في غيبة الرقابة, تكاثرت الورش بشكل سرطاني داخل الأحياء السكنية, فأصبحت تمثل مصدرا للإزعاج, والتلوث, والزحام المروري!.. ولأن القانون في إجازة,صار سكان العشوائيات التي سقطت من حسابات المسئولين- يستيقظون كل صباح علي ورش جديدة تفتح أبوابها بدون ترخيص, أو يصيبهم الأرق من اصوات الآلات التي تعمل حتي ساعات متأخرة من الليل!! وقد يتساءل البعض: لماذا لا يتم نقل هذه الورش خارج الكتلة السكنية؟..ولماذا لا يتم إجراء توسعات في المناطق الصناعية القائمة, أو إنشاء أخري جديدة لاستيعاب هذه الورش ونقلها إليها؟.. وأين كانت المحليات حينما تكاثرت هذه الورش بهذا الشكل. وفي جولة ل تحقيقات الأهرام, رصدنا معاناة السكان علي الطبيعة في عشوائيات منطقة فيصل يصرخ السكان من غياب الرقابة, وتزايد الورش, ففي منطقة الكوم الأخصر بفيصل, قال لنا محمود عبد الله إن المنطقة مكتظة بالعديد من الورش منها ما يغلق ابوابه في نهاية اليوم, ومنها ما يظل يفتح أبوابه حتي وقت متأخر من الليل, فإحدي ورش النجارة قد تعمل طوال الليل في أحيان كثيرة, ناهيك عن الأصوات المزعجة التي تطلقها الماكينات, إلي جانب ورش سمكرة السيارات وما تسببه من زحام مروري, ومشاجرات مع المارة من أصحاب السيارات, وأصوات مزعجة تقلق راحة السكان, وبالرغم من صرخات السكان لا يتحرك أحد. الأمر ذاته, يشكو منه محمد عبدالعزيز بسبب ورشة نجارة بجوار منزله, أحالت حياته إلي جحيم بسبب رائحة المواد المستخدمة في طلاء الأثاث, فضلا عن تراكم الأخشاب المستخدمة في تصنيع الأثاث, والمخلفات الناجمة عنها, بينما تسبب ورشة أخري بالقرب من شارع الأربعين بمنطقة فيصل أزمات مرورية, وأصواتا مزعجة للسكان القريبين منها. وبالرغم من صرخات السكان من الورش المخالفة أو غير المخالفة لا استثناء, والتي أصبحت تمثل صداعا مزمنا في رؤسهم, لا أحد يعرف ما تحقق من إنجازات, وخطوات عملية في مشروع نقل وتطوير الصناعات الحرفية والمسبوكات, الذي أعلن عن تنفيذه في12 محافظة علي مستوي الجمهورية, بتمويل قدره407 ملايين جنيه, تتحمل وزارة التعاون الدولي الجزء الأكبر منه بالإضافة إلي مساهمة وزارتي البيئة والتنمية المحلية والمحافظات التي تشهد المشروع, والذي تتضمن تفاصيله إنشاء قرية الفخار, في محافظة القاهرة تم تنفيذ مشروع لتطوير هذه الصناعة بمنطقة الفسطاط في حي مصر القديمة, ويتضمن إنشاء100 ورشة و52 أتيليها,, في حين تم هدم وإعادة بناء وتطوير30 فاخورة منطقة المثلثة بحي مصر القديمة, وهي تعمل حاليا بالغاز, بينما كان مقررا نقل المسابك والورش الحرفية من داخل الكتلة السكنية إلي قرية الحرفيين بطريق القاهرةالفيوم التابع لمحافظة6 أكتوبر, وفي الإسماعيلية سيتم نقل الورش من داخل المدينة وهناك العديد من المشروعات لنقل الورش من معظم المحافظات بشكل عصري وملائم بعيدا عن المناطق السكنية لكن هناك تباطؤ وتوطؤ شديدين تسبب في كارثة الورش والمصانع الصغيرة بين السكان.. ومن الضروري- كما يقول الدكتور طارق عبد اللطيف أستاذ التخطيط العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة- إعادة تصنيف الورش داخل الكتلة السكنية, فمنها ما يؤدي إلي تلوث الهواء, ومنها ما يسبب التلوث السمعي والبصري, ومن ثم فإن هذه النوعية من الورش لابد من نقلها فورا خارج الكتلة السكنية, في حين هناك نوعية من الورش التي تقدم خدمات مباشرة للمواطنين, ولا تسبب إعاجا أو زحاما مروريا ولا تسبب تلوثا سمعيا, حيث لا تصدر عنها اصوات مزعجة للمواطنين, وهذه يجب الابقاء عليها, مثل ورش ميكانيكا السيارات, وورش الحياكة, والزجاج, والالكترونيات, والنجاره بشرط عدم إزعاجها للمواطنين, وما يسري علي الورش المحظور إقامتها داخل الكتلة السكنية, يجب أن يسري علي المصانع الملوثة للبيئة داخل الكتل السكنية, أو الموجودة بالقرب منها, لأنها تؤدي إلي تلوث الهواء بنسب مرتفعة, مما يسبب أضرارا صحية للمواطنين مشيرا إلي أن أحد اسباب فشل المدن الجديدة هي عدم توافر خدمات للسكان. وإذا كان الحل يكمن في تطبيق القانون علي المخالفين, فإن الدكتور صلاح الدين فوزي رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة يشير إلي أن تخطيط وتنظيم المدن تم النص عليه في قانون البناء الموحد رقم119 لسنة2008, وقانون الإدارة المحلية رقم43 لسنة1979, وبموجب هذين القانونين يتم تحديد مناطق السكن, والمناطق التي يمكن أن تنشأ فيها أنشطة تجارية أو صناعية, ولا شك أن مسئولية تطبيق القانون علي المخالفين تقع علي عاتق وحدات الإدارة المحلية في الأحياء, لكن الأحياء بما لديها من إمكانات متواضعة تتعثر في ملاحقة المخالفين بسبب زيادة حجم المخالفات المتراكمة منذ سنوات طويلة, مشيرا إلي أن العقوبة المقررة علي المخالفين تتراوح بين الحبس والغرامة, ولأن القانون في إجازة فإن العديد من المواطنين لا يحصلون علي ترخيص أو يعملون بدون تراخيص. يتفق معه الدكتور ممدوح حمزة أستاذ الهندسة بجامعة قناة السويس والاستشاري المعروف, مطالبا بضرورة عودة هيبة الدولة, وتطبيق القانوني والتشريعات, وتفعيل الرقابة علي المناطق العشوائية ومختلف الأحياء لوقف المخالفين, والتوسع في إنشاء الناطق الصناعية اللازمة لاستيعاب هذه الورش. والورش المخالفة- كما يقول الدكتور محمد سامح كمال الدين أستاذ الهندسة المعمارية بكلية الهندسة جامعة القاهرة ووكيل لجنة الإسكان السابق بمجلس الشوري- أصبحت تمثل صداعا مزمنا للسكان في المناطق السكنية, حيث نشأت في غياب التخطيط, وانعدام الرقابة, وغياب القانون, مشيرا إلي أن بعض الورش يمكن السماح ببقائها داخل الكتلة السكنية لانها لا تسبب أضرارا للمواطنين, بينما يجب نقل الورش الضارة فورا إلي مناطق صناعية قائمة بعد إجراء بعض التوسعات عليها, أواستحداث مناطق صناعية جديدة لنقل هذه الورش إليها.