(الخطاب رقم3) لا تزال سلوي المغربي حريصة علي إخفاء سبب الانفصال حتي وهي تؤكد لي ان الشائع في أوساط المثقفين الذين اقتربوا من الفنان الراحل يفترض ان الانفصال تم بعد سنوات زواج لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة وهي معلومة خاطئة فقد حدث الطلاق فعليا بعد23 عاما وبالتحديد عام1985. وطوال تلك السنوات عبرت العلاقة ازمات كثيرة لكنها اتسمت بسمة نادرة وهي التواصل الحميم ثم الانفصال الصامت ثم العودة الي نقطة الصفر. فلاسباب تتعلق بالرغبة في شروط افضل للعيش اضطرت سلوي للسفر الي لندن وهناك بدأت تلقي خطابات مثيرة للدهشة, يتحدث فيها حجازي عن شعور مبكر بالشيخوخة وفقدان الحماس وهي مشاعر ربما دفعت به الي العزلة المختارة كما دفعت بلغته الي التحرر من ثقل الفصحي والكتابة بالعامية الطازجة ويبدو ان الخطاب كتب في السبعينيات عندما شعر الفنان الراحل بالتقييد علي اعماله حيث يتخدث صراحة عن احتمالية مغادرة روزا اليوسف كما يتحدث عن الزهد بمعني أقرب الي مقولات المتصوفة الكبار وبحكم طبيعته الساخرة لا ينسي ان يسخر في احد هذه الخطابات من صابونة برائحة زهر الليمون ارسلتها له سلوي من لندن ويتحدث عن علاقة فريدة معها( اي الصابونة) ( الخطاب رقم4) بينما كان اضطر حجازي بعد سنوات السبعنيات العجاف الي السفر والعيش في أبو ظبي حيث شارك في تأسيس مجلة ماجد المتخصصة للاطفال والتي ظل يرسم فيها الي ان توفي ومثل غالبية فناني جيله لمس حجازي الذي كان نجما من نجوم مرحلة الستينيات وما ادراك ما الستينيات تغير الأوضاع في الصحافة المصرية كلها بحيث لم تعد أعماله الاحتجاجية محل ترحيب بسبب نقده الصارخ لسياسات السادات الداخلية والخارجية فهو كان ضد انفتاح السادح مداح وكذلك ضد تسوية الصراع مع اسرائيل مالم يتحقق السلام العادل, الأمر الذي دفعه إلي تقديم أعماله لصحف المعارضة وتخصيص وقت أكبر لرسوم الأطفال, فتميز بمجموعة رسوم تنابلة السلطان التي انتقدت البيروقراطية. كذلك تميزت أعماله المعروفة باسم ضحكات منزلية بجرأة مضمونها الذي ركز علي المهمشين اجتماعيا ومال إلي رصد الحياة اليومية والصيد من تناقضاتها, وتحرير فكرة الكاريكاتير التي كانت تقوم علي المبالغة لإضحاك الناس, من معني النكتة. وبحسب نقاد, تتميز خطوط حجازي بانسيابية كبيرة وتناسق بديع في الألوان. واعتمد علي فكرة الواقع المعكوس التي كانت تنطلق من رصد الواقع كما هو من دون تدخل, استنادا إلي ما ينطوي عليه من مفارقات مضحكة للغاية كان حجازي الأبرز في تمصير فن الكاريكاتير وإبراز شخصيته في روز اليوسف كمؤسسة صحافية عملت منذ تأسيسها علي الاحتفاء بالرسم. وقد ذهب إلي الإيجاز الشديد في الرسم والتجرد قدر الامكان من التفاصيل لخدمة الفكرة. وهو هنا اختلف بصورة جذرية عن اللباد وإيهاب شاكر وعبدالسميع الذين انفتحت أعمالهم علي الكاريكاتير الغربي واستفادت منه. كما ابتعد حجازي عن استخدام العناصر الجرافيكية, وكان أقرب إلي المدرسة التي اهتمت بالتكوين الفني داخل الرسم الكاريكاتيري والتأثر بخطوط الفن الحديث والاعتماد علي التعليق المختصر, بل وإهماله في أحيان كثيرة, وهو اتجاه تشارك فيه مع رجائي ونيس وجورج البهجوري علي صعيد الموضوع الفني, لم تكن مواضيع لوحاته ذات نزعة إصلاحية كتلك التي كانت موجودة في لوحات عبدالسميع عبدالله وإنما ظلت تراهن علي المحتوي الثوري وتبرز دعمها لفكرة التغيير الشامل مع إبراز سمات الهوية القومية والمصرية فيها. وقد شاركه صلاح جاهين العمل علي تحقيق الهدف نفسه هو وبهجت عثمان وزهدي العدوي, وإن كانت أعماله الأخيرة أكثر حدة. لكن حجازي في مرحلة من مراحله الفنية بات أقرب ما يكون إلي الفنان الفوضوي المتمرد علي النزعة التبشيرية التي انطلق منها والمتصالح مع فكرة نقد الذات التي شاعت عقب حرب.1967 وبسبب حواراته الصحفية القليلة التي تعد علي أصابع الأيدي يندر ان نجد من الفنان الراحل تعبيرا مكتملا عن مشروعه الفني الذي اكتمل وتبلور في فترة مبكرة وباستثناء الدرسات الاكاديمية وبعض المعالجات الصحفية التي كتبت عن اعماله يجد الباحثون فقرا لافتا في المواد المتعلقة عن رؤيته كفنان لما قدم من اعمال, لكن من بين الخطابات التي أرسلها لسلوي المغربي ثمة خطاب يكشف فيه عن رؤيته لفكرة الخلق والابداع وهو خطاب يمكن لدارسي علم النفس الابداعي ان يجدوا فيه الكثير ( الخطاب رقم5) تصف سلوي المغربي الايام التي توقفت فيها العلاقة الزوجية مع حجازي بسنوات الانفصال الصامت فلم يكن هناك طلاق ابدأ, ففي كل زيارة تأتي من لندن الي بيتها و من بين تلك السنوات الصامتة تتذكر مبادرة للوساطة لتستأنف العلاقة الزوجية بينها وبين حجازي قام بها الكاتب الكبير علاء الديب والكاتب الراحل مصطفي الحسيني اللذين قدما الي لندن ومعهما هدية كانت عبارة شبكة ذهبية جديدة لنبدأ بها زواجا جديدا( تضحك سلوي قبل أن تقول في شجن) اتفقنا علي استئناف الحياة وعدت من لندن الي القاهرة وذهبت الي بيت الزوجية لكني لم اجد لحجازي اي اثر, ولم اتكمن من تحديد مكانه, فالبعض قال انه في بيروت واخرون أكدوا لي انها بالكويت أما أنا فقد شعرت بالاهانة وقررت السفر ونسيان الفكرة من الأساس لا تنسي سلوي الي الان الوشايات التي ساهمت في تعكير صفو العلاقة معه كما لا تنسي جرحها الذي تحدثت عنه لكنها تقول العلاقة بيننا كانت أسمي من التعدي عليها ونهش جسدها الجميل, فالكثير حولنا كانوا يعتقدون اننا انفصلنا لأن حجازي فضل العيش في عزلة لكن الحقيقة أن الانفصال كان خياري لكي أنجو بالعلاقة من فخاخ كان باستطاعتها أن تصطاد أجمل مافيها من مشاعر تعترف سلوي أنها تركت حجازي وهي تحبه بدليل ان العلاقة ظلت قائمة ولكن بصور أخري تحررت فيها من التزامات الزواج تخرج لي خطابا أخيرا كتبه لها وهو سخر فيه من رسومها للوردة وكتب فيه جملته الشهيرة التي كانت تشبه الكود السري في علاقتهما معا وهي جملة( ازيك وازي صمتك) التي وضعها أيضا علي بورتريه جميل رسمه لها من الذاكرة خلال اقامتها في لندن وتتابع في السنوات الاولي التي اعقبت الطلاق مباشرة لم اتمكن من اللقاء به او حتي الاتصال بسبب وشاية صغيرة من صديقة له ادعت دائما انها من اقرب الناس لي ثم اكتشفت انا وهو زيف هذا الادعاء وعدت للحديث معه وزياراته بانتظام في الثلاثاء من كل أسبوع ثم سافرت الي لندن من جديد. طوال سنوات سفرها وجدت سلوي سبيلا للوصول الي حجازي وتتبع اخباره من المقربين له واكتشاف مزاجه من رسومه قبل أن يقرر الخروج من القاهرة والعيش في عزلة مختارة في بيت عائلته قرب طنطا. لم تشأ سلوي المغربي اقتحام هذه العزلة عندما عادت واستقرت في القاهرة لكنها غامرت عندما علمت بخبر مرضه وتعمق لديها الشعور بالأسي وهي تراه علي سرير المرض تقول كنت خائفة من الغياب.