باتت اللغة العربية يتيمة فى الحياة اليومية وكادت اللهجة المصرية الحلوة تندثر تحت وطأة ماسمى لغة الفرانكو لسكان المنتجعات ولغة السرسجة التى اخترعها سكان العشوائيات ردا على ثقافة أسوار الكومبوندات التى باتت تخلق عالما آخر ليس له علاقة بحوارى نجيب محفوظ وواقعية يوسف ادريس وربما يكون هناك بعض العذر لهؤلاء وأولئك نتيجة الفوضى فى هوية التعليم الأساسى فمصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تمارس كل أنواع التعليم فهناك التعليم الحكومى والأزهرى والخاص والدولى والبريطانى والفرنسى والأمريكى واليابانى والصينى مما خلق اضطرابا فى الهوية وأصبح لدينا أجيال تنتمى لثقافة المدارس التى نشأوا فيها ومنهم من لا يجيد القراءة والكتابة باللغة العربية وأقصى ما يمكن أن يمارسوه هو الكتابة بالفرانكو أرب ووضعوا قاموسا للحروف العربية من الأرقام اللاتينية وكان من الطبيعى ان يكون لجيل الكومبوند أندية اشتراكاتها بالدولار وشواطئ خاصة لا يدخلها العامة وكافيهات بعيدًا عن مقاهى العامة، واخترعوا للشيشة نكهات النعناع والمانجو والجوافة بدلا من معسل الأص والسلوم وأصبح مشهد البودى جاردات مألوفًا فى الكافيهات والجامعات والشواطئ الخاصة, وباتت اللكنة الأمريكية هى اللغة الأم لهم، وهو ما دفع نصف الشعب الآخر إلى ابتكار لغة السرسجة لمواجهة حصار الكومبوندات فأينما تولى وجهك تطالعك إعلانات المنتجعات باللغة الإنجليزية فإذا انشغلت عن قراءتها اتصلت بك شركات التسويق العقارى تلح فى مجرد الاستماع لعروضها إن رفضت الاستمرار لأن المتصل يكلم الشخص الخطأ فإذا جلست مسترخيا تهاجمك الإعلانات عنها فى البرامج والمسلسلات والهدف تثبيت ثقافة الكومبوند فى الذهن المصرى وليس البيع لأن القادر على الشراء لايحتاج الى تلك الإعلانات المملة والتى تخاطب شعبا آخر غير الشعب الذى يمتلك أكثر من نصفه بطاقات تموين. ثم إن كل إعلانات المنتجعات باللغة الإنجليزية وكأنها أصبحت لغة البلد الرسمية والأمر هكذا هرب الأولاد والبنات من المؤسسة الرسمية فى البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والعيش فى عزلة خلف أسوار المنتجعات العالية، أو التسكع على مواقع الإلحاد والشذوذ والإدمان على وسائل التواصل الاجتماعى كان هذا السلوك متماثلا تمامًا مع موقف كثير من المؤسسات التى تعيش خلف أسوارها، ولاتنزل للشارع بينما المواطن الحقيقى أو الموازى لا يعرف عن الكمبوند أو العشوائيات شيئا سوى ما تسرب إليهم فى المسلسلات التى تخاطب شعبًا مختلفًا، وتبدو المصادفة فى تماس العشوائيات مع المنتجعات لتثبت أن هذا البلد لديه القدرة على التعايش بانسجام حتى مع التناقضات الحادة، وإذا كانت حياة العشوائيات مكشوفة وعلنية للجميع، فإن الأسوار العالية للمنتجعات كالجدران العازلة بين وطنين وشعبين، فإذا ما انتقلت بضع خطوات بينهما فإن الحياة ما بين الاثنين تمثل الفارق بين حضارتين، والفارق الزمنى هائل بينهما فى كل شيء. وكما اخترع سكان المنتجعات نمطًا مختلفًا لحياتهم، سارع الآخرون باختراع مجتمعهم، وبرز عبده موتة، وردح المهرجانات وشطة واللمبي، وغيرهم الذين يقيمون ليلًا فى العشوائيات ونهارًا فى قصورهم بالمنتجعات وأخشى ألا يكون الخبراء والفلاسفة والسياسيون والاستراتيجيون الذين وضعوا خطط مستقبل مصر فى 2030 منتبهين لتلك الكارثة، وكأن الذين سينفذون خطط المستقبل ليس هؤلاء، وهم مجرد عينة ممثلة للنخبة القادمة التى ستحكم وتدير دولاب العمل فى تلك الأمة. * ببساطة رحم الله من دافعوا عن وطن وليس حفنة تراب. كثرة التبرير تفقد المؤيد احترامه. كثرة الشتيمة تفقد المعارض مصداقيته. مو صلاح شخص اتفق عليه المصريون. التبرير الرسمى للأخطاء يمنح الفساد شرعية. تضرب الأمواج الشاطئ لأنه لا يدافع عن نفسه. الأغلبية ستر وغطا على أخطاء السلطة. ستصاب إذا وقفت بين المتحاربين. (الإرسال من أى جهاز) تشرح الواقع بتفاصيله. لمزيد من مقالات سيد على