نواب القروض ومافيا التعويضات, المبيدات المسرطنة و النصر للمسبوكات... قضايا لم تغب تفاصيلها عن ذهن المواطن المصري حتي بعد مرور العديد من السنوات علي وقوعها ولم ينسي المواطنون ملابسات تلك القضايا التي صدمتهم في حينها لكبر حجم الفساد الذي قدر بالملايين والمليارات, وارتبطت هذه القضايا في ذهن المواطن بجهة محددة بالرغم من تعدد الجهات الرقابية في مصر وهي هيئة الرقابة الادارية. وبالرغم من دورها المهم جدا في مكافحة الفساد خاصة الفساد الاداري الا انها تواجه ايضا عددا من المعوقات التي تحتاج إلي تعديلات تشريعية ونصوص دستوريه. فهذه الهيئة المستقلة التي تتبع رئيس مجلس الوزراء وتمارس كافة اشكال الرقابة الادارية والمالية وضبط الجرائم الجنائية التي تقع من العاملين ومن غير العاملين بالدولة والتي تمس بأداء الوظيفه العامة تعرضت إلي الحل في عهد الرئيس انور السادات نظرا لعدم ذكرها في اي نص دستوري ولتداخل مهام عملها مع جهات اخري الا ان انتشار الفساد في الجهاز الاداري للدولة انذاك اجبر الرئيس السابق علي اعادة الجهاز الرقابي مرة اخري ليمارس دوره علي كافة الهيئات العامة و الجهات التابعة لها و قطاع الاعمال العام و الجمعيات العامة و الخاصة التي تباشر اعمالا عامة. ولا تختص الهيئة فقط بالرقابة فطبقا لقانون انشائها رقم54 لسنة1964 فمن مهامها البحث و التحري عن اسباب القصور في العمل والإنتاج واقتراح وسائل لتلافيه, وأيضا بحث الشكاوي التي يقدمها المواطنون وما تنشره الصحافة من شكاوي او مخالفات او اهمال في اداء واجبات الوظيفة, وكذلك التحري عن شاغلي وظائف الادارة العليا والمرشحين لنيل الاوسمة والنياشين. وبالرغم من ان هيئة الرقابة الادارية تبدو مستقلة الا ان نطاق عملها يشوبه بعض التداخل مع جهات اخري وربما يحد هذا التداخل من دور الهيئة, فالجرائم الخاصة بالعدوان علي المال العام مثل الاختلاس والتربح وجرائم الاتجار بالوظيفة العامة مثل الرشوة واستغلال النفوذ تعد من الاختصاصات الاصيلة لهيئة الرقابة الادارية بينما جرائم مثل التهرب الضريبي والجمركي وجرائم غسل الاموال والغش في الانتاج والجرائم المتعلقة بالصحة العامة يتم ضبطها بالتنسيق مع بعض الجهات الاخري حيث يقتصر دور الهيئة علي اخطار مصلحتي الجمارك والضرائب بحالات التهرب. هذا التداخل الذي يراه البعض جانب سلبي يراه الدكتور محمد الذهبي استاذ القانون الدستوري والمحامي بالنقض جانب ايجابي فتعدد جهات الرقابة علي نفس المكان يعد من قبيل التشديد في الرقابة فهذه الهيئة انشئت في الاساس كفرع من فروع النيابة الادارية لتكون جهة تحر واستدلال ولترصد تجاوزات الموظفين و رأي المشرع ان يجعل للهيئة دور اكبر فتم فصل الهيئة كجهاز مستقل ولكن لتحقيق هذا الاستقلال لا يجوز ان تكون هذه الهيئة تابعه لأي سلطة تنفيذية سواء مجلس الوزراء او الرئيس وايضا لا يجوز ان تتبع البرلمان لغلبة السياسة علي شئونه ومن وجهة نظر الذهبي يري ان تتبع هذه الهيئة القضاء لانه بطبعه الحياد والموضوعية او ان تصبح هيئة مستقلة بموجب نص دستوري. وليس التداخل فقط بين نشاط هيئة الرقابة الادارية وعدد من الجهات الرقابية الاخري هو العقبة الوحيد التي تقف في طريق اتمام هذا الجهاز لدوره ولكنها ايضا القوانين المنظمة لعمل الهيئة التي لا تتوافق بعض موادها مع تفعيل دور الهيئة ومنحها الاستقلالية المطلوبة فالقانون54 لسنة1964 يلزم الهيئة بالحصول علي موافقة رئيس الوزراء قبل احالة اي من العاملين بالدولة للتحقيق بدءا من درجة مدير عام فأعلي! كما ينص القانون رقم203 لسنة1991 علي ضرورة استئذان رؤساء الشركات القابضة قبل القيام بأي عمل من اختصاص الهيئة بشركات قطاع الاعمال! وينص قانون البنوك رقم88 لسنة2003 علي استئذان محافظ البنك المركزي قبل ضبط جرائم الاضرار بأموال البنوك والتحقيق فيها بواسطة جهات التحقيق! وسواء كان الحل في تعديل القوانين او وضع نص دستوري للهيئة فقد عقدت العديد من جلسات الاستماع في اللجنة التأسيسية للدستور مع جميع الجهات الرقابية واستحدثت لجنة الاجهزة المستقلة و الرقابية التابعة للجنة الدفاع و الامن القومي هيئة جديدة تسمي المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد والتي يقول عنها الدكتور محمد محيي الدين مقرر اللجنة انها سوف تختص بمنع و مكافحة الفساد ونشر قيم النزاهة و الشفافية ومنع تضارب المصالح وتكون هيئة الرقابة الادارية قلب هذه المفوضية ويضاف لها الاجهزة التابعة وهي نحو6 اجهزة رئيسية مثل الكسب غير المشروع وجهاز المنافسة ومنع الاحتكار وجهاز حماية المستهلك و الاموال العامة وغيرها وتنسق بينها وبين الاجهزة غير التابعه مثل الجهاز المركزي للمحاسبات والبنك المركزي. اما عن تبعية المفوضية فقال: يسمي رئيس الجمهورية رئيس المفوضية ويقره مجلس الشيوخ وتكون هيئة مستقلة غير تابعه للسلطة التنفيذية او التشريعية وتحيل ما تكتشفه من قضايا إلي النيابة الادارية والنيابة العامة ويكون مجال عملها بدءا من مؤسسة الرئاسة وحتي اصغر وحدة حكومية في الدولة.