سبق أن كتبت مقترحا لاهمية المشروع الوطني الذي يجب أن نتوافق عليه , ثم عن ضوابطه, وذلك باعتباره يتوخي تحقيق التنمية المنشودة. ومن منظورهذا المقترح يمكن معالجة قضية الدعم بوصفها مطروحة للنقاش من ناحية, وبصفتها تعد نموذجا تطبيقيا لهذا المقترح من ناحية أخري. الدعم في حد ذاته يعبر عن منحي إيجابي يتمثل في قيام الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها والمجتمع, ولكنه في الوقت نفسه يعكس خللا واضحا أو قصورا فادحا في البنية الاقتصادية والاجتماعية بما فيها نظم التشريع وصيغ القوانين. وبعبارة أخري فإن الحاجة إلي الدعم تؤكد أن هناك نظاما يفرز المزيد من اللامساوة ويضخ أسباب التباين بين المواطنين وفي أوصال المجتمع. وقد يكون ذلك مقبولا مرحليا, أي لبعض الوقت, لكنه لاينبغي ألا يستمر. ومعني ذلك أن الدعم سياسة مرحلية أيضا وأنه ليس هناك دعم إلي الأبد, ومعناه كذلك أنه يجب- في معالجة قضية الدعم- أن نبحث عن جذور الخلل; بمعني أن نذهب إلي أسباب المرض ولا نقف عند أعراضه. هناك شقان لسياسات الدعم; الشق الأول هوضمان حد الكفاف للمواطنين, وله صورتان: إحداهما هي توفير أهم السلع الضرورية كرغيف الخبز لعموم المواطنين بصرف النظر عن مستويات دخولهم, والأخري هي مساعدة محدودي الدخل في الحصول علي بعض السلع والخدمات الأساسية. أما الشق الثاني فيدخل في باب ترشيد استخدام الموارد, وذلك من قبيل تشجيع المشروعات الإنتاجية التي تحقق أهدافا اقتصادية قومية أو مساعدة المشروعات الخدمية علي تقديم خدماتها للجمهور بأسعار معقولة. يتألف ملف الدعم في مصر من عدة عناصر أو جوانب, هذه العناصر تتضافر فيما بينها لتصنع مشكلته الكبري, كما أن هذه العناصر يتفرع عن كل منها العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.... العنصرالأول هو زيادة العبء علي ميزانية الدولة, ونتائج ذلك معروفة. والعنصر الثاني هوعدم وصول الدعم إلي مستحقيه وسرقته من جانب حفنة قليلة لم يكن الدعم موجها لها أصلا, وأيضا نتائج ذلك معروفة. والعنصر الثالث هو زيادة الاستهلاك من السلع الاستراتيجية دون حاجة حقيقية, وذلك لمجرد رخص سعرها كالقمح والبترول والسكر والأرز; مما يحمل الدولة مزيدا من العبء ويضطرها إلي الاستيراد, ويعرض الموارد الطبيعية للنفاد وبالتالي يصادر حقوق الأجيال القادمة في هذه الموارد باستنزافها مبكرا. والعنصر الرابع هو انعكاسات دعم سلعة أو خدمة معينة( أو سحب الدعم عنها) علي أسعار سلع وخدمات أخري مرتبطة بها. أية حلول لقضية الدعم يجب أن تراعي الشروط التالية: الشرط الأول هو أن يتم التعامل مع كل سلعة أو خدمة- من السلع والخدمات التي تلقي دعما- علي حدة. أي أنه ينبغي ألا نضع هذه السلع والخدمات في سلة واحدة; فلكل سلعة أو خدمة مصادرها المختلفة, ووظائفها الاقتصادية والاجتماعية المختلفة أيضا, ولكل سلعة أو خدمة علاقاتها الخاصة بأنماط الاستهلاك, ومن ثم بمنظومة الأسعار. الشرط الثاني هو أن الدعم يجب أن يوجه للمنتج النهائي وليس لمستلزمات الإنتاج, وذلك لضمان إمكانية اجراء الحسابات الاقتصادية ومعرفة التكلفة الحقيقية للمنتج النهائي, ولعل هذه الضمانة هي الوجه الآخر لما يعرف بالكفاءة الاقتصادية. الشرط الثالث هو الحيلولة دون بيع السلعة بسعرين, لأن ذلك يخلق السوق السوداء ويفتح الباب للفساد والانحراف. الشرط الرابع هو عدم التعويل كثيرا علي الضوابط الإدارية في وصول الدعم إلي مستحقيه; فأيا كانت هذه الضوابط فسوف تفرز آليات جديدة للتلاعب... وهنا نؤكد أن الضابط الوحيد في هذا الشأن هو توفير السلعة بأكثر من حجم الطلب عليها, حتي لو اقتضي ذلك- وهو يقتضي فعلا- تخفيض الدعم لهذه السلعة. لايعني ذلك أن تخفيض الدعم مسألة مرغوبة في كل السلع; فعلي سبيل المثال هناك سلع ينبغي عدم المساس بها( بنزين مركبات نقل الركاب والبضائع, ورغيف الخبز). وفي المقابل ليس هناك ما يبرر دعم سلعة يستهلكها الأغنياء أوتذهب للصناعات الكبيرة التي تحقق أرباحا طائلة, وبنفس المنطق ليست هناك مشكلة في رفع سعر أنبوبة البوتاجاز التي يحتاج المستهلك منها إلي أنبوبة واحدة في الشهر إذا كان فقيرا, وإذا كان يستهلك أكثر من ذلك فإن تصنيفه قد يخرجه من فئة الفقراء. المزيد من مقالات د.صلاح سالم زرنوقة