الدعم.. من العيني إلي النقدي د. سلطان أبو علي شغل موضوع الدعم الدولة حكومة وشعبا منذ فترة ليست بالقصيرة, ومازال, وذلك لأهميته وتأثيره البالغ علي حياة الناس وعلي الموازنة العامة للدول بل والاقتصاد القومي بأكمله. ومن الحقائق الثابتة أن الدعم العيني أقل كفاءة من الدعم النقدي, وهذا ما يؤيده التطبيق العملي في كثير من الدول, إذ ان عيوب الدعم العيني أهمها هدر الموارد والتبذير في الاستهلاك, والفساد الإداري, وسوء تخصيص الموارد. والتحول إلي الدعم النقدي يؤدي إلي إقلال هذه العيوب إن لم يقض عليها. من يستحق الدعم؟ هذا السؤال تحير الناس في الإجابة عنه. وما ينبغي أن نكون علي يقين منه, هو: أن النظام الكامل للدعم ليس له وجود. وما النظام الكامل؟ إنه ذلك النظام الذي يضمن حصول من يستحق الدعم ويستبعد من لا يستحقه ويمنعه من الحصول عليه. وفي التطبيق يجب أن يتميز النظام بإقلال الأخطاء إلي أقل حد ممكن, آخذا في الحسبان هيكل الاقتصاد المصري ونمط سلوكياته, فإن من يستحق الدعم في رأينا هم موظفو الحكومة والقطاع العام ممن يقل دخلهم عن3 إلي5 آلاف جنيه شهريا بالإضافة إلي أرباب المعاشات. ورب سائل يتساءل: وماذا عن القطاع الخاص, والحرفيين والمهنيين؟ والإجابة عن ذلك هي أن هؤلاء يعدلون من أسعار خدماتهم وأجورهم مع ما يحدث من تطورات في الأسعار, أما موظفو الحكومة والقطاع العام فإن أمورهم تتسم بالجمود وعدم التحرك, لذا فهم المستحقون للدعم. ومع ذلك فقد يوجد البعض ممن يستحق الدعم, لكنه لا يدخل في التوصيف المقترح. لذلك يوصي بإنشاء صندوق تعويضي للدعم يتقدم إليه هؤلاء بطلب, وتبحث حالتهم, ومن يستحقه يحصل عليه. وهذا معمول به في كثير من الدول النامية والمتقدمة. علي أن التحول للدعم النقدي لا يتم دون ضوابط أو روابط بل يجب أن يوضع له برنامج أهم عناصره ما يلي: 1 التدرج في التطبيق خلال خمس سنوات وليس دفعة واحدة. والمرونة بحيث يمكن الرجوع إلي الدعم العيني في حالات الضروره القصوي قبل توزيع كميات محددة من سلع معينة بالبطاقات إذا حدث نقص شديد في المعروض منها أو حالة حرب أو غيرها. 2 ألا يحصل الأغنياء والقادرون علي الدعم, أي الانتفاع بسلعة ممن يستهلكها القادرون بأقل من سعرها الحقيقي. والبدء بتخفض الدعم عن السلع التي لا تكون لها آثار غير مباشرة علي الأسعار بحيث لا يرتفع معدل التضخم كثيرا. 3 هناك بدائل للتحول من الدعم تقلل من الأثر علي ارتفاع الاسعار. فعلي سبيل المثال بدلا من رفع أسعار البنزين ترفع رسوم الترخيص السنوي للسيارات. وتحقيقا للعدالة يكون الترخيص السنوي نحو500 جنيه سنويا للسيارات التي تقل سعة محركها عن1000 سم3 ونحو ألف جنيه سنويا لتلك التي تتراوح سعتها بين1000 و1500 ونحو2000 جنيه سنويا لما يتراوح بين1500 و2000 ونحو10 آلاف جنيه لما تزيد سعتها علي ذلك. وأعتقد أن هذا سوف يؤدي إلي عدالة المعاملة, وترشيد استهلاك البنزين, وتخفيف حدة زحام السيارات, فضلا عن جلب موارد للموازنة العامة بشرط ألا تذهب هذه الزيادات كمكافآت ولكن تصب في الإيرادات العامة للدولة. والميزة الكبري لهذا البديل هي أنه لا يؤدي إلي ارتفاع كبير في معدل التضخم. 4 حسن حساب رقم الدعم, فهناك تضخيم غير مبرر لرقم الدعم بذكر المباشر وغير المباشر والضمني, باستخدام الأسعار العالمية, وهذا لا يجوز. فرقم الدعم السليم هو عبارة عن الفرق بين تكلفة إنتاج السلعة أو استيرادها وثمن بيعها. وعلي سبيل المثال إذا كانت أنبوبة البوتاجاز تباع بثلاثة جنيهات وتكلفة إنتاجها المحلية ثلاثة جنيهات, ويغطي الإنتاج المحلي نصف كمية الاستهلاك المحلي, في حين أن تكلفة الأنبوبة المستوردة13 جنيها مثلا, فيكون دعم أنبوبة البوتاجاز خمسة جنيهات وليس عشرة, حيث إن الأخيرة هي للمستورد فقط وهو نصف كمية الاستهلاك.. وهكذا. ويجب تقديم الدعم للمنتجين بحيث يتزايد الإنتاج باستمرار بما يقلل من الضغوط التضخمية, ويزيد من مستوي دخل الفرد. وإلغاء الدعم علي مستلزمات الإنتاج وذلك من أجل ضبط حسابات تكاليف إنتاج السلع, ولا يكون الدعم إلا للمنتجات النهائية. 5 من الضروري إحكام الرقابة الفعالة علي الأسواق ومنع التلاعب والاحتكار ورفع الأسعار غير المبرر, وهذا ضروري إلي أن تكتمل الأسواق في مصر, حيث إنها مشوهة وغير كاملة في الوقت الحالي. ومن أجل زيادة المصداقية ورضا جماهير الشعب يجب التدفق في حساب التعويض النقدي مع عدالته. فعلي سبيل المثال إذا رفع سعر رغيف العيش من5 قروش إلي15 قرشا فيجب تعويض المستحق بزيادة في أجره بمبلغ45 جنيها شهريا علي أساس أن أسرته تستهلك15 رغيفا يوميا مضروبة في30 يوما. يرهب بعض المستفيدين بغير حق من الدعم العيني والذين سيمنع عنهم الربح غير المشروع في ظل الدعم النقدي يرهب هؤلاء الحكومة بالتذكير بانتفاضة18 و19 يناير1977. وأري أن ما حدث لم يكن بسبب التحول للدعم النقدي ولكن بسبب سوء الإدارة والتطبيق الذي تمثل في زيادة توقعات الناس بالرخاء بالحصول علي سيارة ومنزل وغيرهما ولكنهم فوجئوا برفع أسعار عديد من السلع مع منحهم علاوة قدرها1.5 جنيه فقط, ودون وجود إعلام جيد وتبادل في وجهات النظر. ولذلك فإن المقترحات الواردة هنا إذا ما طبقت جيدا, لا يتوقع أن يحدث اعتراض عليها أو فورة ضدها. الحل الشامل: إن القضية الكاملة ليست الدعم, ولكن هي عجز الموازنة العامة للدولة. وهذا العجز ضار ويجب إقلاله كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. والطريقة الناجحة ليست بإقلال الدعم وإن كان هو أحد العناصر ولكن عن طريق تنفيذ حزمة من الإجراءات تستهدف: أولا: زيادة معدل النمو إلي ما يتراوح بين9 و10% سنويا لفترة مستمرة مدتها عقدين من الزمان مع العناية الفائقة بعدالة توزيع الدخل وإقلال نسبة الفقر. ثانيا: زيادة الإيرادات العامة عن طريق إقلال التهرب بين أداء الضرائب وتجنبها, وتسعير الخدمات الحكومية بالسعر الحقيقي خاصة تلك التي تقدم لأصحاب الدخول المرتفعة. ثالثا: إقلال النفقات الحكومية الترفية, مع العناية بفعالية النفقة, وأن تذهب غالبية النفقات إلي فئات الدخل المنخفض في صورة تعليم جيد ورعاية صحية وخدمات اجتماعية مناسبة. لقد تحدثنا كثيرا عن الدعم منذ ما يزيد علي ثلاثين عاما, ولم نفعل إلا القليل, وآن الأوان لأن نعمل أكثر مما نتكلم, ولا نلتفت إلي المعارضة التي لا تستهدف إلا تحقيق مصالحها الخاصة دون المصلحة العامة. عن صحيفة الاهرام المصرية 3/1/2008