صادرت مسئولة المرافق عربة بائع جائل في إحدي مدن تونس وأهانته فلم يدر كيف يعول أسرته فأشعل النار في نفسه كمدا فارتج العالم العربي مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية وكان زلزال الربيع العربي ودارت الأيام دورتها فإذا بنا نعايش هجمات انكشارية شرطة المرافق علي الباحثين عن العيش الكريم بحجة إزالة المخالفات والحفاظ علي درجة جمال وتناسق لا تثير عظيم إعجاب في المناطق الحضرية المصرية التي طال إهمالها, ودون إعداد أماكن مناسبة لهم بصورة حقيقية. فكم ربيع عربي نحتاج حتي تحقق ما طالبت به ثورة يناير؟ ولماذا وصلت الأزمة الاقتصادية إلي هذه الدرجة, ليس في الدول المسماة بالنامي فحسب, ولكن في دول أوروبا أيضا؟ ولماذا هذه الطبيعة القاسية للنظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي المعاصر الذي لا مكان فيه للفقراء, ولا بواكي لهم؟ لكي نفهم هذه القسوة التي تحولت إلي نظام, علينا أن نعود إلي الوراء قليلا لنتذكر نشأة النظام الاقتصاد الذي ترجم نفسه إلي نظم سياسية, وأيضا إلي قناعة عامة وإلي علوم تدرس في الجامعات, لا مكان فيها لتراحم أو ود, بل صراع محموم بين مجموعات مصالح. وأساس الفكر المادي أن الكون مادي أبدي آلي, وأن الكائنات ظهرت بتطورات عشوائية, وأن هدف الوجود هو البقاء والحصول علي الغذاء عن طريق صراع متناحر يفوز فيه الأقوي والأقدر. وأن نشاط إنتاج السلع والخدمات وتداولها محكوم بقوانين ميكانيكية آلية في الاقتصاد تعني إبعاد الدين والأخلاق عنه حيث يسعي الجميع بحرية لتحقيق مصالحهم الذاتية. وتدخل السلطة في الأنشطة المحكومة بالقوانين الطبيعية, إلا لحمايتها وصيانتها, يفسدها ويضر المجتمع. لأن التنافس والصراع يفرز الضعفاء وغير القادرين علي المنافسة, ويخلص المجتمع والسوق منهم لمصلحة المجتمع وكل وسائل الإنتاج ومصادر الثروة يجب أن تكون مملوكة ملكية مركزة لاستغلالها بكفاءة لإنتاج وتراكم الثروة وتحقيق الربح والنمو. ولا يهم كيف يحصل الفائزون علي ثرواتهم, لأن حصولهم عليها يعني فوزهم في الصراع لصالح المجتمع. هذا الفكر أفرز نظام الرأسمالية التي تعني التوزيع غير المتساوي للدخل والثروة وتركيزها في أيدي أكثر أعضاء المجتمع كفاءة في صراع البقاء وتحقيق التراكم الرأسمالي للثروة. وهي تستلزم جعل غالبية السكان لا ينتجون ما يستهلكون, لإرغامهم علي العمل كاجراء( لأنهم الأقل كفاءة في صراع البقاء) وبيع السلع لهم وخلق ثقافة الاستهلاك لتحقيق النمو الاقتصادي المستمر, وتكديسهم في مدن مكتظة لتحقيق اقتصاديات الرأسمالية. ورغم أن وجود البشر سبق وجود الشركات, إلا أن اقتصاد السوق ونظام التعليم الذي يؤهل الأجيال الجديدة للالتحاق بالسوق, هو الذي قضي علي إمكانية العمل خارج مؤسسات النظام الرأسمالي وهذا أنتج بطبيعة الحال المذهب الليبرالي (أي التحرري) التقليدي الذي يعني أن ترك الحرية لقوي السوق وآلياته سيؤدي إلي استغلال أمثل وتوجيه أحسن للطاقات والثروات,يحقق النمو الاقتصادي والتقدم المنشود.وأن آليات السوق هي منظومة أخلاقية قادرة علي ارشاد سلوك الإنسان, والحلول محل كل المعتقدات الأخلاقية السابقة. هكذا ظهر علم الاقتصاد المعاصر منذ حوالي 300 سنة فقط كعلم يعمل بآلية صماء لا يقبل التناول الأخلاقي لنشاط إنتاج وتوزيع السلع, في تعارض تام مع كل الأديان السماوية, يضع سياسته الليبرالية الخبراء والفنيون المتسلحون بأفكار الرأسماليةالليبرالية. والسوق حسب هذه العقيدة الآلية يجب أن تترك حرة لقوي السوق دون تدخل حكومي لصالح الفقراء (لأن الفقر هو مشكلة الفقراء التي عليهم هم حلها), وهو سينتج أكثر النظم كفاءة. الدولة القومية هي التي تصنع نظمها الاقتصادية في ضوء تحيزاتها الأيديولوجية وإجاباتها عن الأسئلة الكبري للحياة. ونظريات الاقتصاد الحديث, كثيرا ما تستخدم كقناع يخفي منظومة استنزاف اقتصادية والأمبراطورية الاقتصادية الأمريكية ترتكز علي الدولار والسيطرة العسكرية فبعد انتصار أمريكا في الحرب العالمية الثانية وحلولها محل الإمبراطورية البريطانية, وضعت نظاما سياسيا ماليا اقتصاديا لجعل الدولار (الذي كانت تحتكر طباعته) هو عملة الاحتياطي العالمي, مع تسعير كل السلع المهمة خصوصا البترول به لضمان رواجه وحاجة الجميع إليه, وبقيت حتي الآن تحرس هذا النظام العجيب سياسيا و اقتصاديا وعسكريا بكل ما أوتيت من قوة. بعد أن تحقق لها ما أرادت, انهمرت الدولارات كالسيول علي العالم لكي تستحوذ أمريكا والأمريكيون علي ما يشتهون من أصول وسلع من كل العالم لمدة تزيد علي 60 سنة ولا تزال, بأوراق تطبعها, بل لا تتجشم حتي عناء طباعتها في عصر الكمبيوتر والأنترنت, فتكفي نقرات علي لوحة مفاتيح الحاسب لخلق فيضان دولار ات تسميه تسهيلات كمية. بل إن أمريكا تحاصر الجميع بقواعد عسكرية تبنيها من هذه الدولارات التي توجدها من لا شيء بمجرد كتابتها علي شاشة الحاسب! واغراق الجميع في القروض, وتدمير المنشآت والمدن ثم إعادة بنائها بقروض جديدة بفوائد يعني في حقيقة الأمر فرض إتاوة علي الاقتصاد, ويفسر الاهتمام بدك المدن والمصانع أثناء الحروب, والاقتتال بين الحلفاء علي عقود الإعمار بعد الحروب; لأنها تمثل أرباحا وفيرة للشركات ودخلا شبه دائم للبنوك المقرضة لتكاليف الإعمار!فإذا تذكرنا أن جل البنوك الغربية بما في ذلك البنوك المركزية مملوكة ملكية خاصة للنخب الغربية تديرها مثل الشركات بغرض تحقيق الأرباح, فإن عجبنا يزداد. في ضوء الأساس الأيديو لوجي للحضارة الغربية المعاصرة والامبراطورية الأمريكية المسيطرة, فإن فهم النقود المصدرة مركزيا يصبح ضروريا لإحسان فهم الاقتصاد والتخطيط للتنمية المستقلة والتحوط ضد مخططات الأخرين.