الحج مؤتمر اسلامي لم يدع اليه صاحب هوي أو ذو غرض من الناس يلتمس من ورائه جاها أو يبتغي شهرة.. إنما جاءت الدعوة إليه من الذات الإلهية خالق الأرض والسماء ورب الأرباب وهو الغني عن عباده ليتعارفوا ويتآلفوا وليحققوا الهدف من قوله سبحانه وتعالي ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم وكانت دعوة الله عز وجل للحج كما يقول الدكتور محمد محمود هاشم عميد كلية أصول الدين بفرع جامعة الأزهر بالزقازيق ليستعرض المسلمون أحوالهم وينظروا فيما يصلح أمورهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة وقد جعل الله سبحانه فريضة الحج ركنا من اركان الدين وتمام الايمان فقال تعالي ولله علي الناس حج البيت من أستطاع اليه سبيلا ثم قال جل شأنه ومن كفر فان الله غني عن العالمين. تنبيها للناس الي أن عدم الحج مع القدرة علي أدائه بمنزلة الكفر فالله يقول وأتموا الحج والعمرة لله ويقول النبي عليه السلام بني الاسلام علي خمس شهادة أن لا إله الا الله وأم محمد رسول الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا. ولأن اليسر والسماحة والرحمة والرفق بالعباد في الاسلام جعلته يبني جميع تكاليفه للناس علي السهولة واللين فلم يكلف, أحدا بما يشق عليه أو يتعذر فعله فقال سبحانه ما جعل عليكم في الدين من حرج وقال أيضا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فمن استطاع الحج فقد لزمه الفرض.. ومن لم يستطع فليس عليه إلا العزم الطيب والاتجاه الصادق والله يهييء له الأسباب ويمهد الوسائل ويسدد الخطوات. ويضيف الدكتور محمد أبو هاشم أن من فضل الله علي الناس أن جعل أداء فريضة الحج علي الناس مرة واحدة, وذلك حتي لايكلفهم من الأمر مالا يطيقون فقد خطب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا.. فقال رجل أكل عام يارسول الله فسكت النبي عليه السلام حتي قالها الرجل ثلاثا.. فقال صلي الله عليه وسلم لو قلت نعم لو جبت ولما استطعتم ثم قال النبي إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم علي أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شيء فدعوه واجتماع المسلمين في الحج يعمق في القلوب الطاعة الخالصة والرغبة الصادقة في عفو الله ورحمته ليتدارك ما ارتكب من معصية وما الحق به من آثام وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما من مات ولم يزك أو يحج سأل الله الرجعة الي الدنيا ثم تلا قوله تعالي حتي إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت وهو اجتماع ليس فيه تنافس علي دنيا أو تزاحم علي منفعة أو ضلال وبهتان أو انقياد لباطل, ولكنه مؤتمر تزول فيه الفوارق بين الكبير والصغير والغني والفقير والرئيس والمرءوس وتهون فيه قيمة الدنيا ويصغر ما فيها من جاه ومتاع ويشعر المسلم بزوال الفروق الأرضية والحواجز الجنسية وتبقي رابطة الاسلام تسيطر علي كل النفوس. منافع كبري والحج أحد شعائر الدين وآخر ما فرض من العبادات التي رسم الله تعالي حدودها وبين معالمها كما انه عبادة تجمع فضل أركان الاسلام لشموليتها ومنافعها الكثيرة والمتعددة في مختلف جوانب الحياة الدنيوية والأخروية ومن أعظم تلك المنافع كما يقول الدكتور رمضان يوسف الأستاذ بكلية الدراسات الاسلامية بجامعة الأزهر تحقيق التقوي وتعميقها في النفوس من خلال أداء الشعائر التي تتجسد في مناسك الحج تصديقا لقول الله سبحانه ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب.. وغفران الذنوب كما ورد في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.. وتنمية الشعور بالعزة والفخر للانتماء الي هذه الأمة المسلمة من خلال المشاركة الفاعلة ميدانيا ووجدانيا في مناسبة يلتقي فيها أبناء الاسلام من مشارق الأرض ومغاربها في مكان وزمان واحد مرتدين لباسا ويمارسون عبادات وشعائر موحدة لغاية واحدة يناجون ربهم بلسان ونداء واحد لا فرق فيهم بين شخص وآخر.. وتحقيق مبدأ الاخوة الايمانية بين المسلمين بتكوين العلاقات الايجابية تحقيقا لقول الله سبحانه إنما المؤمنون اخوة حيث لا يوجد مظهر للأخوة في أي دين غير الدين الاسلامي وفي فريضة الحج التي هي أحد أركانه.. والتربية السلمية المثالية التي ينبغي أن يعيش بها الانسان حياته مع باقي المخلوقات مهما كثرت اعدادها وتباينت اتجاهاتها وأهم نموذج لذلك تحريم حمل السلاح وصيد البر في الحج وحتي في تبادل الأحاديث والأقوال تطبيقا لقول الله عز وجل فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج مخافة أن يؤدي الي الأذي والخصومة.. ويأتي قبل كل هذا وبعده تعظيم لله سبحانه واقامة ذكره جل وعلا كيدا لقوله تعالي ويذكروا اسم الله في ايام معلومات وقوله سبحانه واذكروا الله في ايام معدودات وهو مايؤكده الحديث النبوي عن عائشة أم المؤمنين ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لاقامة ذكر الله ويضيف الدكتور رمضان يوسف الأستاذ بجامعة الأزهر ان المنافع التي تحصل للحجاج ذكرها الله تعالي في سورة الحج بعدما أمر نبيه وخليله ابراهيم عليه السلام ببناء البيت الحرام في قوله سبحانه وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ومن المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس البيع والشراء ومكاسب اصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج والحركة المستمرة في وسائل النقل وما يعود علي الفقراء من صدقات أو من ذبائح الهدي والضحايا والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم وتسويق البضائع.. ومن المنافع الدينية التفقه في الدين والاهتمام بشئون المسلمين والتعاون علي البر والتقوي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفوز بما وعد الله من دخول الجنة.