والأصل في التسمية هو: توازن توازنت فهي متوازنة. وتوازن تأتي من تعادل كفتي أي ميزان. وتمتاز موازنات الحكومة في عديد من سنوات سابقة وحتي الآن أن كفتي الميزان فيها غير متوازنة علي الاطلاق فكفة كبار الأغنياء تلتهم كل شيء ولا تبقي سوي الفتات لكفة الفقراء. لكننا وقبل أن نبدأ في مناقشة مشروع الموازنة الحالية يجب أن نعترف بأننا في حيرة شديدة فما أن تمسك برقم لتناقشه حتي ينكره د. يوسف غالي, ففي كل حالة هناك رقم للجهاز المركزي للمحاسبات وآخر مختلف للبنك المركزي وان كان هذان الاثنان متقاربين, ثم رقم ثالث مختلف تماما لوزير التنمية الاقتصادية ورابع مختلف عن الجميع يختص به الدكتور غالي. وفي جميع الأحوال وفي ظل هذا الارتباك سواء أكان مقصودا أو غير مقصود تبدو أية دراسة جادة مستحيلة, وكمثال يتكرر في كل حالة نكتشف أن اجمالي الأجور في الموازنة2010 2011 قد زاد بنسبة8% من حين نجد أن جهاز المحاسبات والبنك المركزي قالا أن نسبة التضخم لكن د. غالي لديه رقم آخر للتضخم تتراوح بين15%,16% أي أن الاجور الحقيقية سوف تنخفض بنسبة الفارق بين زيادة الاجر وزيادة التضخم هو9% أي أن الحال عال ولا مشكلات لدي أصحاب الأجور. ولأن المساحة محدودة فإننا مضطرون إلي اشارات سريعة. زادت قيمة القروض بقيمة105 مليارات بما يمثل عجزا هائلا في الموازنة ومن ثم الحاجة إلي مزيد من الاقتراض, ومن ثم مزيدا من أعباء خدمة الدين. هناك رقم مخيف في الموازنة هو12 مليار و772 مليون جنيه تحت بند المتحصلات من الإقراض وبيع الأصول. فأية أصول متبقية ستباع وقد أوشكت الحكومة علي بيع كل شيء. بمراجعة نسبة متحصلات الضرائب من الفئات المختلفة نكتشف أن القطاع الخاص يحصل علي80% من اجمالي الدخل العام الموزع بينما يسدد29% من ضرائب الدخل. في حين يحصل أصحاب الأجور والمرتبات علي20% فقط ويدفعون16% من الضرائب. وتتكفل الهيئات الاقتصادية العامة] بترول قناة السويس الشركات العامة, بسداد55% من الضرائب. وأي نظرة علي هذه الأرقام توضح مدي اختلال ميزان الموازنة ومدي ضرورة فرض ضرائب تصاعدية. هو ما يرفضه وبإصرار معالي الوزير. هذا بالإضافة إلي خلل أخر في هيكل الاجور حيث يحصل البعض علي أجور مجنونة في ارتفاعها تصل إلي مئات الآلاف في الشهر وبعضها يصل إلي المليون وأكثر من المليون شهريا. بينما تتوقف الحكومة عن تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بوضع حد أدني ملائم للأجور نري نحن أنه يتعين أن يكون متحركا كل فترة بحيث يكفل توفير سلة من الطعام الضروري وتكلفة المسكن الملائم والمواصلات والعلاج والتعليم والملبس.... الخ, وبالطبع لن يمكن توفير التكلفة إلا عبر ضرائب تصاعدية. في مضاربات بورصة الأوراق المالية يحقق كبار الأشخاص الطبيعيين ارباحا هائلة كل يوم يمتصونها من صغار المضاربين الذين لا يمتلكون لا الخبرة ولا المعلومات اللازمة للمضاربة. وتترك هذه الأرباح الهائلة دون أية ضرائب. فلماذا؟ والمثير للدهشة أن وزير المالية يبرر رفضه لفرض ضرائب تصاعدية وضرائب علي مضاربات البورصة من جانب الأشخاص الطبعيين بحجة عدم تطفيش المستثمرين. ناسيا أن تجاهل تحقيق التوازن بين مكونات المجتمع وضرورة توزيع الدخل القومي توزيعا عادلا يكفل تحقيق حياة ملائمة وانسانية للمواطنين يؤدي بالضرورة إلي مظاهر صارخة من عدم الاستقرار والتمرد والاضرابات والاعتصامات. وأسأل هل سيطمئن أي مستثمر أجنبي إلي الاستثمار في مصر إذا سمع أو قرأ أو مر في شارع قصر العيني حيث يري المعتصمين من كل فئات المجتمع يفترشون الأرصفة وينشرون البطاطين والملابس علي أسوار مجلسي الشعب والشوري وهل سيثق في انسانية الحكم وكفاءة تعاطيه مع مشكلات المجتمع وهو يري المعاقين المعتصمين علي أرصفة المكان؟ ومصر التي تشكو من عجز دائم وخطير في ميزان المدفوعات تفتح أبوابها للاستيراد غير العاقل والتهريب الذي لا قيود عليه. وفي عام الأزمة(2008 2009] استوردت مصر سلعا استهلاكية بتسعة مليارات ونصف مليار جنيه وهي سلع استفزازية بكل المعايير مثل: خبز وفطائر وكعك وبسكويت(15,3 مليون) جمبري واستاكوزا]40,4 مليون, سجق وكافيار ومعلبات اسماك]133 مليونا, يخوت وزوارق للنزهة57 مليونا وبالإضافة إلي أيس كريم وبنس وتوك وأمشاط أضاف اليها الوزير من قبيل الفكاهة وفلايات وبغض النظر عن الفكاهة فإن هذه السلع الاستفزازية تمثل عبئا علي ميزان المدفوعات قدره609.5 مليون. وهناك شهية وبلا حدود لتدمير الصناعة الوطنية يفتح الأبواب لاستيراد سلع لها مثيل مصري. يجري دعمها في بدلة المنش بحيث تباع في السوق المحليا بأسعار أرخص من المنتج المحلي, مثل احذية133 مليونا موبيليا منزلية]184 مليونا, فواكه طازجة]135 مليونا, أقمشة وملابط]941 مليونا, سجاد وموكيت]44 مليونا] مصدر المعلومات قاعدة بيانات الأممالمتحدة مركز التجارة العالمي,. والمثير للدهشة أن اتفاقية منظمة التجارة العالمية تنص في( م18) فقرة(2) إنه يحق لأي دولة تواجه الخطر من تزايد الاستيراد علي صناعاتها أو انتاجها المحلي بأن تتحلل مؤقتا من التزاماتها وذلك برفع رسومها الجمركية علي السلع محل المنافسة أو أن تفرض عليها قيدا كميا للحد من استيرادها. فلماذا لا نستخدم هذا الحق؟. وهنا نصل إلي جوهو الخلاف بيننا وبين هذه الموازنة بل وبين مجمل سياسة الحكم وهو: إذا أتينا إلي العدل الاجتماعي وجدنا دفاعا عن المستثمرين ورفضا لفرض أية ضرائب تصاعدية عليهم. ولكننا لا نلبث أن ندمرهم لحساب الأجنبي بفتح السوق المصرية أمام منافسة ظالمة لسلع مدعمة في بلدة المنشأ. الأمر الذي يعني تدمير البنية الاقتصادية المصرية وتدمير العدالة الاجتماعية معا ومن ثم ضرب الاستقرار الاجتماعي بصورة قد تتفاقم فتصل إلي حد التفجر. فكيف؟ وبأي عقل؟ ولأية مصلحة؟. أرجو اجابة عاقلة وليس من قبيل ما نحصل عليه من الوزير المسئول. المزيد من مقالات د. رفعت السعيد