الاهرام : 9/4/2009 لاشك في أن احدي نتائج العولمة كان اختراق النظم القومية للدول ذات السيادة, بما في ذلك نظم التعليم والإعلام والثقافة والتربية والادارة وكل مناحي الحياة وهذه التداعيات بوجهها السلبي والايجابي أحدثت انفجارا في منظومة القيم العليا التي يعتنقها الداخل اقتباسا من الخارج الذي يصعب التمييز بينهما أي الداخل والخارج بسبب التفاعل الشديد والترابط المتزايد. هكذا أصبحنا نشاهد صباح مساء موجات التذمر ورياح الغضب تعصف بكل بلاد الدنيا فانطلقت المظاهرات والاضرابات وشغب الشوارع والعنف الشعبي والتمرد والعصيان وفي المقابل لجأت الحكومات والنظم السياسية إلي اتخاذ اجراءات أمنية وخطوات وقائية للسيطرة علي مايعتبره البعض انتفاضات تحررية وثورات شعبية وسخط الشرائح الاجتماعية المعروفة كالطلاب والعمال والنساء والمهاجرين. ولكن ثبت أن الاجراءات الأمنية غير فعالة في علاج هذه المواقف المنفلتة بسبب المد الديمقراطي المعنوي الذي فتح أعين الناس علي حقائق عالمنا المتغيرة وأعطاها كلمة السر إلي العصر الجديد.. عصر التغير والمبادرات والمشاركة والمواطنة والحريات العامة وحقوق الانسان. في هذه البيئة كبرت شجرت الحرية وتطلعت الجموع الي قطف ثمارها وبخاصة أن التفسير الغالب لهذه الصرخات السياسية المدوية هو أن الاحتجاج بمثابة تعبير حي( ان كان في صورة سلبية) عن الرغبة الجارفة والتعطش الشديد الي المشاركة الديمقراطية ونبذ سياسات الاستبعاد والاقصاء للقوي الاجتماعية المهمشة والمحرومة ولا أقول المقهورة تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والتحولات القاسية الجارية . إنما هي في الواقع تعبير مباشر عن الرغبة في اقتسام أحلام الوطن والتخلص من الاغتراب في الزمان والمكان وأزمة الهوية والانتماء واتساع الفجوة بين الحكام والمحكومين فضلا عن تحول هذا الكوكب الأزرق الجميل الذي هو كوكب الأرض بيت البشرية إلي ساحة للصراعات والحروب والأزمات التي اكتوينا بنيرانها وشرورها. نعود فنقول إن كل هذا الغضب النبيل الذي يدفع الناس إلي الشارع سخطا ورفضا لأوضاع قائمة ظالمة يمكن استثماره فالغضب بمثابة طاقة فائضة لدي الجماهير لابد من احتوائه وترويضه ليصبح قوة دافعة للتغيير الايجابي البناء. معني ذلك أن طاقة الغضب الفئوي أو الجمعي أو الطائفي أو العرقي أو الطبقي يمكن السيطرة عليها وتوجيهها نحو الهدف المنشود ألا وهو الاستقرار الاجتماعي بترويض نزعات التمرد والعصيان حفاظا علي الغضب الرشيد الذي يمكن ان يزودنا بطاقة دافعة الي ارادة التغيير وإدارة التغيير وصولا الي أهداف غالية ومشروعة تدور كلها حول الأمن والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والاستقرار والسلام كسياسات عليا تتولي تنفيذها مؤسسات فعالة محققة السلم الاجتماعي والتعاون الوطني مع المجتمع المدني. وفي جميع الأحوال نحن لن نتنكر لحقوق الانسان في رفض المظالم ومقاومة الاستغلال والتمرد علي الطغيان بأساليب جديدة ومبتكرة علي سبيل المثال نشاهد كيف تنظم الجماهير نفسها خلال المسيرات الاحتجاجية بل إن البعض يحولها الي شكل مهرجانات بالموسيقي والفنون لكي تجذب وجدان القادة والزعماء وتقديم الزهور الي رجال الشرطة أو توزيع الهدايا والعطايا الرمزية وتنمية التفاهم والصداقة بين منظمات المجتمع المدني والسلطات العامة. وبمناسبة الرمزية في هذه الاحتفالات الشعبية أذكر قصة لطيفة رواها صديق جاء من زيارة إلي اليابان وكان أكثر ماأدهشه تقبل الادارة اليابانية فلسفة الاحتجاج والتي كانت غريبة علي الثقافة اليابانية في صورة رمزية معبرة حين وقف أحد العمال وعلي ذراعه شريط أحمر اللون باعثا برسالة احتجاج الي الادارة العليا ضد سياسة الأجور. إن ترشيد الغضب يضيف الي رصيد الوطن دفعات طائلة من النجاح والأمل ويحتوي الرغبة في التجديد ويوجهها الي طاقة ايجابية بناءة من خلال توسيع القنوات الشرعية للممارسة السياسية.