الفيلم المسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام أطلق موجة غضب مشروع في العالم الإسلامي, اختلطت بأعمال عنف أضرت بصورة الإسلام والمسلمين, لكن المفارقة التي تحتاج منا إلي تفكير جاد ومن دون حساسيات, أن الاحتجاجات بدأت في مصر واستمرت لعدة أيام وهو ما لم يحدث في أي بلد إسلامي, كما جرت خلالها اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة, وأعمال تخريب في محيط السفارة الأمريكية التي رفع المتظاهرون فوقها علم تنظيم القاعدة. الظاهرة غريبة علي مصر, لذلك نحن في حاجة إلي تفسير, فقد يكون ما جري مقدمة لأحداث وتداعيات أخطر تضر بالأمن الداخلي والوحدة الوطنية. وبداية لا يمكن التسليم بالتفسيرات السطحية وأشهرها وجود طرف ثالث, أو ادعاء أن الثورة المضادة تحرك الأحداث, أو أن المتورطين في الهجوم علي السفارة هم من البلطجية والمسجلين خطر, وأن هناك من يستغل الوضع ويوظف غيرة المصريين علي الإسلام وحبهم للرسول الكريم لإحراج الرئيس مرسي وجماعة الإخوان, أعتقد أن هذه التفسيرات وغيرها لا تقدم إجابات حقيقية وإنما تزيف الوعي بالواقع والسلوك السياسي للمصريين. قد نقبل أن هناك أطرافا داخل وخارج مصر قد استفادت من تحول الاحتجاج السلمي إلي أعمال عنف وتخريب, لكن لابد كي نفهم ما جري ونتوقع مسارات المستقبل أن نسلم بأن الحالة الثورية التي بدأت في25 يناير لم تنته, فلم تبني الثورة مؤسساتها وتنتقل إلي مرحلة الشرعية الدستورية, والأهم أن الثورة لم تحقق أهدافها, خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية, واستيعاب قدر ولو محدود من تطلعات المصريين المشروعة من الثورة. في هذا الإطار تبرز مظاهر عدم الرضا بين قطاعات واسعة من المصريين حول ما آلت إليه الثورة, ولعل استمرار ما يعرف بالمطالب والاحتجاجات الفئوية والجهوية يوضح ما أقصد, من هنا قد تجد الفئات والشرائح الاجتماعية المهمشة في أي احتجاجات جماهيرية فرصة للتعبير عن غضبها من استمرار تهميشها بعد الثورة, وأتصور أن دور المهمشين وأطفال الشوارع يتزايد كلما ارتبطت الاحتجاجات والمظاهرات بأعمال عنف وصدامات مع الجيش أو الشرطة باعتبارهما من رموز السلطة, علاوة علي تراث العداء والفهم الخاطئ بين الشرطة والمهمشين. المهمشون في القاهرة وعموم مصر, يمثلون قطاعا كبيرا ومتنوعا من الفقراء الأميين العاطلين أو الذين يعملون بشكل غير منتظم, إضافة إلي شباب الأحياء العشوائية الذين لا عمل لهم, ولا أمل, رغم حصولهم علي نوعية رديئة من التعليم الابتدائي والمتوسط, وهؤلاء جميعا لعبوا دورا مهما في الدفاع عن الميدان في معركة الجمل, حتي إنه يمكن القول بأنهم والألتراس من حموا الثوار في التحرير, لأنهم أقدر وأكثر تدريبا علي ممارسة العنف, ثم برز دورهم من جديد في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء, حيث استمرت الاشتباكات الدموية لأيام رغم تدخل قيادات سياسية ودينية, الأمر الذي كشف عن انفصال القيادة السياسية للثورة عن الشارع, وعدم معرفة الأولي بما فجرته الثورة من طاقات غضب وطموح لدي فئات وشرائح اجتماعية, أغلبهم من الأميين ممن لا يعرفون عن الثورة أو السياسة سوي تحسين ظروف حياتهم وإدماجهم في المجتمع, وهو ما لم يتحقق حتي الآن. المهمشون هم ضحايا نظام المخلوع الذين لم تتحسن أوضاعهم, كما لم ينتظموا في حركات أو أحزاب سياسية أو جماعات إسلامية, وبالتالي استمر وعيهم السياسي مشوشا وربما زائفا, فحركتهم علي الأرض, وقدرتهم علي ممارسة العنف, قابلة للتوظيف ضد مصالحهم وضد الوطن, وقد توظف في إطار تحرك بعض الفوضويين, أو بعض جماعات الإسلام السياسي أو بعض اليساريين, أو حتي بعض الفلول أو الأطراف الأجنبية. القصد أن فائض المهمشين في القاهرة علي اختلاف مكوناته بمثابة جيش مجهول وتحت الطلب عند انفجار الأزمات, وقود قابل للاشتعال ضد رموز السلطة وأجهزة الدولة بحكم العداء التقليدي الموروث بينهم وبين السلطة التي لم تمنحهم الحد الأدني من حقوق المواطنة. علينا أن نسلم بأن المعطيات السابقة يمكن أن تساعد في تفسير:1- أن دور المهمشين يمثل إحدي أهم آليات تحول الاحتجاج السلمي إلي أعمال عنف, واستمراره, وعدم قدرة القيادات الدينية أو السياسية علي وقف أعمال العنف. 2- الاحتمالات المستقبلية لاندلاع ثورة جياع يفجرها جيش المهمشين في المدن الكبري وعلي تخومها, مع ملاحظة تنامي قدرات وخبرات هذا الجيش علي ممارسة العنف, فقد تدربت عناصرها في عديد من المواجهات الدموية, وعرفت إمكانات وأساليب رجال الشرطة والجيش. لابد من استباق هذه الاحتمالات من خلال أهمية الإسراع بتبني برامج اجتماعية وتثقيفية لاحتواء مشاعر الإحباط والغضب لدي جيش المهمشين في مصر, وإدماجهم في المجتمع عبر إتاحة فرص عمل حقيقية, وإشراكهم في الحياة السياسية, وعدم الاكتفاء كما يحدث حاليا بتقديم بعض المساعدات أو الصدقات التي لا تدوم, وتظهر فقط في أثناء الانتخابات ما يعمق من مشاعر الاستياء والتهميش الاجتماعي والسياسي. وأعتقد أن الأحزاب وجماعات الإسلام السياسي وجماعات المجتمع المدني مطالبون بمراجعة أساليبهم في العمل, وابتكار أساليب جديدة يمكن من خلالها التواصل مع المهمشين والفقراء, وإشراكهم في مشروعات تنموية صغيرة تكون مدخلا مناسبا لتغيير الواقع المادي للمهمشين, ومن ثم النهوض بوعيهم وتشجيعهم علي المشاركة السياسية. المزيد من مقالات محمد شومان