنسان وتناقضا مع الادعاء بمساعدة الديمقراطيات الوليدة.
وفي النهاية فإن تطبيق هذه الاستراتيجية, التي أؤمن بنجاحها, يحتاج البدء سريعا بتشكيل اللجنة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة, والاستناد في هذه المعركة إلي أهمية دور الدولة المصرية علي المستوي الإقليمي والدولي وحاجة الدول التي تلقت أموال الفساد في الاحتفاظ بعلاقات مع الدولة المصرية, وإلي الدعم الواسع الذي تخطي به مصر من الرأي العام العالمي والذي يحتاج أن نشرح له جوهر المشكلة ليضغط علي دولة بأن تتوافق مع التزاماتها الدولية ومبادئ حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية التي تتمسك بها.
المزيد من مقالات د. محمد محسوب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.