يقولون إذا عرف السبب بطل العجب... وحيث إنني حتي اللحظة لا أجد سببا لمطالبة بعض المثقفين بأن تخضع الجمعيات الثقافية الأهلية لإشراف وزارة الثقافة التي تئن تحت وطأة كم المشكلات الإدارية والمالية وفقدان رؤية مستقبلية واضحة تحدد آليات العمل الثقافي, فلا أملك إلا أن أتعجب وأضرب كفا بكف.. فقبل أسبوعين أقام نادي القصة ندوة بعنوان دور الجمعيات الأهلية في المشهد الثقافي بعد ثورة25 يناير وقد أشار الحضور إلي ضآلة الدعم المالي الوارد للنادي من إدارة الجمعيات التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية والمعوقات الإدارية التي تواجهها الجمعيات الثقافية في ظل تبعيتها للشئون الاجتماعية, وأشار ممدوح أبو يوسف مدير عام الجمعيات الأهلية بوزارة الثقافة لخطوات تفعيل قانون ضم الجمعيات الأهلية الثقافية لوزارة الثقافة, بينما ندد د. يسري العزب نائب رئيس دار الأدباء بتقاعس أعضاء الجمعيات الثقافية عن انتزاع حقهم في الانضمام لمظلة وزارة الثقافة.. ورغم منطقية المطالبة بنقل تبعية الجمعيات الثقافية لوزارة الثقافة إلا أن هذه المطالب أغفلت عددا من النقاط التي تستحق المناقشة خاصة أن المشرع بصدد تعديل قانون الجمعيات الأهلية ومراجعة عملية الإشراف المالي والإدراي. فالغريب أن تظهر مثل هذه الدعوة بعد شهور قليلة من مطالبة عدد من المثقفين بإلغاء وزارة الثقافة وتحويلها لقطاعات متخصصة لخدمة العمل الثقافي بعد أن تحولت بمعوقاتها الإدارية وإشكاليات الانتدابات الخارجية لقيد يشل حركة المبدعين ويهضم حق العاملين في هذا القطاع لصالح الموعودين بالانتدابات ومزاياها. من ناحية أخري من المعروف أن كثيرا من الجماعات الثقافية المصرية التي تلقي البعض منها دعما ماليا من صندوق التنمية ترفض الانضواء تحت مظلة وزارة الثقافة ضمانا لحرية التعبير والإبداع ورفضا للتخلي عن شخصيتها وتفردها والتحول لبوق في تيار الثقافة الرسمية. والحقيقة أن تمسك هذه الجماعات باستقلاليتها علي مدي السنوات السابقة أدي لظهور تيار ثقافي مختلف تمثل في جماعات النقد والسينما والمسرح الحر وظهور تجارب إبداعية جديدة مثل سينما المولد ومسرح الشارع إضافة لعدد من الصالونات الثقافية والجمعيات الثقافية. في سياق ما سبق لا يبقي سبب لهذه الدعوة سوي محاولة تأمين موارد مالية من موارد وزارة الثقافة المحدودة أو صندوق التنمية الثقافية, الذي يعاني أزمة مالية حادة منذ فصل قطاع الآثار عن وزارة الثقافة وتم تخفيض الميزانية المخصصة لعدد من الأنشطة الثقافية وتوقف بعضها طبقا لتصريح د. عماد أبو غازي في صحيفة القاهرة إبان توليه حقيبة الثقافة. ورغم أن قناعتي الخاصة أن الثقافة صناعة ثقيلة لابد أن تدعمها الدولة وأن ثمة جوانب لا يمكن للقطاع الخاص أو المنظمات الأهلية أن تضطلع بها وحدها, كما في حالة الترجمة والنشر خاصة في مجال الدراسات المتخصصة والأعمال الموسوعية, إلا أنني أظن أن محاولة ربط عربة الجمعيات الثقافية الأهلية بجواد وزارة الثقافة المنهك يشكل إشكالية حقيقية, لا تهددها فقط بفقدان هويتها وطمس ملامحها بل أيضا ينتقل بها لمربع الثقافة الرسمية التي لم تظهر بعد ملامحها ولا تزال محملة بميراث من الواجهات البراقة وراءها دهاليز مظلمة رطبة.. وإلي أن يصل المثقفون لصيغة واقعية تحدد شكل العلاقات بين المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية ورؤية ثقافية مستقبلية واضحة قابلة للتنفيذ علي الأرض أظن أنني سأظل أردد مع كوكب الشرق دليلي احتار وأضرب كفا بكف..