مما تعيه الذاكرة, تلك الحادثة التي أثيرت مع بدايات تطبيق القطاع العام والذي حمل حرفين من الحروف الهجائية ق.ع, حيث كان يتم تفتيش العاملين قبل انصرافهم من بوابة المصنع الكبير. وعلي باب موقع من المواقع الكبيرة ضبط في جيب أحدهم مفك كهربي, وعبثا حاول العامل اقناع المسئول الأمني انه نسي أن يضع المفك في مكانه الصحيح, وبحكم التعود انه يضع هذه القطع في جيبه خوفا من ضياعها, وفشل الرجل في اثبات البراءة, وكان القرار فصل العامل من عمله ولم تمض سنوات وقد أفلس المصنع الكبير وبلغت الخسائر الملايين, اننا لا نهون من الأخطاء الصغيرة, فمعظم النار من مستصغر الشرر وأن اللص الكبير بدأ لصا صغيرا. والسؤال, ماذا جري لنا, هل هي مشكلة تعليم أم مشكلة بطالة؟ هل هي مشكلة أخلاق وتربية وانفلات وغياب الضمائر أم كل هذه معا؟ وحتي لا نستغرق في السلبيات ونضيع الأيام والسنين بحثا عن شماعات نعلق عليها المشكلات فلنبدأ بإضاءة الشمعة الأولي, فمصر ذات السبعة آلاف سنة من تاريخها تملك الكثير الذي لم يكشف أو بالأحري لم يفعل بعد, والفرق بين الدولة الغنية والدولة الفقيرة في كلمة واحدة اسمها التعليم, وخير دليل علي ذلك نجده في دول عديدة مثل اليابان التي تمتلك مساحة ضيقة بالإضافة الي أن80% من أراضيها جبال لا تصلح للزراعة ولا حتي لتربية الماشية, إلا أن اليابان يأتي ترتيبها بين دول الاقتصاد القوي في الترتيب الثاني, ويطلقون عليها المصنع العائم الكبير, فاليابان تستورد المواد الخام وتحولها الي منتجات عالية الجودة تغزو كل بلاد العالم, ويكفينا أن نقرأ عبارة صنع في اليابان وتهافت الناس علي الأجهزة الدقيقة الكهربية والإلكترونية, ناهيك عن الملبوسات ولعب الأطفال. ونأخذ المثال الثاني من سويسرا أو الاتحاد السويسري, الذي لا يملك جيشا كبيرا وهم يفكرون في الاستغناء عن الجيش المحدود الذي يقضي عطلة نهاية الأسبوع في المنازل والنزهة والراحة, أي أنهم لا يخشون من اعتداء أو هجوم, فلماذا ينفقون علي جيش بلا عمل, ومع أن سويسرا لا تزرع الكاكاو إلا أنها تصدر للعالم كله أجمل أنواع الشيكولاتة التي يحبها الصغار والكبار, وماذا عن انتاج الأجهزة الدقيقة كالساعات, كما أن المناخ السويسري لا يسمح لها بالزراعة أو تربية الماشية إلا لمدة أربعة أشهر في العام, لكنها تنتج أجود أنواع الألبان ومشتقاتها, انها البلد الصغير, وهي النموذج الجيد في الأمن وفي الدقة والعمل والنظام والمصارف والبنوك حتي يطلق عليها حافظة النقود العالمية. ويبقي السؤال الملح.. لماذا لا تكون مصر مثل هذه الأمثلة, فحتي الصين ذات الكثافة السكانية التي تفوق أي دولة في العالم نجد أن نسبة البطالة هناك تتناقص بمعدل أقل من نسبة تزايد السكان, ومستوي دخل الفرد يتزايد, ومرة أخري نقول إن لديهم أساسيات غير قابلة للتفاوض حولها وهي التعليم والثقافة والسلوك وهي أهم مباديء التغيير والتطوير. وأعود الي العنوان وهو خطايا الكبار كبيرة, وذلك بسؤال حول المسئولية, فمن هو المسئول عن تربية الحيتان والتي لم تكن إلا فئرانا أو جرزانا صغيرة, وتقع المسئولية القانونية إما بالترك والإهمال أو بالمشاركة في الأفعال, فالأم التي تترك رضيعها بلا عناية حتي يمرض أو يموت تعد فاعلا أساسيا حتي وإن لم تقم بأي عمل مادي, فهي في حكم القانون قاتلة, وهنا تحضرني قصة الطفل الصغير الذي سرق بيضة من منزل الجيران وشجعته الأم علي ذلك, فكانت الحادثة التالية إنه سرق دجاجة من ذات المكان فنال تشجيعا أكبر من الأم, وبدأت السرقة تكبر يوما بعد يوم فكان الولد يكبر وحجم السرقة يكبر معه, وكانت آخر جرائم السرقة انها اقترنت بالقتل العمد وكان الحكم العادل هو الإعدام, وقبل تنفيذ الحكم طلب مقابلة أمه وأجيب الي طلبه, وأراد أن يقبلها في لسانها وعندما تمكن قام بقطعه بأسنانه وصرخت الأم, وعندما سئل الشاب لماذا فعلت هذا؟ قال إن لسان أمي وتشجيعها لجرائمي الصغيرة قادني الي حبل المشنقة, إن الخطايا الصغيرة كان يمكن تجنبها منذ البداية بحسن الانتقاء أو الردع والجزاء.