شريف الغمري : الجلد, الرجم حتي الموت, بتر الأطراف, هذه مجرد أمثلة لبعض العقوبات التي أصبحت تطبق علي أبناء شمال مالي علي يد الجماعات الإسلامية المتطرفة التي أصبحت تسيطر علي المنطقة مثل جماعة أنصار الدين وموجاو وأقم وهي الجماعات الأصولية المتطرفة التي ظهرت علي الساحة عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في شهر مارس الماضي, وأصبحت هذه الجماعات تستخدم مثل هذا النوع من العقوبات بشكل متزايد وتحرص علي تطبيقه أمام أبناء مدن الأشباح الشمالية في مالي, كنوع من الردع لإجبار سكان هذه المدن علي قبول حكمهم ورؤيتهم للعالم وللدين. مالي التي كانت بالأساس دولة إسلامية معتدلة في غرب أفريقيا, أصبح فيها كبار السن يتساقطون بعد جلدهم, وترجم النساء اللائي يضبطن وهن يرتدين مجوهرات أو يضعن عطر أو لا يضعن غطاء علي رءوسهن, هذا بالإضافة إلي العقاب الذي يناله من يدخن السجائر أو يضع نغمة قد تعد غير شرعية علي هاتفه المحمول, إضافة إلي تجنيد مئات الأطفال في سن الثانية عشرة بهدف تقوية صفوف تلك الجماعات بعد ان اجبر القتال في شمال مالي نصف مليون شخص علي الهروب منذ ابريل الماضي, ولا تزال منظمات الإغاثة وحقوق الإنسان غير قادرة علي دخول تلك المنطقة. كانت هذه العقوبات قد وردت في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش من مالي عما يواجهه أبناء الشمال ومنهم قبائل الطوارق, علي يد الجماعات الإسلامية المتطرفة والمسلحة.ومن المعروف أن قبائل الطوارق التي تتمركز عبر عدة حدود افريقية, كانت قد نجحت في الربيع الماضي في السيطرة الفعلية علي الجزء الشمالي من مالي, وهي منطقة شاسعة تعادل حجم دولة فرنسا, حيث أعادوا تسمية المنطقة باسم ازواد, وشكلوا ما عرف بالحركة الوطنية للتحرير وبدأوا يطالبون رئيس مالي الجديد بالانفصال وتأسيس دولة الطوارق في الشمال علي أمل ان تمتد يوما ما من مصر شرقا حتي موريتانيا غربا, وهو المخطط الذي واجهه الجميع بالرفض, بدءا من دول الجوار, خاصة الجزائر وموريتانيا والنيجر, بالإضافة إلي دول غربية مثل فرنساوالولاياتالمتحدة. كانت الطوارق قد قامت بالتحالف مع مليشيات مثل أقم وهو اختصار جماعة القاعدة في المغرب الإسلامي التي ظهرت بشكل أساسي عام1998 وانضمت إلي تنظيم القاعدة عام2006, هذا بالإضافة الي جماعة أنصار الدين وموجاو والجماعة الإرهابية النيجيرية بوكو حرام, لكن سرعان ما انفرط عقد هذا التحالف واندلع القتال, واضطرت قبائل الطوارق للخروج من آخر معقل لها في الجزء الشمالي من مالي ليقع تحت سيطرة المتطرفين. وما يزيد الأمر تعقيدا ان شمال مالي هو جزء من نفس المنطقة الصحراوية التي تطوق جنوب ليبيا, مما يعني أن الأسلحة والمقاتلين المرتزقة الذين استخدمهم القذافي ضد الثوار الليبيين قد تمكنوا من الهرب خارج الاراضي الليبية بعد مقتله والتحرك بسهولة عبر الجزائر متجهين نحو مالي للانضمام الي الجماعات المتطرفة هناك. ويشير المراقبون إلي أن مالي, علي الرغم من أن تعداد سكانها, أكثر من ضعف سكان ليبيا, إلا أنها ليست دولة غنية بالنفط وليست ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة إلي الولاياتالمتحدة, وهذا يفسر جزئيا عدم تدخل دولي حتي الآن فيما يعد جرائم حرب ترتكب ضد سكان المنطقة حيث يتم تغطيتها عادة من خلال وسائل الإعلام باعتبارها أخبارا ثانوية. ورغم دعوة مجلس الأمن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا, والتي تعتبر مالي عضوا فيها, إلي فرض عقوبات علي الشمال لتضييق الخناق علي تلك الجماعات, إلا ان المحاولة باءت بالفشل وهو ما دفع حكومة مالي الي ان تطلب رسميا من الأممالمتحدة إرسال قوة عسكرية لمساعدتها في استعادة سيطرتها علي الشمال البلاد فرغم تصريحات الرئيس المالي التي دعا فيها الجماعات الإسلامية إلي التفاوض والحوار إلا انه في نفس الوقت لم يستبعد خيار الحرب إذا لم يبق خيار آخر.فما تشهده مالي حاليا من اضطرابات مستمرة تجعل جميع الاحتمالات مطروحة ومنها احتمال وقوع انقلاب مسلح آخر في أي وقت وهو ما سيؤدي لحدوث مزيد من الفوضي والاضطرابات والتطرف والإرهاب في منطقة غرب أفريقيا.