على درب السيد أحمد عبد الجواد فى رائعة نجيب محفوظ, بين القصرين, يسير الرئيس التركى رجب طيب أردوغان. فبينما أتلف عبد الجواد بضاعة وكالته بأمر الهوي, فإن أردوغان أتلف ويتلف وكالة الأنباء التركية الأناضول بأمر الهوى الإخواني. ويبدو أن إفساد وكالات الأنباء الرسمية للدول قرار اتخذه التنظيم الدولى للإخوان وينفذه أتباع التنظيم أينما حلوا أو تمكنوا من سدة الحكم فى بلد ما. فجماعة الإخوان وقبل أن تثبت أقدامها فى حكم مصر الذى استولت عليه فى عام 2012 هرعت إلى تصفية وكالة الأنباء المصرية الرسمية وكالة أنباء الشرق الأوسط, وتنصيب وكالة أنباء الأناضول بدلا منها فى نوفمبر 2012 بافتتاح المكتب الإقليمى للوكالة فى القاهرة بحضور وزيرى الدفاع والخارجية التركيين فى سابقة لم تشهدها أى دولة فى العالم من قبل، إلا أن الثورة المصرية فى 30 يونيو أنهت تلك العملية القذرة. أما وكالة أنباء الأناضول فمن الواضح أنها لم تجد من يدافع عنها وتمكن منها الإخوان بقيادة أردوغان نتيجة تحكمه فى مقاليد الأمور بتركيا لأكثر من عقد من الزمن، فإذا بالوكالة التى يقترب عمرها من مائة عام تتحول إلى بوق لأردوغان الذى حولها بدوره لتصبح الوكالة الرسمية للجماعة، ولا عزاء للشعب التركي! بينما كانت وكالة أنباء الأناضول تطمح وتخطط لأن تصبح ضمن وكالات الأنباء الشهيرة والأهم حول العالم، وهو ما حدا بها لافتتاح أقسام لها بلغات مختلفة عديدة، كان من بينها القسم العربى الذى جاء مترافقا مع صعود المشروع الإسلامى فى المنطقة العربية منذ عام 2011، وتطلعات أردوغان نفسه لإعادة إنتاج العثمانية بحلة جديدة يكون فيها السلطان أو خليفة للمسلمين. ومن ثم تصور انه لا بد أن يكون هناك جسر بينه وبين العرب، وهو الدور الذى سعت للعبه للوكالة بنسختها العربية، أو أن تكون على حد تعبير رئيس مجلس إدارة الوكالة: همزة الوصل التى ستربط تركيا بالشعوب العربية. فإذا بالوكالة تتحول كما وصفها نائب حزب الشعب الجمهورى المعارض طورجوت ديبك، الى مجرد أداة فى يد أردوغان, علاوة على ذلك، ووفق بعض المصادر، فإن الوكالة عمدت إلى القيام بأنشطة استخباراتية فى الدول التى توجد فيها مكاتبها، وقدم مراسلوها خدمات استخباراتية عديدة، حيث عرّضت فى تقاريرها حياة عدد من المعارضين الأتراك فى المهجر للخطر، على نحو ما حدث فى ولاية نيوجيرسى الأمريكية العام الماضى مع زوجة عادل أوكسوز المطلوب فى قضية محاولة الانقلاب، وكذلك مع المعارض التركى والأستاذ بجامعة يوتا أمر الله أوسلو فى عام 2017، الذى أرجع ما تقوم به الوكالة إلى إعادة الهيكلة التى أدخلتها عليها المخابرات التركية فى عام 2011 و2012 بأوامر من أردوغان حتى أصبحت ذراعًا تابعة لها. كل ذلك كان بهدف تدعيم أردوغان دور تركيا السياسى فى المنطقة وعلاقاتها مع مصر فى ظل الإخوان عبر مساندة الإخوان إعلاميًّا من خلال وكالة أنباء الأناضول، كما تفعل قطر من خلال قناة الجزيرة. ومع فشل مشروع الإخوان بثورة 30 يونيو 2013، فعلت تركيا ووكالة أنبائها ما فعلته قطر وقناة الجزيرة, إذ تشن كل من وكالة أنباء الأناضول وقناة الجزيرة حربًا إعلامية ضد الدولة المصرية. آخر ما فعله الهوى الأردوغانى الإخوانى بوكالة أنباء الأناضول كان ما فعلته فى تغطيتها لوفاة محمد مرسى نهاية الأسبوع الماضي. إذ تحولت الوكالة من وكالة صحفية يفترض أنها تنقل الأخبار إلى بوق يبث كل أكاذيب الرئيس التركى وتصوراته أو بالأحرى أوهامه وأوهام الإخوان عن وفاة مرسي، ومسرح ينفث فيه أردوغان حقده وكراهيته للدولة المصرية. فالوكالة اعتمدت منذ اللحظة الأولى إطلاق صفة الشهيد على مرسى امتثالا لأوامر أردوغان، ومع ذلك فقد اكتشف المتابعون لمواقع الوكالة على وسائل التواصل الاجتماعى كيف أن الوكالة غيرت من صياغة أخبارها طبقا للغة المستخدمة والموجهة للشعوب التى تنطق بتلك اللغة. فبالغتين العربية والتركية استخدمت الوكالة وصف شهيد فى صياغة لخبر وفاة مرسي، أما باللغة الانجليزية فلم تأت على ذكر وصف شهيد ولا أى وصف آخر للرجل، فقط نعته وتمنت له المغفرة. الوكالة تعرف جيدا أن القراء الأجانب الناطقين بالإنجليزية لا يعنيهم مثل تلك الأوصاف التى تفرط الوكالة فى استخدامها بشأن مرسى ومن ثم خاطبتهم بالشكل الصحيح، ولم يكن الأمر فيه أى خطأ بالترجمة، إذ لا يوجد من يشكك فى معرفة القائمين على القسم الإنجليزى فى الوكالة باللغة الانجليزية. والوكالة فى ذلك الموقف تنفذ السياسة أو المبدأ المعتمد لدى الإخوان وهو مخاطبة الخارج باللغة التى يفهمها حتى بات ذلك الخارج متفهما موقف الجماعة فى أمور كثيرة بتأثير خطابها المراوغ بين الداخل والخارج. وهكذا باتت للجماعة وعضوها الحاكم لتركيا صورتان، إحداهما بالعربية والتركية تصدر إلى العرب والأتراك والأخرى بالإنجليزية تصدر للخارج، وهى الصورة التى تبرر بعض المواقف التى يتخذها الخارج ويبدو معها وكأنه يتحدث عن جماعة أخرى غير تلك التى يعرفها المصريون والعرب عامة. وتماديا فى دعم أوهام أردوغان عن مرسى نشرت الوكالة موضوعا بعنوان: رغم وفاته: مرسى يعتمر فى مكة, وهو موضوع تحاول فيه الوكالة دعم فكرة أن مرسى شهيد كما أن العنوان يتماهى أيضا مع محاولة الإخوان تقديس مرسى وتكريس صورة له وكأنه نبي، بينما الموضوع أن هناك أشخاصا ادعت الوكالة أنهم يقومون بالعمرة من أجل مرسي! وللتأكيد على أن تلك حالة إخوانية يمكن الرجوع لتصريحات إخوانية كثيرة احدثها وصف توكل لمرسى بأنه آخر الأنبياء ومن ثم توجهت عبر حسابها فى تويتر بعد وفاة مرسى الى كل الاتباع قائلة لهم: صلوا عليه وسلموا تسليما، ومن قبل ذلك تصريحات عديدة لعزة الجرف, أم أيمن, قالت فى إحداها مخاطبة مرسي: ربنا مش هيخذلك لأنه هو اللى اختارك. فهل تكون وكالة الأناضول آخر ما يقدمه اردوغان من مقدرات تركيا لقاء نزواته وهواه الإخواني؟ الإجابة لدى الشعب التركى وحده، ويبدو أنه قد بدأ فى الإجابة منذ الانتخابات المحلية التركية فى مارس الماضي. لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة